تغطية جلستي النواب: الإعلام ترك ما يعنيه إلى ما لا يعني أحداً

تغطية جلستي النواب: الإعلام ترك ما يعنيه إلى ما لا يعني أحداً
الرابط المختصر

 

يوم الثلاثاء، 24 اذار عقد مجلس النواب جلستين؛ صباحية تشريعية، واصل فيها المجلس نقاش القانون المؤقت لهيئة المرئي والمسموع. ومسائية رقابية، ناقش فيها عددا من المستجدات التي أثارها بعض النواب، مثل "الرقصة الإسرائيلية" في مطار الملكة علياء، وتصريحات الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، والاتفاق "المبدئي" مع روسيا لبناء المفاعل النووي...الخ.

 

 

لكن الاعلام، بشكل عام، والصحف اليومية بشكل خاص، بالكاد قام بتغطية الجلسة الصباحية، التي أقرّ المجلس خلالها 16 مادة من قانون المرئي والمسموع، على أهميته بالنسبة للإعلام نفسه. وركز في تغطيته على الجلسة المسائية الرقابية، التي لم تكن لتحدث فرقا في سياسة الحكومة، فقد كانت مجرد جلسة "استفسارات" من النواب حول عدة قضايا، أكثرها قد لا يهم المواطن أو الإعلام، أو يؤثر في حياته، ليرد عليها رئيس الوزراء مطولا وينتهي الأمر عند هذا الحد.

 

وفي التفاصيل: تناولت صحيفة "الغد"، 25اذار، في تقرير مطول المداولات التي جرت في الجلسة المسائية، فيما لم يرد أي ذكر للجلسة الصباحية، بينما تناولت صحيفة العرب اليوم بشكل مطول الجلسة المسائية الرقابية، وغطت أسئلة النواب بشكل شبه موسع، وخصصت جملة واحدة قصيرة جدا للجلسة الصباحية، أتت في آخر التقرير، قالت فيها:" وكان المجلس قد أقر 16 مادة من مواد القانون المؤقت قانون هيئة المرئي والمسموع."

 

صحيفة "الرأي"، التي كانت تغطيتها أفضل قليلاً، تناولت جلستيّ المجلس في تقرير مطول زاد على ألفي كلمة، خصصت أقل من 200 منها لتغطية مناقشات مواد المرئي والمسموع، ومع ذلك فإن تقرير الصحيفة أعطى نقاشات "بند ما يستجد من أعمال" القسم الأكبر من التقرير، ولم يخرج التقرير عن "النمطية" أو الشكل التقليدي لتغطية النقاشات أو إقرار المواد. كما لم يكن التقرير، فيما يتعلق بنقاش القانون وافيا، إذ لم يوضح التقرير إلى أين وصل نقاش قانون المرئي والمسموع، فمن يقرأ التقرير لا يعرف ما إذا أنهى المجلس القانون، أو عدد المواد المقرة، أو أبرز وجهات النظر في المجلس.

 

صحيفة "الدستور" تناولت الجلسة التشريعية بخبر "موسع"، لكن تغطيتها لم تخرج عن الشكل التقليدي في تناول النقاشات، بل كانت انتقائية جدا، إذ ركزت على بعض المداخلات، التي يبدو أن المحرر اعتبرها "أكثر إثارة" أو جذبا لانتباه القاريء من غيرها، كما لم يكن التقرير شاملا، إذ لم يتناول نقاش وإقرار المواد الستة عشر، واقتصرت التغطية على نقاش المادتين المتعلقتين بالاستثمار الأجنبي في الإذاعات والمادة المتعلقة بحق منح مدير هيئة الإعلام حق وقف بث مواد أو برامج "تضر بالأمن الوطني أو السلم المجتمعي أو تبث مواد إباحية وذلك بعد حصوله على أمر قضائي من قاضي الأمور المستعجلة".

 

ومع ذلك، افتقد التقرير إلى الموضوعية، نوعا ما، خاصة في يتعلق بأقوال النائب محمود الخرابشة بحق مالك راديو البلد، داود كتاب، فقد تجاهلت الصحيفة رد الأخير على أقوال الخرابشة، خلافا لما فعله موقع "عمون" مثلا، الذي أورد توضيح كتّاب في نفس التقرير.

 

صحيفة "السبيل" تناولت الجلستين في ثلاثة اخبار؛ تقرير موسع عن الجلسة الرقابية، ركز على استفسارات النواب عن "الرقصة الإسرائيلية" في مطار الملكة علياء. تقرير مطول نقلا عن "بترا" تناول رد رئيس الوزراء على أسئلة النواب. وأفردت خبرا قصيرا جدا عن الجلسة الصباحية تناولت فيه نقاش النواب ورفضهم حصر الاستثمار في الإذاعات بالأردنيين فقط، متجاهلا نقاش وإقرار المواد الاخرى.

 

أما المواقع الالكترونية، فلم تكن تغطيتها أفضل كثيرا من الصحف، فموقع "المقر" نشر خبرا قصيرا عن الجلسة الصباحية. وموقع "عمون" نشر خبرين قصيرين عنها أحداهما عن أقوال النائب محمد الحجايا والنائب محمود الخرابشة. والخبر الثاني، قصير جدا وتعلق بموافقة المجلس على منح مدير هيئة الإعلام حق وقف بث مواد أو برامج "مضرة بالأمن القومي".

 

موقع "عمان نت" نشر تقريرا مطولا عن مداولات المجلس خلال الجلستين، تناول التقرير في الجزء الثاني منه نقاشات قانون المرئي والمسموع، لكنه لم يخرج أيضا عن نمطية التغطية، ولم يكن وافيا، اذ لم يقدم للقاريء صورة شاملة للنقاشات أو أين انتهت.

 

على هذه الحال توقفت تغطية نقاشات المجلس لقانون المرئي والمسموع، أحد أهم القوانين الناظمة لعمل وسائل الإعلام، بل لأكثرها تأثيرا ومتابعة، الإذاعات والفضائيات، ومرر النواب تعديلا "خطيرا" في جلسة الثلاثاء بمنح مدير هيئة الإعلام حق وقف بث أي مادة او برنامج يرى فيه خطرا على "الأمن القومي أو يضر بالسلم الأهلي"، دون تعريف واضح ومحدد لهذه المفاهيم.

 

والمفارقة تكمن في أن الإعلام، الذي يشتكي من القيود المفروضة على حريته في القوانين الناظمة لعمل الإعلام، غاب عن تغطية نقاش القانون، أو كانت تغطيته تقليدية جدا وكان الأمر لا يعنيه ولا يعني المواطن.

 

كذلك تجاهلت التغطية بعض المواقف "المهمة" أو ربما "الخطيرة" على حرية وسائل الإعلام التي أبداها بعض النواب خلال التغطية، إذ أن النائب خليل عطية طالب بمنح مدير الهيئة حق بث أي مادة يعتقد انها "مضرة" دون اللجوء إلى القضاء، ما اضطر رئيس المجلس، عاطف الطراونة، إلى التدخل في محاولة لقناع النائب عطية بضرورة رجوع المدير للقضاء.

 

كذلك الحال مع النائبة والإعلامية رلى الحروب، التي وافقت على المادة، رغم أنها قد تؤثر على حرية الإعلام، قائلة:" المادة تبدو مضادة للحريات ومضادة لحقوق الإنسان لكنها مهمة للحفاظ على السلم الاجتماعي في الدولة".

 

متابعة التغطية الإعلامية لجلستي المجلس، الثلاثاء 24 اذار تظهر ما يلي:

ركزت التغطية الإعلامية لأغلب وسائل الإعلام، على الجلسة المسائية "الرقابية" وتجاهلت بعضها بشكل كامل، الجلسة الأولى التشريعية على أهميتها لعمل وسائل الإعلام نفسها.

 

لم تقدم التغطية للجلسة الأولى، صورة واضحة أو شاملة ، وبالكاد يستطيع المتابع أن يعرف أين وصل نقاش القانون.

 

ركزت تغطية بعض وسائل الإعلام على نقل مقتطفات منتقاة من كلمات النواب، وخاصة تلك الكلمات أو "المقتطفات" التي يعتقد المحرر أنها تشد انتباه أو تجذب القراء أكثر من غيرها، كما هو الحال مع أقوال الخرابشة والحجايا.

 

ركزت التغطية على الجلسة المسائية، ونقلت كلمات أو فقرات مطولة من مداخلات النواب، كما هي، وهي بذلك صرفت نظر المواطن عن مناقشة قانون مهم لصالح قضايا اكثرها آني، قد لا يؤثر على حياة المواطن.

 

غاب عن الإعلام التحليل فيما يتعلق بتغطية المواد المقرة من القانون في الجلسة الأولى، واكتفى بنقل "انتقائي" لبعض المداخلات دون أن يقدم للمتابع أي تحليل يساعده في تكوين رأي حول المواد المقرة.

 

كانت العناوين لدى الصحف الخمسة متشابه، وركزت على نقاشات الجلسة الرقابية، ولم تبرز نقاشات قانون المرئي والمسموع.

 

لم يول كتاب الأعمدة أي أهمية لنقاشات القانون في جلسة الثلاثاء، اذ لم يكتب أحدا عن نقاشات المجلس، رغم أهمية المواد المقرة، خاصة المواد المتعلقة باستثمار الاجنبي أو بوقف البث.

 

وعلى كل، لا تختلف تغطية وسائل الإعلام لجلستي الثلاثاء، خاصة الجلسة المسائية التي حظيت بتغطية أفضل أو أوسع "كميا"، عن التغطية التقليدية لجلسات مجلس النواب.

 

بيد أن وسائل الاعلام صارت تولي "عناية" خاصة لما تعتقد أنه "مثير" أو أكثر جذبا للمتلقي، فقد أصبح التركيز على "المناوشات" أو بعض الأقوال المثيرة هي الأكثر إبرازا في التغطية.

 

والمتابع لشبكات التواصل الاجتماعي يرى مدى تأثير هذا النقل النمطي التقليدي أو "الانتقائي" على المتلقين، إذ أن نشطاء هذه الشبكات تداولوا بكثافة ما دار في الجلسة المسائية فيما مرت المواد المقررة من قانون المرئي والمسموع مرور الكرام دون أن يلتفت إليها أحد.

 

وهكذا قد يمر قانون المرئي والمسموع، بهدوء وبساطة، كما مر من قبله قانون استقلال القضاء، مثلا، ذلك أن تركيز الإعلام على النقاشات الهامشية و "حركات" بعض النواب أو المناوشات باتت تصرف نظر المواطن عن كل ما يعنيه إلى ما لا يعنيه فعلا.

 

ويلخص الكاتب ابراهيم غرابية على صفحته عبر "فيسبوك"، 24 اذار هذه الحال قائلا:"  قانون الموازنة أولى وأجدر أن يهتم به المواطنون ويتابعوا تفاصيله، ويترتب على اهتمامهم قرارات مهمة تؤثر في حياتهم. ولكن منع سياح من الرقص في المطار أو السماح لهم لا يقدم ولا يؤخر شيئا".