فلسطين: سخونة الأسعار قد تحرك المياه الآسنة

فلسطين: سخونة الأسعار قد تحرك المياه الآسنة
الرابط المختصر

لم تكن ليلة أمس عادية في شوارع بلدة حلحول قضاء الخليل، إذ خرج المئات من شبان البلدة في تظاهرة غاضبة من سياسة الحكومة الاقتصادية، المتمثلة برفع الأسعار وموجة الغلاء التي تجتاح الضفة، وأحرق الشبان إطارات السيارات، وأغلقوا الشوارع الرئيسية في البلدة، وأطلقوا هتافات منددة بالحكومة وبسياساتها التي لا تراعي قدرات المواطن الفلسطيني حسب تعبيرهم.

وقامت الشرطة الفلسطينية بالتعاون مع سيارات الدفاع المدني بإطفاء الإطارات المشتعلة وفتح الشوارع التي تم إغلاقها، ولاحقت عددا من الشبان المحتجين في محاولة لاعتقالهم.

وبلدة حلحول التي تقع شمال الخليل، انضمت إلى حركة الاحتجاجات التي تنتشر سريعا في مدن الضفة بعد ان أقدمت الحكومة الفلسطينية على إصدار عدد من القرارات المتعقلة برفع الضرائب ورفع أسعار المحروقات بشكل لم يتوقعه المواطن الفلسطيني، ما أدى الى خروج تلك المظاهرات التي كان أشدها في مدينة الخليل صباح الثلاثاء، حينما أغلق مواطنون الطرق الحيوية في المدينة، ورفعوا شعارات تتصف بالجرأة تجاه الحكومة مطالبة برحيل رئيس الوزارء.

وتزامنت مظاهرات الخليل مع أخرى في رام الله، وبيت لحم، ونابلس، وغيرها من المدن حيث عبر المحتجون عن رفضهم لسياسة الحكومة الفلسطينية وقراراتها الاقتصادية.

وسرت شائعات مساء الثلاثاء عن مصدر فلسطيني غير معروف عن نية الرئيس محمود عباس اصدار تعليمات بالغاء قرارات الحكومة وخاصة قرار رفع اسعار المحروقات والايعاز بصرف رواتب الموظفين فورا، وهذا ما تم نفيه حينما تحدث الرئيس محمود عباس في اجتماع اللجنة التنفيذية عن احترام حق المواطن في التعبير عن رأيه والتظاهر، وما تم اعلانه عن استحالة صرف الرواتب في هذه الايام لعدم توفر السيولة لدى الحكومة الفلسطينية بحسب ما اكده رئيس الوزراء سلام فياض الذي وعد بمتابعة مطالب المواطنين والعمل ضمن الفريق الوزاري على ايجاد حلول لموجة الغلاء التي اثارت سخط المواطن الفلسطيني ودفعته للمطالبة بقوة برحيل حكومة سلام فياض. بل وارتفع سقف المحتجين الى تحمل الرئيس محمود عباس المسؤولية باعتباره صاحب القرار في تعيين رئيس الوزراء.

ولم تخل صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة "فيس بوك" من مظاهر الاحتجاج ونشر اللافتات والرسوم المعبرة عن مزاج الشارع الفلسطيني الساخط على سياسة الحكومة الاقتصادية. وحملت هذه اللافتات والرسومات معان عدة منها ان الحكومة حولت الهم الفلسطيني من هم المقاومة ودحر الاحتلال الى هم لقمة العيش وهو ما لم يشهده الشعب الفلسطيني من قبل، وذهب البعض الى اتهام الحكومة بأنها تحمل في اجندتها هذا الهدف. حينما وعدت الشعب قبل سنوات ببناء اقتصاد فلسطيني حر واعلن حينها رئيس الوزراء سلام فياض اننا جاهزون للدولة الفلسطينية، لينقلب الموقف الصادم من جاهزون اقتصاديا ومؤسساتيا للدولة الى اننا غير قادرين على توفير الرواتب للموظفين، وان السلطة الفلسطينية تمر بأزمة مالية مصيرية. وهذ ما اثار استهجان الشارع، وقلقه مما يحدث حوله من ظروف متقلبة.

وحملت غالبية مظاهر الاحتجاج على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي عبارات غريبة وطريفة ورسومات لرئيس الحكومة الفلسطينية تظهره على سبيل المثال كبطل العالم في رفع الاسعار كناية عن بطل العالم في رفع الاثقال، وتصور بعض اللافتات والصور سلام فياض يفكر بفرض رسوم على الضحك في فلسطين، وظهرت احدى الصور لسلام فياض وهو يداعب طفلة فلسطينية وكتب على الصورة "هاتي شيكل لأني لاعبتك". وما لفت الانظار ايضا تصميم صورة له وهو يجلس مع ابو عرب اشهر الفنانين الفلسطينين في الاغنية الوطنية اذ يطلب رئيس الوزارء منه عمل اغنية "تطري الجو".

هذا بالاضافة الى النكات والتهكم على ما وصل اليه الشعب من مراحل اذ نشر البعض رسوما كاريكاتورية لطبيب ينصح مريضه بعدم استخدام التاكسي لتجنب امراض القلب، وأن لا يطلع على الاسعار كي لا يرتفع ضغطه، وأن لا يسير بأي معاملة حكومية خوفا على مرارته، أن ينسى نشرة الاخبار "عشان مايروحش فيها".

وشاب اخر في مدينة الخليل رفع لافتة يخاطب فيها سلام فياض قائلا " سلام فياض لو مكنتش انت تدلعني مين حيدلعني" وهي مقتبسة من احدى الاغنيات المشهورة.

ويرى المراقبون والمحللون أن المظاهر الشعبية والتحركات في الشارع الفلسطيني مهمة وقد تؤشر الى تحرك شعبي قد يتوسع الى مطالب سياسية وليس اقتصادية بحتة من خلال اعتراض الشارع الفلسطيني على اتفاقية باريس التي تعد جزءا من اتفاقيات السلام مع اسرائيل، لكن المحللين والمراقبين يرون ان الحكومة والمستوى السياسي الفلسطيني لم يتعامل باهتمام مع هذه التحركات، معتبرين ان التأخر في التعامل معها بحكمة قائمة على معالجة ديمقراطية تأخذ رأي الشارع باهتمام وبعيدا عن الحلول الامنية قليلة النفع، قد يسهم في توسعها اكثر، مع ان الرئيس الفلسطيني اكد على احترام حق المواطنين في التظاهر والتعبير عن رأيهم.

ومن الملاحظ في هذه التحركات ان الاجهزة الامنية الفلسطينية، لم تستخدم القوة لمنع اقامة الاحتجاجات، ويرجع المحتجون ذلك الى انهم لا يهدفون الى خرق الامن والنظام العام وان احتجاجاتهم واضحة الاهداف، ويذهب المراقبون والمحللون الى اعتبار ان ضبط النفس لدى الاجهزة الامنية تجاه الاحتجاجات جاء لتجنب الوقوع في الاخطاء التي ارتكبها افراد من الاجهزة الامنية حينما اعتدوا على الصحفيين في مسيرات الرفض لزيارة شاؤول موفاز للضفة الغربية قبل حوالي شهرين والتي اظهر تقرير لجنة التحقيق أن الاجهزة الامنية استخدمت القوة لقمع المحتجين بصورة غير منطقية وزائدة عن حدها.

الشارع الفلسطيني يشهد منذ عدة اشهر توترات متتالية، بعضها على خلفية قضايا سياسية واخرى على خلفية قضايا اقتصادية، الى جانب احتقان الشارع الفلسطيني وخاصة قطاع الموظفين العموميين بسبب المشكلة المتكررة والمتعلقة بتأخر صرف الرواتب، وهذا الامر يتزامن مع جمود سياسي في العملية السلمية والمفاوضات مع اسرائيل، وادارة اسرائيل ظهرها للسلطة الفلسطينية، والرسائل المتكررة التي يطلقها وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان ازاء الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية، وانشغال الولايات المتحدة الامريكية بالانتخابات الرئاسية القادمة في ظل قلق من صعود المرشح الجمهوري ميت رومني المتعاطف مع اسرائيل. وانشغال العرب بملف ما يطلق عليه الربيع العربي وازمة سوريا التي تنذر بمستقبل غامض للمنطقة، الى جانب انشغال مصر بترتيب بيتها الداخلي.

والتوترات والاحباطات في الشارع الفلسطيني تتزايد بسبب الغموض الذي يكتنف مستقبل المصالحة الفلسطينية بين شقي الوطن الضفة الغربية وغزة، خاصة بعد قيام رئيس الحكومة المقالة في غزة اسماعيل هنية باجراء تعديل وزاري على حكومته، والتراشق الاعلامي الذي عاد من جديد الى ساحة الاعلام بين السلطة الفلسطينية وحركة فتح من جهة وحكومة وحركة حماس من جهة اخرى. والمناكفات بين طرفي الانقسام حول التمثيل الفلسطيني في قمة دول عدم الانحياز.

ويرى كثيرون ان الفروقات في الظروف التي يعيشها المواطن الغزي والمواطن الضفاوي بدأت تلقي بظلالها على المرحلة حينما بدأ المواطنون في الضفة الغربية باجراء مقارنات بين الظروف في غزة والضفة، اذ نشر ناشطون على الفيس بوك وكذلك في المظاهرات وحركات الاحتجاجات عبارات تبين الفرق في الاسعار بين غزة والضفة ومن بينها على سبيل المثال ان سعر السولار في غزة "بشيكلين وفي الضفة بدولارين". ما يعبر عن سخط الناس من الانقسام الذي بات يتعارض مع مبادئ القانون الاساسي الفلسطيني الذي ينص على ان الناس متساوون في الحقوق والواجبات، لكن على أرض الواقع الفلسطيني هذا الامر غير موجود بين الضفة الغربية وغزة.

لكن المساواة ظهرت ربما في اشتراك الفلسطيني في الهم سواء في غزة او الضفة حينما اقدم مواطن من عائلة ابو الندى على احراق نفسه في قطاع غزة احتجاجا على ظروفه المعيشية، وهو ما حصل مع مواطن من عائلة ابو ربيع من مخيم الفوار في الخليل حينما ذهب هذا المواطن الى بلدية دورا وسكب على نفسه مادة البنزين ليحرق نفسه احتجاجا على الوضع الاقتصادي المأساوي الذي يعيشه هذا المواطن. وتلك الحوادث تشير الى ان المواطن الفلسطيني غزاويا كان ام ضفاويا أو من المخيم او المدينة او القرية يعيش في اسوء مراحل تاريخه التي تحتاج من الساسة الى قرارات مصيرية تحرك المياه الراكدة والتي اصبحت آسنة لأنها لا تتحرك ولا تتغير. وربما جاءت موجة الغلاء لتحرك تلك المياه وتغيرها الى مياه عذبة تعيد الحياة الى هذا الفلسطيني المستباح.

المصدر: شبكة هنا القدس للإعلام المجتمعي

أضف تعليقك