الله يعطيكم العافية!

الله يعطيكم العافية!
الرابط المختصر

اعتدل في جلسته على كرسي القش القديم الذي يحرص على الاحتفاظ به، فهو من ريحه الوالد رحمه الله عليه، امام محله ونظر الى باب السلسلة على مدخل المسجد الاقصى، وكيف تحول الى ثكنة عسكرية منذ ساعات الصباح الباكر، حيث كان يعتقد ان هذه الاجراءات المشددة هذا الاسبوع، والتي اعتاد عليها ابو منصور 65 عاما، بانها تاتي لمنع المتطرفين اليهود من محاولة اقتحام المسجد الاقصى، كما دعت الى ذلك الجماعات اليهودية والتي تكاثرت في الاوانة الاخيرة، وتدعوا الى خلق واقع في المسجد الاقصى، وخاصة في فترة الاعياد اليهودية (وما اكثرها)، وبما اننا في عيد العرش او عيد المظلة اليهودي فان الدعوة عادت! وعادت معها الاجراءات الاسرائيلية المشددة والتي جعلت من القدس برمتها مدينة محاصرة يصعب الوصول اليها، ولكن ابو منصور اندهش بصورة غير متوقعه، عندما راى ان افراد الشرطة الاسرائيلية (وغالبيتهم من الوسط العربي داخل اسرائيل) اضافة الى جنود من حرس الحدود، يمنعون الشبان والرجال العرب المسلمين من الدخول! والسماح فقط لمن هم فوق الخامسة واربعين عاما..

نظر الى جاره وقال له: لا حول ولا قوة الا بالله، انها بداية النهاية يا ابو محمود، فطيلة السنوات الماضية كان الجنود والشرطة يمنعون الجماعات اليهودية من الاقتراب من بوابات المسجد الاقصى، خشية الرد العربي والاسلامي من أي تصعيد من هذا القبيل (عندما كان هناك عرب ومسلمين غيورين)..! هذا العام انقلبت المعايير واصبح الجنود يمنعون المسلمين من الدخول الى الحرم القدسي، وما ان انتهى من هذه الجملة حتى شاهد ابنه قادم وبيده كعك وبيض وفلاقل (لفطور المقدسي التقليدي) وهو يقول لهم: هل رايتم لقد دخل اليهود الى المسجد من باب المغاربة وقاموا بالصلاة ولكن الشباب هناك منعوهم وضربوهم بالاحذية والشرطة هربتهم من المسجد ولكن ليس قبل ان يعتقلوا عدد من الشبان من عرب الداخل.. فقال ابو منصور وقد ارتسم على محياه ابتسامة حزينة: الم اقل لكم انها بداية النهاية.. والله يحمي الاقصى والمدينة من القادم.

ما علينا!

المهم، ان ما يجرى في المسجد الاقصى ومن تكثيف الزيارات اليومية من قبل الجماعات اليهودية بعد ان حصلت على فتوى تتيح لهم حق زيارة المسجد الاقصى وفق مسار معين لا يجب تعديه حتى لا يقعوا بالحرام، تدل على انهم يخططون لما هو اكبر، بدعم من المؤسسة الرسمية.. وجعلت من هذه الزيارات شيئا عاديا تحت اعين الاوقاف الاسلامية التي تركت في لحظة عاطفية الساحة للجانب الاسرائيلي بان يقرر بموضوع السياحة الاجنبية الى الاقصى!

وامام هذا التصعيد الواضح والمقصود والمدروس بعناية، نجد في المقابل ان الجميع يكتفى بالتنديد من رام الله، ومن عمان ومن الرياض ومن قطر ومن القاهرة، وعبر الاثير، وفي المهرجانات الخطابية الحامية الوطيس من غزة، وطبعا لم ننسى بالتحذير والاستنكار، والتهديد وما الى ذلك من مصطلحات لا وجود لها الا في القاموس العربي العاجز..!

ومن المفارقات.. انه قبل اقل من اربع وعشرين ساعة من هذه الحملة اليومية المستفزة ضد المسجد الاقصى واقتحام المتدينين والمحتفلين اليهود له، تفاجئ سكان القدس بوجود وفد اردني رفيع المستوى يقوموا بجولة في بهدوء (لم يعلم بها الا بعد ان قرا الخبر في صحيفة القدس باليوم التالى) اختتمها بتصريحات معتادة اعرب فيها المسوؤلان الاردنيان عن استيائهما من الاجراءات الاسرائيلية في مدينة القدس وخاصة في محيط المسجد الاقصى المبارك والبلدة القديمة من ناحية تسارع وتيرة عملية التهويد، حيث الحفريات أسفل المسجد الاقصى ومن حوله والاقتحامات المتكررة للمتطرفين اليهود الى باحاته وعمليات الاستيلاء على منازل المقدسيين في أزقة وحارات البلدة العتيقة ومن خارجها.

اعتقد انه اذا استمر مسلسل الاستنكار والتنديد بدون أي تحرك عملي، فانه لن يجد أي مسؤول عربي في المرة القادمة التي يريد فيها زيارة الاقصى مكانا لزيارته..! فليس بالاستنكار والتنديد وحده نحافظ على القدس وعلى المسجد الاقصى الذي يستحق اكثر من ذلك بكثير!!

وقبل الانتهاء من كتابة هذه المقالة وصلنى عبر الايميل خبر للنشر يحمل عنوان 'ابو ليلى يستنكر اقتحام المسجد الاقصى وكتابة شعرات معادية للسيد المسيح' فقلت بقراره نفسي الله يعطيكم العافية على هذا الجهد الجبار..'

وللحديث بقية