اجمع أخصائيون وخبراء نفسيون بان النظرة المجتمعية للمرضى النفسيين هي العامل الرئيسي وراء تفاقم وازدياد حالات المرض، فما يزال المريض ومحيطه يتعاملان مع الحالة بسرية تامة في كل ما يتعلق به سواء إصابته بالمرض أو حتى مراجعته للعيادات النفسية لتلقيه العلاج.
بينت منظمة الصحة العالمية أن حوالي 20 ألف مواطنا أردنيا يراجعون سنويا عيادات الطب النفسي التابعة لوزارة الصحة، ولكن قالت ان ما يدعو الى القلق هو ان عدد الأطباء النفسيين في المملكة يبلغ نحو 70 طبيبا.
و دعت منظمة الصحة العالمية وزارة الصحة لتذليل جميع الصعوبات التي تواجه مشروع الصحة النفسية في الأردن، وتبني البرنامج المدعوم من قبل المنظمة العالمية، خشية انهياره في حال لم تتبناه الحكومة ما يعني ضياع الجهود المبذولة.
وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في الأردن د. هاشم الزين لعمان نت إن” هناك الكثير من الأزمات النفسية تحدث للإنسان في حياته، فبعضهم يتخطاها والآخر يصعب عليه ذلك، فتقودهم إلى مشاكل ومضاعفات كبيرة، لذلك أكد الزين “أهمية توعية المجتمع بالمرض النفسي “.
وما زال لدى الكثيرين صعوبات تجاه زيارة العيادات النفسية، وهو ما أشار إليه د. الزين بقوله إن المرضى النفسيين كباقي المرضى يحتاجون فقط إلى رعاية واهتمام، وليسوا أشخاص خطرين كما يعتبرهم البعض”.
وأشار الزين إن “النظرة الخاطئة تجاه هؤلاء المرضى أدت إلى عزلتهم، وهذا ما يزيد من المشكلة وتعمقها لدى المريض”.
وتشير التقديرات العالمية إلى أن نسب المواطنين الذين يعانون من اضطرابات وضغوطات نفسية في العادة تتراوح بين 12 إلى 20% من السكان، أي وفق عدد سكان المملكة بين 750 ألفا ومليون وعشرين ألفا، ولكن في المملكة لا توجد دراسة واضحة بهذا الخصوص.
ولكن الوزارة في صدد القيام بمسح ميداني للكشف عن مدى انتشار الاضطرابات النفسية داخل المجتمع الأردني”.
هذا ما كشفه مدير مستشفى المركز الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة د. محمد عصفور، مؤكدا إن “مجتمعنا العربي بشكل عام ما زال يتعامل مع المريض النفسي بطريقة ليست ايجابية، كإخفائه، وان تكون مراجعة المريض النفسي للعيادات النفسية بطريقة سرية”.
وبين عصفور في حديثه انه من خلال مشروع الصحة النفسية ستعمل وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية على تغير مفاهيم المجتمع المحلي بتثقيف الأهل ومؤسسات المجتمع المدني حول طريقة التعامل مع المريض النفسي للحد من تلك النظرة.
فيما أوضح أخصائي علم اجتماع د. حسين الخزاعي من خلال دراسة تحليلية قام بها أن الانتحار أصبح ظاهرة عالمية حيث لا يخلو مجتمع في العالم من إقدام بعض أفراده على الانتحار، واستنادا إلى تقديرات منظمة الصحة العالمية فإن نحو مليون شخصا يموتون سنوياً في العالم نتيجة للانتحار وبمعدل منتحر لكل دقيقة، وهذا يمثل عاشر أسباب الموت عامة وثالثها بين الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 44 عاما..
وهذا يشير الى تفاقم هذه المشكلة وتزايدها خاصة بين الشباب … ووفق تقديرات منظمة الصحة العالمية فإن محاولات الانتحار تفوق هذا الرقم بما قد يبلغ عشرين ضعفا.
وقال الخزاعي إن الظاهرة بدأت تأخذ أشكالاً أكثر وحشية في التخلص من النفس، متسائلا عن الجهة التي يمكن تحميل المسؤولية لها ؟
وبينت الدراسة أن الأردن شهد بداية هذا العام تسع حالات انتحار منها استخدمت طريقة الشنق، وثلاث حالات القفز من فوق بنايات عالية، وثلاث تناولت كميات كبيرة من العقاقير.
ووفقا لخزاعي “فإن هذا الرقم خطير ويحتاج إلى التوقف عنده، فهو مقارنة بالسنوات الماضية كبير جدا ومثيرا للقلق”.
“وتؤكد الدراسات التي تناولت موضوع الانتحار انه لا يوجد سبب واحد لإقدام على هذا السلوك الانتحاري فهو نتيجة تفاعل سلسلة من العوامل تدفعه إلى تدمير وإنهاء حياته” بحسب الخزاعي .
ونوه الخزاعي أن هناك مشكلات اجتماعية محرّضة ومهيّجة للمشكلات النفسية تدفع إلى الانتحار، ويحتاج محاول الانتحار إلى إعادة تأهيله من ناحية دينية ونفسية واجتماعي.
وارجع الخزاعي انه “قد يكون التفكك الأسري من أهم الأسباب المؤدية للانتحار، والبيت المحطم يعني الأسرة أو العائلة المفككة الأوصال والمتنافرة الأفراد”.
” إذ تبين أن الذين فقدوا والديهم قبل سن الخامسة كانوا الغالبية بين المنتحرين وخاصة في عمر الشباب”.
وأكدت الدراسات أن الرجال أكثر انتحارا من النساء، ولكن النساء يكثر انتحارهن في أعمار الشباب بين 20 ـ 29 سنة.
وحول نظرة المجتمع للطب النفسي قال الخزاعي “إننا تأخرنا في عملية التوعية وتثقيف الناس بضرورة مراجعة الطبيب النفسي “.
ولخصت الدراسة أن عدد حالات الانتحار التي تمت بشكل كامل بلغ منذ مطلع هذا العام (15) حالة لتاريخه، وهذا العدد من المنتحرين بين الأردنيين فقط ، ويوجد عدد آخر من حالات الانتحار بين الجالية العربية والخادمات، وهذا يعتبر تحولا كبيرا في عدد الحالات ونوعية طرق الانتحار إذ عدد الحالات قبل خمس سنوات لم يكن يتجاوز أل (20) حالة طيلة العام، والمقلق أن طرق الانتحار بدأت تأخذ إشكالا أكثر عدوانية وجرأة في الإقدام على قتل النفس وإيذاء الجسد وتعذيب الآخرين.