14 عاما على وادي عربة..بانتظار الرد على الخروقات الإسرائيلية

الرابط المختصر

منذ 14 عاما والحكومة الأردنية بانتظار الرد على مذكرة قدمها أول سفير أردني في إسرائيل إلى الخارجية الإسرائيلية احتجاجا على خرقها معاهدة السلام بين الدولتين.

فبعد ثلاثة شهور من توقيع معاهدة وادي عربة بين الأردن وإسرائيل في تشرين ثاني 1994، وافق الكنيست الإسرائيلي على قانون تطبيق المعاهدة، لكن بعد تعديل اعتبرته الحكومة الأردنية خرقا لها، فقد أرادت إسرائيل من التعديل تجريد اللاجئين الفلسطينيين ممن يحملون الجنسية الأردنية من حقهم في أراضيهم التي أصبحت ضمن حدود إسرائيل.


كان من شأن المادة 11/1/ب من معاهدة السلام، والتي تعهد الطرفان بموجبها إلغاء كل الإشارات المناوئة أو التمييزية في قوانينهما في غضون ثلاثة أشهر، أن تحمي اللاجئين الأردنيين من القانون الإسرائيلي المتعلق بأملاك الغائب. لكن الكنيست الإسرائيلي عندما أقر قانون تطبيق المعاهدة، أضاف بند يحدد تطبيق قانون أملاك الغائب بالنسبة للأردنيين على الفترة التي تسبق توقيع المعاهدة، على أن لا تنطبق على الفترة اللاحقة لتوقيع المعاهدة.


بذلك بقيت حقوق الأردنيين من اللاجئين الفلسطينيين المتعلقة بأراضيهم التي فقدوها قبل توقيع المعاهدة خاضعة لقانون أملاك الغائبين وتحت تصرف الحكومة الإسرائيلية. فبحسب القانون المذكور من حق حارس أملاك الغائبين أن يبيع ويشتري كما يريد، على أن تحفظ أموال الغائبين التي باعها حارس هذه الأملاك في صندوق خاص، ويجري تعويضهم منه في حال سقطت عنهم صفة الغائب.


جاء الاحتجاج الأردني، الأول والأخير، على هذا الخرق في 31 آب/أغسطس 1995، في مذكرة تعترض على التعديل الذي أضافه الكنيست على المعاهدة، أرسلها أول سفير أردني في إسرائيل، مروان المعشر، إلى الخارجية الإسرائيلية التي لم تكلف نفسها عناء الرد الخطي لغاية الآن، واكتفت بالإجابة على متابعات ومراجعات السفير المتواصلة خلال فترة عمله القصيرة كسفير في إسرائيل.


"لم نتلق أي جواب خطي"، يقول مروان المعشر، "عندما كنت أراجع الخارجية الإسرائيلية كانوا يتذرعون بحجج كثيرة من قبيل أن هذا الموضوع يجب تأجيله ليناقش ضمن ملف اللاجئين عموما في مفاوضات الوضع النهائي. وحين كنا نخبرهم بأنه ليس لنا علاقة ببقية اللاجئين الفلسطينيين، وبأننا هنا نتحدث عن مواطنين أردنيين، وبأننا وقعنا معكم معاهدة سلام، كانوا يجيبون: يجب بحث هذه المسألة مع كل العرب ضمن اتفاقية سلام شامل. ونعود للقول إننا لم نوقع معكم معاهدة سلام شاملة، نحن وقعنا معاهدة ثنائية، لذلك نريد حلا لموضوعنا الثنائي." "والحجة الثالثة،" كما يقول المعشر، "كانت أنهم يريدون البحث في أملاك اليهود الذين خرجوا من دول عربية. وكانت حجتنا المقابلة أنه لا علاقة لنا بذلك فلم يكن لدينا يهود قدموا إلى إسرائيل، ولا يوجد لدينا ما نبادلكم به".


المعاهدة، بالنسبة للمحامي أنيس القاسم، عضو لجنة التوجيه في الوفد الأردني المفاوض في معاهدة وادي عربة، لم تفقد قيمتها بعد التعديل الذي أجراه الكنيست الإسرائيلي عند إقرار قانون تطبيق المعاهدة، بل كانت فقدتها حتى قبل وصول الوفد المفاوض الأردني إلى طاولة المفاوضات.


"شاركت في هذه المفاوضات، وتعلمت أن المفاوض العربي خسر قبل الوصول إلى الطاولة، فقد غرست إسرائيل في ذهن المفاوض الأردني والفلسطيني عددا من الأفكار: لا تبحث في موضوع اللاجئين فهو محسوم. قضية القدس انتهينا منها. لا تبحث في حق العودة فهو يعني إنهاء الدولة اليهودية. فأصبح المفاوض الأردني والفلسطيني مهزوما سلفا، وتساوى المفاوض الأردني مع مثيله الفلسطيني الذي هو في أسوأ أوضاعه التفاوضية، في حين أن الأردن دولة بمواصفات وعناصر دولة ذات وزن في المجتمع الدولي، ولها علاقات مع الغرب الذي يحميها ويدعمها، ما يعني أن موقف المفاوض الأردني أقوى قليلا من نظيره الفلسطيني. ومع ذلك فلم يثر المفاوض الأردني هذه الإشكاليات".


ما عقد قضية اللاجئين على الجانب الأردني وأعاق مناقشتها في المفاوضات الثنائية، وفقا لعضو الوفد المفاوض في معاهدة وادي عربة جواد العناني، هو أن قضية اللاجئين على المسار الفلسطيني تم تأجيلها إلى مرحلة المفاوضات النهائية، بناءا على خطة المفاوضات التي وضعها جيمس بيكر الذي كان في وقتها وزير خارجية الولايات المتحدة.


لكن القاسم يرى أن "الأردن ظلم نفسه وظلم مواطنيه الأردنيين من أصل فلسطيني حين لم يتمسك بحقهم في العودة ولا في التعويض، ولا حتى بمبدأ معنوي فيه إقرار من جانب إسرائيل بمسؤوليتها عن قضية اللاجئين".


تنص الفقرة الأولى من المادة الثامنة في المعاهدة، والتي تعالج قضية اللاجئين والنازحين على أنه: "اعترافا من الطرفين بالمشكلات الإنسانية الكبيرة التي يسببها النزاع في الشرق الأوسط بالنسبة للطرفين، وبما لهما من إسهام في التخفيف من شدة المعاناة الإنسانية، فإنهما يسعيان إلى تحقيق مزيد من التخفيف من حدة المشكلات الناجمة على صعيد ثنائي".


"هذا النص فيه تضليل كبير"، يقول القاسم. "لأنه، أولا: يحول مشكلة اللاجئين إلى مشكلة إنسانية وليست سياسية، وكأن المشكلة التي حدثت في الشرق الأوسط هي زلزال خلق مشكلة كبيرة لكل دول الشرق الأوسط، بمن فيها إسرائيل".


نص المعاهدة كان واضحا، كما يراه المعشر، الذي يعزو المشكلة إلى أن إسرائيل، عند التطبيق، لم تتصرف بحسن نية فيما يخص اللاجئين. "في المعاهدة بندان يتعلقان بهذا الموضوع، الأول يتكلم عن حل لموضوع اللاجئين بحسب القانون الدولي. والثاني يمنع التمييز ضد مواطني طرفي المعاهدة. وهما البندان اللذان اعتمدنا عليهما".
والطرح الأردني في مفاوضات معاهدة وادي عربة كان قويا، بالنسبة للعناني. "طرحت قضية اللاجئين في المفاوضات الثنائية والمتعددة الأطراف. وكان الأردن في كلا الحالتين مصمما على أن يكون هناك حق العودة للاجئين و/أو التعويض، استنادا على بند في المعاهدة يتضمن حل القضية وفقا للقرار الصادر على الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 194".


كما أن المفاوض الأردني كان قويا لسببين، "الأول لأن اللاجئين الفلسطينيين في الأردن أصبحوا مواطنين أردنيين ويجب على الأردن الدفاع عن حقوقهم. والسبب الثاني لأنه لم يكن لدى الإسرائيليين عذر أنه يوجد أملاك ليهود في الأردن، فعلا خلاف المغرب والعراق واليمن مصر، ولم يكن في الأردن يهود ذهبوا إلى إسرائيل"، يقول العناني.


وهو ما يؤكده المعشر الذي يقول أن الأردن أصر على إدراج موضوع اللاجئين في المفاوضات منذ البداية. "الأجندة الموقعة بيننا وبينهم، والتي سبقت توقيع المعاهدة، نصت صراحة على أن حل مشكلة اللاجئين سيأتي وفقا للشرعية الدولية. في البداية كان الإسرائيليون رافضين لأي ذكر لموضوع اللاجئين، لكننا أصرينا على إدراجها في المعاهدة، وهذا ما حصل بالفعل. لكن عند تطبيق القانون اختلفت الأمور".


ويلفت المعشر إلى ضرورة التمييز والفصل بين مسألتين: "حل مشكلة اللاجئين السياسية، مثل حق العودة، لا نستطيع الحديث فيها كأردن إلا بالتزامن مع المفاوضان الفلسطينية-الإسرائيلية حول الوضع النهائي. وبالتالي فصلنا المعالجة السياسية للاجئين عن الموضوع المالي، وهو تعويض الأردني من أصل فلسطيني عن الأملاك التي فقدها في إسرائيل بعد توقيع المعاهدة".
وبانتظار مفاوضات الوضع النهائي تبقى قضية اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، كما يراها القاسم، مبررا لاستمرار "قانون انتخابات أردني مشوه، وتجميد الأجندة الوطنية التي تكفل دولة عصرية ديمقراطية".

احتجاج أردني
نص المذكرة التي أرسلها السفير الأردني مروان المعشر إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية في 31 آب 1995:
إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية، حول أملاك الغائبين،


تتقدم سفارة المملكة الأردنية الهاشمية في دولة إسرائيل من وزارة الخارجية الإسرائيلية بأفضل التحيات،
بالإشارة إلى قانون إسرائيلي حول قانون تطبيق معاهدة السلام بين المملكة الأردنية الهاشمية ودولة إسرائيل، طلب من السفارة نقل ما يأتي: تعتبر حكومة المملكة الأردنية الهاشمية أن الفصل السادس من القانون المذكور المتعلق بعدم سريان قانون أملاك الغائبين على الأردنيين لا ينسجم مع معاهدة السلام الموقعة بين الطرفين. يسري مفعول القانون المذكور اعتبارا من تاريخ تصديق المعاهدة في 10 تشرين ثاني 1994، وبناء عليه فإن مفعوله الوحيد هو استحالة اعتبار مزيد من أملاك الأردنيين أملاك غائبين بسبب أحداث وقعت بعد 10/11/1994، لكن في الغالبية الساحقة من الحالات ستظل غالبية أملاك الأردنيين في عهدة مسؤول من الدولة الإسرائيلية.


هذا في رأي الحكومة الأردنية المدروس لا ينسجم مع حالة السلام وأحكام المعاهدة، ولا سيما الأحكام الآتية:
المادة 7/2/أ التي يتطلع فيها الفريقان إلى إزالة كل الحواجز التمييزية أمام العلاقات الاقتصادية الطبيعية من بين أمور أخرى.
المادة 8 التي وافقا بموجبها على الحد من مشكلات اللاجئين والنازحين التي تنشأ على المستوى الثنائي. والمادة 11/1/ب التي تعهدا بموجبها إلغاء كل الإشارات المناوئة أو التمييزية في قوانينهما في غضون ثلاثة أشهر. والفقرة الفرعية د من المادة نفسها التي تعهدا فيها الحرص على أن يفيد مواطنو الفريقين بصورة متبادلة من الإجراءات المتبعة في الأنظمة القانونية لكليهما وأمام محاكمهما.


بناء عليه، تجد الحكومة الأردنية نفسها مضطرة إلى تسجيل اعتراضها على القانون المذكور، والطلب من الحكومة الإسرائيلية رسميا النظر في تعديله من أجل إزالة هذا التعارض الواضح مع معاهدة السلام".

حقائق بالأرقام
وفق تقرير صدر عام 2005 عن "مركز حقوق السكن والتهجير" (COHRE) في جنيف، وعن مركز بديل/ المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين، فإن اليهود، عند قيام دولة إسرائيل سنة 1948، كانوا يملكون أقل من 10% من مساحة فلسطين التاريخية. أما اليوم فإن هذه اﻷرقام قد انعكست، حيث إن إسرائيل تسيطر عسكرياً على كل مساحة فلسطين التاريخية وتملك، تستعمل أو تدير ما يقرب من 90% من أراضي فلسطين الانتدابية أو التاريخية، والتي تشمل إسرائيل والمناطق المحتلة.
سكوت ليكي، المدير التنفيذي لمركز حقوق السكن والتهجير، يقول: تقريرنا يكشف عن أن القانون الإسرائيلي بعيد كل البعد عن منح الحماية والمساواة لأولئك الذين يخضعون له، وقد جاء منذ إعلان قيام دولة إسرائيل من أجل تجريد الفلسطينيين من أراضيهم وممتلكاتهم. القوانين الإسرائيلية صممت لتبرر المطالبة الإسرائيلية بأراضي وأملاك "الغائبين" -وهو التعبير اللطيف الذي يطلقه الإسرائيليون على اللاجئين الفلسطينيين- قانون أملاك الغائبين هذا مكّن الإسرائيليين من مصادرة اﻷراضي الفلسطينية ونقلها للملكية الإسرائيلية بشكل واسع.


ويضيف ليكي: "في الفترة بين 1948 - 1949، فترة تأسيس دولة اسرائيل والتي رافقها أكثر من ثلاثين عملية عسكرية مستقلة شنت من قبل القوات اليهودية-الإسرائيلية، والتي كانت محصلتها تهجير أكثر من 800 ألف فلسطيني، وتدمير 531 مدينة وقرية فلسطينية. إن احتساب سرقة اﻷرض الفلسطينية وفق المعايير القانونية والعسكرية، باﻹضافة إلى عملية هدم البيوت وتطبيق قوانين "شبه الفصل العنصري"، كل هذا لا يمكن اعتباره إلا صورة قاسية من التطهير العرقي.


اليوم، هنالك ما يزيد على خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، ما زالوا محرومين من العودة لأراضيهم، بيوتهم وممتلكاتهم، وذلك في الوقت الذي عاد فيه الملايين من اللاجئين في جميع أنحاء العالم إلى بيوتهم خلال السنوات القليلة الماضية، ومثال على ذلك قضية البوسنة والهرسك، أفغانستان، جنوب إفريقيا، موزمبيق وكوسوفو، رغم هذا، ما زالت إسرائيل تعارض حصول اللاجئين الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة في العودة إلى ديارهم.


والسخرية في الموضوع، أن إسرائيل، إن كانت تنوي إعادة اﻷرض المصادرة إلى أصحابها اﻷصليين، فإن هذا يكون، بالمقارنة، أسهل منه في الحالات اﻷخرى، حيث إن هذه اﻷراضي ما زالت للآن ملكا عاما لدولة إسرائيل ولم تنقل للملكية الخاصة للمواطنين الإسرائيليين. ومن جهة أخرى، فإن مساحات كبيرة من اﻷراضي المصادرة عام 1948، ما زالت فارغة، ومعظم العائلات الفلسطينية اللاجئة ما زالت تحمل وثائق ملكيتها لتلك اﻷراضي.


التقرير يظهر أنه في سنة 1949 قامت إسرائيل بمصادرة ما يقارب  ألفا  20.500 كم مربع من أراضي فلسطين التاريخية، اعتماداََ على القوانين التي صممت من أجل تبرير عملية "تأميم" اﻷراضي والملكيات. ومن هذه اﻷراضي كان الفلسطينيون يملكون - بشكل شخصي أو جماعي - حوالي 90% أي ما يقارب 18.850 كم مربع، منها حوالي 85% (16 ألف كم مربع) كانت تتبع للقرى المهجرة.


الدراسة تظهر أيضاً كيف قامت إسرائيل باستغلال قانون "منع التسلل، لسنة 1954" من أجل إبعاد مهجري الداخل (المهجرون الفلسطينيون الذين تركوا قراهم واعتبروا غائبين عنها ولكنهم بقوا داخل فلسطين)، هؤلاء "الغائبون" اعتبروا متسللين، وعند القبض عليهم كان يتم إبعادهم عن قراهم وعن وطنهم. في الفترة الأخيرة، بين أيلول/سبتمبر 2000 وأيار/مايو 2003، قدرت اﻷراضي الفلسطينية المصادرة بنحو 848 (ألف؟؟؟؟؟) كم مربع. وحالياً، يعيش داخل إسرائيل 1.2 مليون فلسطيني ممن بقوا في وطنهم، ويشكلون حوالي خمس سكان إسرائيل، ولكنهم يملكون أقل من 3% من الأرض.