تشهد الأحراج والغابات في المملكة تحديات متزايدة في ظل تكرار حوادث الاعتداء والحرائق، مما يهدد ما تبقى من ثروة حرجية لا تتجاوز نسبتها 1% من إجمالي مساحة المملكة، مما يستزف الجهود المبذولة من الجهات المعنية في الحماية .
وأعادت حادثة توقيف أحد المعتدين في محافظة عجلون، والذي تجاوزت قيمة الضبوطات المسجلة بحقه 50 ألف دينار، وسط تشديدات خبراء في مجال البيئة على أهمية تفعيل الإجراءات الرادعة للحد من هذه الاعتداءات.
في الوقت الذي تؤكد فيه وزارة الزراعة تراجع نسب الاعتداءات بنسبة تزيد عن 80%، بحسب مديرية زراعة عجلون، إلا أن الاعتداءات والحرائق لا تزال تشكل تهديدا كبيرا، خاصة في محافظات الشمال ذات الكثافة الحرجية العالية مثل جرش وعجلون.
ويشير مدير مديرية الحراج في وزارة الزراعة المهندس خالد المناصير في حديثه لـ "عمان نت" إلى أن بعض الحرائق تنجم عن أخطاء بشرية من قبل المتنزهين، رغم تكرار حملات التوعية، في حين أن هناك اعتداءات ممنهجة تتمثل في التقطيع المتعمد أو الحرائق المفتعلة، والتي تقلصت بفعل الإجراءات الصارمة المتخذة مؤخرا.
خسائر تتجاوز الأشجار
تعد الغابات نظاما بيئيا متكاملا، وليس مجرد تجمعات شجرية، ومن هذا المنطلق، فإن الاعتداءات والحرائق المتكررة تترك آثارا عميقة على التنوع الحيوي واستقرار المناخ المحلي، وفقا لتقارير رسمية.
رئيس جمعية التنمية للإنسان والبيئة الأردنية والباحث في الآثار والبيئة، الدكتور أحمد الشريدة، يؤكد في حديثه لعمان نت أن معظم الحرائق التي تشهدها الغابات، هي مفتعلة وبفعل فاعل بنسبة 95%، معتبرا أن مناخ المملكة لا يبرر اندلاع حرائق طبيعية بهذا التكرار، حيث لا تصل درجات الحرارة إلى مستويات قياسية تؤدي إلى اشتعال الأعشاب تلقائيا.
ويعتبر الشريدة أن المناشير الصامتة على حد وصفه، باتت أحد أبرز أدوات الاعتداء على الغابات، داعيا الحكومة إلى تشديد الرقابة ومنع استخدامها، مضيفا بأنه لا نبحث عن تبريرات لهؤلاء المعتدين، فالجشع هو المحرك الأساسي لهم، رغم أن هذه الأشجار لا ذنب لها إلا أنها تمد الوطن بالحياة والأكسجين.
ويشير الشريدة إلى أن الغابات ليست مجرد تجمعات شجرية، بل نظام بيئي متكامل يحتضن نباتات طبية كالميرمية والزعتر البري والبابونج، إضافة إلى كونها موطنا للعديد من الطيور والحيوانات البرية، ويؤدي تدمير هذه المواطن إلى إخلال التوازن البيئي، ويجبر الحيوانات على الهجرة باتجاه المناطق المأهولة، ما قد يشكل خطرا على السكان.
إلى جانب التهديدات المباشرة، تواجه الجهات المعنية صعوبات لوجستية تعيق جهود السيطرة على الحرائق في الوقت المناسب، خاصة في الغابات ذات التضاريس الوعرة.
يشير المهندس المناصير إلى أن التضاريس الصخرية والانحدارات الشديدة تعيق وصول فرق الإطفاء، مما دفع الوزارة إلى التعاون مع جهات عدة مثل المركز الجغرافي الملكي ومركز الأبحاث الزراعية والدفاع المدني لوضع خطة شاملة لتسهيل الوصول إلى هذه المناطق، وسيتم الكشف عن تفاصيلها قريبا.
عقوبات مشددة لحماية الغابات
تسعى الحكومة إلى مواجهة الاعتداءات على الغابات من خلال تعزيز الإطار القانوني، وفرض عقوبات مشددة على المخالفين.
وتشمل هذه العقوبات غرامات مالية والسجن، بالإضافة إلى مصادرة الأدوات والآليات المستخدمة في الاعتداء، كما ينص نظام تنظيم الحدائق والمتنزهات لعام 2024 في نطاق أمانة عمان على غرامة تتراوح بين 300 و500 دينار عن كل دونم يتم الاعتداء عليه بالحريق.
ويؤكد المناصير أن خطة الحماية السنوية التي تنطلق مع نهاية شهر نيسان تتضمن إجراءات عملية كفتح الطرق داخل الغابات، وإزالة الأعشاب، وتعزيز جاهزية المحطات الحرجية والدوريات لمواجهة أي طارئ.
مع استمرار التحديات، يقترح الشريدة أهمية استخدام الطائرات المسيرة الدرون لمراقبة الغابات، إضافة إلى تركيب كاميرات مراقبة حديثة تغطي مساحات شاسعة تصل إلى 30 كيلومترا، وتفعيل تقنيات الاستشعار عن بعد بالتعاون بين وزارتي الزراعة والداخلية.
كما يدعو إلى تخصيص أماكن آمنة لإشعال النار للمتنزهين، ومنع استخدامها تحت الأشجار المعمرة، مع تغليظ العقوبات وتفعيلها فعلياً بعد الإدانة القضائية.
مبادرات مجتمعية للزراعة والحماية
لم تعد حماية الغابات مسؤولية الجهات الرسمية فقط، بل دخل المجتمع المدني بقوة على خط المبادرة، من خلال حملات تشجير وأفكار مبتكرة لإعادة إحياء المساحات المتدهورة.
يشير المناصير إلى أن الوزارة نفذت خلال السنوات الأربع الماضية مشاريع لزراعة أكثر من 200 ألف شجرة ضمن غابات صناعية تعتمد على المياه المعالجة، مثل غابة اليوبيل الفضي في القطرانة، وغابات أخرى في الحساء والكورة.
أما الدكتور الشريدة، فقد سلط الضوء على مبادرة "كرات الأرض" التي تتضمن نشر كرات طينية تحتوي على بذور محلية من قبل المتنزهين، لتنبت مع أولى أمطار الشتاء، كما يشيد بمبادرة زراعة أشجار الخروب في غابة قرطبة بلواء الكورة، داعيا إلى التركيز على الأشجار المحلية كالبلوط والشوح، والابتعاد عن الأنواع الدخيلة.
وتبقى الحماية الحقيقية مرهونة بوعي المواطن، فالغابة كما يصفها الشريدة قادرة على تجديد نفسها إذا ما أتيحت لها الفرصة، لكن ذلك يتطلب وعيا بيئيا، وتشريعات رادعة، وتكاتفا حكوميا ومجتمعيا للحفاظ على هذا الإرث الطبيعي من الزوال.











































