٥٦ عاما على النكسة..كيف هزمت الجيوش العربية في 6 أيام؟

الرابط المختصر

عند الساعة 8:45 من صباح يوم الإثنين في 5 حزيران/يونيو 1967، أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية بصورة مباغتة وبكثافة مدة 3 ساعات على مصر في سيناء والدلتا والقاهرة ووادي النيل في 3 موجات من الغارات.

واستهدفت بضربات جوية المطارات العسكرية والطيران الحربي المصري، والسوري، والأردني، ما مكّن الطيران العسكري الإسرائيلي من توفير السيطرة الجوية على أرض المعركة طيلة مدة الحرب التي لم تدم سوى 6 أيام فقط، وانتهت في 10 حزيران/يونيو بهزيمة للعرب عرفت بـ"نكسة حزيران"، أو "حرب الأيام الـ 6" ليتخذ تاريخ الشرق الأوسط والمنطقة وفلسطين، منذ ذلك التاريخ مساراً مختلفاً.

سبق هذه الأحداث، لقاء جمع بين رئيس الموساد الإسرائيلي مائير عاميت والرئيس الأميركي الأسبق ليندون بينز جونسون. وبعد مناقشات سأل جونسون عاميت: "لو هاجمتم العرب الآن فكم من الوقت ستستغرق هزيمتهم؟"، فأجاب عاميت: "10 أيام تقريباً"، فأجابه جونسون:"إذاً، ماذا تنتظرون؟" 

هذا ما كشفته وثيقة أميركية أفرج عنها في العام 2001، وجاء فيها أنّ الولايات المتحدة الأميركية دفعت "إسرائيل" إلى الحرب المبكرة مع العرب في 5 حزيران/يونيو 1967، وبدعم مباشر وفوري. لكن ما تضمنته هذه الوثيقة الخطيرة، التي وصلت معلوماتها إلى "إسرائيل"، كانت تدمير الطيران العربي أولاً.

أهداف الحرب وفق السيناريو الإسرائيلي

القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، وكانت الأراضي الفلسطينية التي لم تحتلّها "إسرائيل" عام 1948، تخضع آنذاك لإدارتين عربيّتَين، الأولى مصرية مسؤولة عن قطاع غزة، والثانية أردنية مسؤولة عن الضفة الغربية بما فيها القدس.

وكانت منظمة التحرير الفلسطينية، التي تأسست في العام 1964، تعمل من مخيمات اللجوء في دول الشتات، خصوصاً في سوريا ولبنان والأردن، وتقود عمليات فدائية ضد الاحتلال.

وفي الفترة عينها، كان هناك سعي عند سلطات الاحتلال لتوسيع السيطرة على سائر الأراضي الفلسطينية، ما شكل سبباً رئيساً لاندلاع هذه الحرب، بمعاونة دول غربية، وذلك للعمل على تفريغ فلسطين من سكانها.

وبحسب زعم الرواية الإسرائيلية، فقد بادر الاحتلال إلى بدء المعركة "لأهدافٍ دفاعية"، بعد تقديره بوجود "نيات عربيةٍ هجومية" من شأنها أن تشكّل "خطراً وجودياً عليه". وهدفت هذه الحرب إلى:

- تحطيم القوة العربية التقدمية النامية.

- القضاء على النشاط الفدائي الفلسطيني.

- عدم إفساح المجال أمام اتفاقيات الدفاع العربي المشترك في الدول العربية.

- القضاء على التفوق السوري الطوبوغرافي وضرب الطيران المصري.

- احتلال الضفة الغربية لنهر الأردن، وقطاع غزة وسيناء، وهضبة الجولان.

التكتيك الإسرائيلي

بعد الغارات الجوية في 5 حزيران/يوينو، بدأت القوّات البريّة الإسرائيليّة التقدّم باتجاه شبه جزيرة سيناء. وبعد انطلاق الموجة الأولى من الغارات الإسرائيليّة، لم تستطع مصر امتصاص الضربات في الساعات الأولى للحرب.

ومع نهاية اليوم الثاني، تمّ القضاء على القوّات المصريّة المنسحبة من الحرب في منطقة المضائق بسلاح الجوّ الإسرائيليّ، الذي استخدم قنابل "النابالم" بكثافة.

في الموجة الأولى من الضربات الجوية الإسرائيلية، تمّ تدمير سلاح الجو المصري والرادارات والمنشآت الفنيّة، وسلاح الجو الأردني والسوري، لينتقل "جيش" الاحتلال إلى المرحلة الثانية من خطّته المتمثّلة بقصف مواقع للمدفعية المصرية والسورية والأردنية، لصدّ أي تقدّم عسكريّ عربي، على أيّ جبهة من الجبهات العربية المحاذية لها، وإخراج الأسلحة الثقيلة والاستراتيجية التي تملكها الجيوش العربية من المعركة، عبر ضرب منصّات مدافع مضادّة للطائرات.

وبحسب  المؤرخ الإسرائيلي مايكل أورين، ألقت "إسرائيل" على القواعد الجوية في الدول العربية قنابل تزن الواحدة منها 180 رطلاً، وتخلّف حفرةً بعمق 1.6 متراً وعرض 5 أمتار. وألقت على قاعدة واحدة في مصر نحو 100 قنبلة. وبعد نصف ساعة فقط خسر المصريون نحو 204 طائرات عسكرية، جرّاء الضربات المتتالية.

وتوالت الضربات الجوية الإسرائيلية على الدول العربية، ودمّر الطيران الإسرائيلي خلالها، نحو 70 إلى 80% من العتاد العسكريّ العربيّ، فيما لحق الضرر بنحو 2 إلى 5% من العتاد العسكريّ الإسرائيلي.

أسباب الهزيمة العسكرية.. فشل في التخطيط والاستعداد

في الشق الميداني، وبحسب دائرة الدبلوماسية والسياسات العامة، التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، تعود "الهزيمة العربية" إلى أسباب عديدة أبرزها:

- استخدام "إسرائيل" لعنصر المفاجأة في ضرب القوات العربية، الأمر الذي أفقد العرب توازنهم وتسبّب بخسائر فادحة في صفوف جيوشهم.

- التفوّق العسكري الإسرائيلي، خصوصاً في سلاح الجو، ساعدها في السيطرة على ميادين القتال في الجبهات المختلفة.

- اعتماد سلاح الجوّ الإسرائيليّ على طائرات فرنسيّة الصنع: "ميستير" و"سوبر ميستير" و"فوتور" و"ميراج 3" التي برز تفوقُها على الطائرات السوفياتية، وخصوصاً لناحية المدى العمليَّاتي. وهذا ما فسَّر قدرة الطائرات الإسرائيليَّة على التحليق وضرب أهدافٍ تبعد حوالى 600 كم من أراضي فلسطين المحتلة والعودة بسلام.

- استطاع سلاح الجوّ الإسرائيليّ تدريبَ طواقمه الجويّة والأرضيّة إذ خُفّض زمن إعادة تجهيز الطائرة من 6 إلى 8 دقائق فقط. وبهذا أصبح بإمكانه تنفيذ ما يصل إلى 5 أو 6 طلعات جوية للطائرة الواحدة في اليوم الواحد. وبتشغيل كامل سلاح الجوّ، على هذا المعدَّل تبين بأنّ "إسرائيل" هاجمت العرب بـ500 طائرة. 

- غياب الغطاء الجويّ في الدول العربية، والذي ليس من الضروري أن يقود بشكل حتميّ إلى خسارة الحرب البريَّة. 

- سوء التقدير العربيّ بوجود نيات هجومية لدى "إسرائيل"، فضلاً عن غياب خطط للانسحاب المُنظّم والجماعيّ، لحماية الجيش من الانهيار.

- سَحبُ الطائرات المصريّة من مطارات سيناء الأربعة وإعادةُ توزيعها بين مطارات السودان وصعيد مصر.

- عدم استثمار الفرص بسحب العدو إلى أماكن قتال وإشغاله بمعارك ثانوية، على الرغم من اتساع مسارح العمليات العربية.

- إهمال الجيوش العربية لعنصر المناورة والمشاغلة على الخطوط الخارجية، ما أتاح للعدو الحركة على الخطوط الداخلية.

- إهمال إدامة زخم المعركة وخطوط التموين، والوقود والتعويض، وبعثرة العتاد.

- غياب الخطط الاستخبارية وجمع المعلومات للعرب عن العدو.

ورغم أنّ القوات المصرية كانت تتفوّق بعدد الأفراد والمدافع والدبابات على نظيرتها الإسرائيليّة التي كانت تعتمد بشكل كبير على دبَّابات "سنتوريون" و"شيرمان" ودبّابات "إم 48" الأميركيَّة الأحدث نسبياً، كانت الدبابة الإسرائيليَّة قادرةً على إصابة الدبابة المصرية قبل أن تصبح هي نفسها في مرمى الدبابة المصريَّة. هذا الأمر أمَّن التفوّق لطواقم الدبَّابات الإسرائيليَّة، بالالتفاف والهجوم من الخلف والجوانب. 

 وضعت "إسرائيل" خطة لم تكن تهدف فقط إلى هزيمة القوّات المصريّة عند الأطراف الشرقيّة لسيناء، بل إلى السيطرة عليها بالكامل. وقامت قوّات المظليّين الإسرائيليّة منذ ليلة 5-6 حزيران/يونيو بالعديد من العمليّات خلف خطوط القوّات المصريّة، وفي العمق، ونجحت بتحييد مرابض مدفعيّة وتخريب مستودعات ذخيرة ووقود وغير ذلك. 

وبحسب الدكتور كمال خلف الطويل ترجع هزيمة العرب إلى عوامل عديدة بينها، أنّ القوات المصرية دخلت صحراء سيناء من دون خطة مسبقة، وبقيت منتشرة هناك 3 أسابيع كاملة. فيما حرص جيش الاحتلال على التحضير للحرب ووضع خرائط التقدّم في سيناء قبل سنتين على الأقل، بينما لم ينتشر الجيش المصريّ في شرق سيناء إلا قبل الحرب بـ3 أسابيع فقط.

الأسباب السياسية للهزيمة.. التشرذم العربي والتآمر 

الخطر من داخل الجسد العربي كان هو الأخطر في هزيمة حرب 1967، إذ إنّ "إسرائيل" ومن ورائها الولايات المتحدة لم تكن بهذه القوة التي ظهرت بها لولا الوهن والتآمر الذي اتسم به العرب فيما بينهم. 

يتحدث المؤرخون عن مؤامرة أميركية أُعدّت قبل حرب 1967 لإنهاء الظاهرة الناصرية، والتي مثّلت وقتها خطراً على مشروع الهيمنة الأميركية بعد انتصار حرب 1956. ووفقاً للسياسي والجنرال الأميركي دوايت ديفيد آيزنهاور، اعتمدت هذه الخطة على الحصار الاقتصادي لخنق عبد الناصر، وتصفية الوضع الثوري في مصر عن طريق عزلها، والقضاء على حركة القومية العربية.

استطاعت "إسرائيل" من الحرب الخاطفة التي شنتها غدراً ضد الدول العربية المجاورة لفلسطين من الادعاء أنها تمتلك القوة العظمى في الشرق الأوسط، واستطاعت احتلال مساحات واسعة من الأراضي العربية وصلت إلى 69.347 كم2.  

الخسائر العربية 

تشير التقديرات إلى مقتل ما بين 15 إلى 25 ألف عربيّ، وإصابة حوالى 45 ألفاً، مقابل مقتل نحو 650 إلى 800 إسرائيلي، وإصابة ألفين.

بعد 6 أيام فقط من بدء الحرب احتلّت "إسرائيل" الضفة الغربية وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء المصرية، ومرتفعات الجولان السورية. ووفق إحصائيات فلسطينية، ترتّب على "النكسة" تهجير نحو 300 ألف فلسطينيّ من الضفة وغزة، نزح  معظمهم إلى الأردن.

ويقول مؤرّخون إنّ "إسرائيل" نهبت المناطق التي احتلّتها عام 1967، واستغلّت مصادرها المائية والاقتصادية، ما ساهم في دعم اقتصادها. كما اكتسبت موقعاً استراتيجياً مهماً على الصعيد الدفاعيّ إذ شكّلت حواجز طبيعية لحماية عمقها الأمني ضد أي هجمات عربية أو فلسطينية.

أما احتلالها لشرقي القدس، فقد شكّل حدثاً تاريخياً إسرائيلياً ساعدها في بسط سيطرتها على ما تسمّيه بـ"القدس الكبيرة"، وذلك لأول مرة منذ بداية الصراع الفلسطينيّ الإسرائيلي.

دشّنت هذه الحرب مشروع تمدّد الاستيطان الإسرائيلي إلى الضفة وغزة، ورسّخت مبدأ "القوة" بسيطرتها على الأراضي الفلسطينية. 

أضف تعليقك