التنظيم المجتمعي آلية حضارية للعمل الإنساني بامتياز
مع التغييرات الديمغرافية وانتقال المجتمعات من المجتمعات العشائرية ذات الرئاسة والمرجعية الذكورية الواحدة، وإلى المجتمعات المتعددة الأشكال والمرجعيات بات من الضرورة العمل على تغيير آلية معالجة المشاكل المحلية.
لقد شكلت الاعتمادية على المسؤول الحكومي – إن كان ذلك عضو برلمان أو وزير أو موظف حكومي- الوسيلة الأولى للمواطنين لإيجاد حلول لمشاكلهم وقضاياهم المختلفة حيث أصبح لكل صغيرة أو كبيرة يبحث عن "واسطة" لحل المشكلة وخاصة عندما تكون مشاكل ذات طبيعة خاصة. فهذا المواطن بحاجة إلى تحويل لمؤسسة طبية، أو هذا الطالب بحاجة إلى تجاوز محددات وشروط لدخول جامعة معينة أو تخصص معين، وهذا المتعهد يبحث عن طريقة لتوسيع رقعة البناء تجاوزا للمحددات والشروط القانونية.
ولكن بعيدًا عن الطلبات الفردية هناك أمور تهم رقعة أوسع في المجتمع وبحاجة إلى حلول جذرية بعيدا عن المسكنات والحلول المؤقتة. قد تكون المشكلة بحاجة إلى تغيير إداري أو تشريع برلماني أو حتى تغيير مجتمعي، وفي نمط التفكير السائد والذي قد يكون معتمداً على عادات قديمة لم تعد مفيدة لحاجات المواطنين في القرن الحادي والعشرين.
إن الاعتماد على النواب والوزراء والحكومة لتغيير جذري من أصعب الأمور خاصة عندما تكون صادرة عن شخص، حتى لو كان نشيطًا مليئاً بالشغف.
المطلوب إذا آلية مختلفة لفرض التغيير.
آلية تستثمر في قدرات الناس وإرادتهم للتغيير، تنقلهم من مجرد مستفيدين لخدمات المجتمع إلى قياديين فعّالين يعملون بجد لتحقيق التغيير الذي يسعون إليه، وتسمح لهم بتحديد احتياجاتهم الحقيقية والعمل بشكل جماعي على تحقيقها. عندما يصبح الأفراد في المجتمع جزءاً من عملية اتخاذ القرار وتنفيذ الحلول، يتحولون إلى قادة مؤثرين قادرين على قيادة مبادرات مجتمعية تحدث فرقاً حقيقياً ومستداماً.
من هنا جاءت فكرة التنظيم المجتمعي كوسيلة ناجحة وناجعة للوصول إلى تغيير جذري حقيقي ودائماً،
إن آلية العمل على خلق التنظيم المجتمعي فكرة ممتازة، ولكنها لا تتم بليلة وضحاها. فأي عمل تنظيمي يحتاج إلى تخطيط وتنفيذ ومتابعة ومثابرة من الناس المتأثرين بالقضية أنفسهم، لأن الخطوة التالية وهي التنفيذ تتطلب استعداداً للعمل الدؤوب وحتى التضحيات في الوقت والجهد وأحيانا العلاقات، لأنه يتطلب مواجهة الشد العكسي الذي يتمسك بالوضع الحالي، رغم سوئه بدل من التغيير، والذي قد يتضمن مغامرة ومعارضة ورفضاً. فالبعض مصر على مبدأ الاستمرار في الوضع الحالي و"يا رب السترة فقط" في حين هناك من لهم الرغبة والاستعداد للعمل الجاد على التغيير.
التنظيم المجتمعي ليس بالأمر السهل، ولكنه ليس صعباً؛ لأنه يعتمد على الناس أنفسهم وقوتهم ومواردهم، ولكنه يتطلب من القائمين عليه أو الراغبين في خوض مثل هذه التجربة الاستعداد للعمل كمجموعة بشكل منظم وليس عشوائياً، والتغلب على الصعوبات بناء على خطط عملية مبنية من تراكم الخبرات.
من الضروري عند تحديد الهدف التركيز على موضوع معين وعدم التوسع. النضال المجتمعي ينجح عندما يكون الهدف بسيطاً سهل الاستيعاب وقابلاً للتنفيذ. طلب تحرير فلسطين أو توفير تأمين صحي من الدرجة العالية لكل مواطن قد يكون هدفاً جيداً، ولكنه صعب المنال ضمن الوضع المتوفر، فيعمل القائمون على العمل الجماعي على بناء منصات للتغيير، هدف محدد وبالتالي هدف آخر وكذلك حتى يصلوا للتغيير المنشود.
بعد تحديد الهدف والبدء بعملية التخطيط يحتاج المبادرون للتنظيم التوسع، فيفرق من أهل القضية الذين يشاركونهم الإلحاح للتغيير، والذي يعبرون عن رغبتهم الصادقة في العمل المستمر عليه للوصول إلى الهدف المرجو.
قد يحتاج المنظمون المجتمعين لقضية ما إلى كسب التأييد من جهات مختلفة، ومنها المجتمع المدني والنقابات المستقلة والنشطاء والحلفاء والإعلام والمؤثرين ورجال الدين وسيدات المجتمع وغيرها من الجهات المؤثرة، والتي تعمل في نطاق العمل العام والخدمة العامة.
على النشطاء التواصل مع هذه الفئات وإقناعها بعدالة الموضوع المطروح وأهمية تشكيل تحالف واسع داعما للموضوع وبعيدا عن أي مصالح ذاتية أو شخصية.
قد يكون أهم عناصر نجاح أي تنظيم أو عمل جماعي هو الاستمرار والمثابرة والنفس الطويل. التغيير سيتم مواجهته بقوة من عناصر مستفيدة من الوضع الحالي والنجاح في نهاية المطاف ستكون لمن له نفس طويل وقدرة على تحمل الردود المعارضة والإصرار على معالجة كل اعتراض بطريقة حضارية وبدون أي انفعال أو عنف.
التنظيم المجتمعي هو آلية حضارية عملية، وتحقق الإنجازات بشرط: أن يقوده الأشخاص المتأثرون والمعنيون بالتغيير نفسه، يضعون هدفاً قابلاً للتحقيق يمكن الإجماع عليه والعمل على التفاهم على خطة مدروسة باستخدام مواردهم المتاحة، والبحث عن مناصرين للمشاركة في تحالف واسع والمثابرة دون كلل، بعدها بالتأكيد سينتج عنها بدون شك نتائج فعالة ومؤثرة، وتحدث فرقا عظيما في المجتمع ككل.