ورضا النخب غاية لا تدرك..

الرابط المختصر

شنّت العديد من التعليقات الصحافية هجوما شرسا على التعديل الحكومي، ولو جرى التعديل قبل شهرين فقط لكانت عين الرضا عن كل عيب فيه كليلة، أمّا الآن، فعين السخط تبدي لك المساويا.
حال النخب الأردنية ما عاد يسرّ صديقا. وهذا الحال وحده يكفي للقول أن الاصلاح السياسي ما عاد اختياريا بل إلزامي للخروج من هذا التردّي الشامل في التعاطي مع الشأن العام. وقد رفضنا بالأمس أن نكون في جوقة المهللين ونرفض اليوم أن نكون في جوقة الساخطين الشانئين، فإن كان من عيب في التعديل الحكومي فهو العيب عينه في كل التعديلات, وفي تشكيل الحكومات نفتقر لآليات سياسية حديثة لفرز القيادات فيأتي التوزير على قياسات فرديّة وعلاقات شخصية واعتبارات جهوية.
وقد ارتكبت وقائع توزير أفدح كثيرا عندما كان تشكيل الحكومة، يأتي محصلة تنسيبات من غير مصدر نافذ كل واحد منها يرسل قريبا أو شريكا أو نسيبا يمرر تحت عنوان كفاءة تكنوقراطية، وعلى الأقلّ في هذا التعديل الواسع كان الأمر بيد الرئيس وحده الذي اجتهد في اختيار الأشخاص، ونحن لا نعرف من شاور أو لم يشاور, وربما كان افضل له لو أنشأ مطبخا مصغرا لفحص الأسماء وغربلتها لكن أين حزب الرئيس أو قاعدته من المعاونين ليعهد إليهم بهذه المهمّة فلا يكون همّ كل واحد ادخال شخص يخصّه؟
لعلّ الرئيس تلقى عشرات التنسيبات من نواب ومسؤولين ونافذين كل واحد يريد ادخال شخص يعنيه، لكن التعديل لم يأخذ أبدا بذلك، انما لم يكن أمام الرئيس مهرب من مراعاة التمثيل الجهوي بالحدّ الأدنى، وقد يكون هذا الاعتبار قد قلب الخيارات في بعض المواقع وخلق بعض الإرباك، ومن جهتي لو كان لي رأي لاقترحت آخرين لثلاثة ارباع الوزارات، ولعل الأمر كذلك عند غيري لكن هذا لا يبرر الهجوم الساحق على التعديل.
وليس ذنب الرئيس هذه الحمّى في تداول الأسماء حتّى اذا أتى التعديل بدونها بدا كما لو انه صبّ ماء باردا على الرؤوس. انها مشكلة الساحة السياسية المحلية التي تعيش وتدور حول المناصب والأسماء، وليس حول المواقف والبرامج.
أعرف جميع الداخلين الجدد الى الحكومة باستثناء واحد، واذا تأملنا قليلا فسوف نجد أن لدى الرئيس فريقا سياسيا يُعتدّ به؛ هناك وزير الشؤون البرلمانية غالب الزعبي، ووزير الشؤون القانونية سالم خزاعلة، ووزير الداخلية نايف القاضي، ووزير التنمية السياسية موسى المعايطة، وأقصد هنا السياسة المحلية وليس الخارجية التي يقودها اساسا جلالة الملك على أهميّة المهمّة التي تنتظر وزير خارجيتنا الجديد ناصر جودة.
أمّا بالنسبة لبقية الوزارات، فربما يكون بعض من خرج افضل ممن دخل أو العكس، وأنا لم اقرأ سوى تعابير ساخطة تضمر أكثر مما تظهر، ولو طلبنا من أي واحد ان يقدم اسماء أخرى لعجز عن المضي قدما ببدائل لكل موقع.
ليس من مشكلة في التعديل بأكثر مما هي في واقع النخب وآليات المشاركة وصنع القيادات، وقد يكون الرئيس فهم هذه الاشكالية، التي لم يعد ممكنا ابدا معها إلا الإقدام على إصلاح سياسي يغيّر قواعد اللعبة من أساسها.