بمجرد أن يعتقد المرء أن محادثات السلام المباشرة قد تكون قادرة على تحقيق انفراج، تصيبه هزة توقظه.
إن عبور الجسر فوق نهر الأردن لا بد أنه أسوأ هدية عالمية متواصلة العطاء، كانت ولا تزال تولد الحزن والغضب والإحباط والإدراك العام حول ماهية الاحتلال ككل.
إن 18 أيلول هو مثال حي على ذلك، حيث واجه الفلسطينيون وغيرهم ممن يرغبون عبور النهر الجاف تقريباً إلى الضفة الغربية، عشر ساعات من الانتظار التي لا لزوم لها، ووقع الرجال والنساء وكبار السن من المواطنين والأطفال أسرى هذه الدراما المستمرة منذ 44 عاما.
لو كانت هناك يوماً ما قضية بشأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني، فإنها ستكون في مواجهة مع قوة عسكرية إسرائيلية صغيرة لامبالية لكنها مسلحة تسليحا جيداً تحتجز آلافاً من الفلسطينيين الذين يريدون ببساطة العودة إلى بيوتهم بعد العطلة الصيفية أو رحلة قصيرة إلى الأردن.
لقد نجح الإسرائيليون على مدى عقود من سيطرة قوة الاحتلال الهمجية، في ترويض الفلسطينيين على قبول ما لا يمكن قبوله. إن مشهد العائلات التي تنتظر في طوابير طويلة بعد أن كانوا محبوسين في الحافلات لساعات طويلة من دون تمتمة يبين بوضوح كيف تنتصر البندقية على كرامة الإنسان.
وفي حين أن الفلسطينيين قد لا يكونون قد هُزموا تماماً، إلا أنهم على ما يبدو قد استسلموا لواقع الاحتلال ولاستحالة التغيير.
كان يمكن أن تُحل المشكلة التي واجهت ما يقرب من 4000 فلسطيني كانوا تحت رحمة الإسرائيليين للسماح لهم بالدخول، لو كان المرء يتعامل مع حكومته الخاصة. لكن إسرائيل ليست حكومة مهتمة براحة الناس، فعملية جعل الناس ينتظرون هذه المدة تدل على غياب كامل لإنسانية محتل عسكري أجنبي ليس لديه اهتمام براحة أناس ووجد نفسه مسؤولاً عنهم.
هذا التصرف تصرف لاإنساني، خصوصاً وأن الإسرائيليين يقولون أن هذا الأسبوع هو الأسبوع الذي تبدأ فيه العطلة، وقد تم الاحتفال "بيوم كيبور، يوم الغفران"، في اليوم السابق لتاريخه مع إغلاق تام للجسر، مانعين من الدخول مئات من الناس الذين كانوا قد وصلوا من مطار الملكة علياء الدولي، واليوم الذي يلي "عيد الغفران" يكون عادة مزدحماً نوعاً ما، فماذا إذاً لو كان على الناس الانتظار؟
إن الأعياد التي تشمل أسبوع "عيد المظال" تعني أن عدد الموظفين الإسرائيليين في الجسر محدود جدا. ويمكن أن نجد بعض الدروز والإسرائيليين غير الملتزمين بديانتهم في مواقع مختلفة، ولكن العدد الذي يسمح به الإسرائيليون هو أقل بكثير من المعتاد أو لما يحتاجونه.
من السخرية بمكان، أن إسرائيل ليست لديها مشكلة في زيادة النقاط الأمنية إلا أنها ليست مستعدة لزيادة عدد الموظفين لجعل نقطة الدخول الوحيدة لجميع الفلسطينيين تعمل بسرعة.
وعندما سألت عما إذا كانت المسألة تتعلق بالمال، قيل لي من قبل الشخص المسؤول عن الجسر بأن الرسوم التي تستوفى من المسافرين يكفي لتغطية النفقات، حيث يدفع سكان القدس الشرقية 100 دولار في كل مرة يتركون فيها الجسر بينما يدفع سكان الضفة الغربية 40 دولاراً في كل مرة.
لا يفكر الإسرائيليون بتاتاً في تخفيض عدد موظفي مطار بن غوريون أو في أية مواقع أخرى في خدمتهم، ولكن هذا هو جسر الملك حسين، وهو نقطة العبور التي تخدم أناساً "غير مهمين أو أقل إنسانية". إن قليلاً من الموظفين هو كل ما يسمح به ... وليُترك "المواطنون الأصليون" يعانون.
يتكرر هذا السلوك القاسي في جميع أنحاء فلسطين، سواء على الحواجز مثل قلنديا أو عند المستوطنات حيث غطرسة وبلطجة المستوطنين الجامحة، أو في غيرها من القيود المختلفة التي يضعها الإسرائيليون على الفلسطينيين.
لم يتم إجراء أية محاولة للربط بين عملية السلام والوضع على أرض الواقع. فقد كان لإسرائيل خلال جهود السلام السابقة بعض بوادر حسن النية مثل الإفراج عن السجناء أو تخفيف القيود.
ومع فصل كهذا بين عملية السلام والواقع على الأرض، فعلى المرء أن يعتقد بأن السلام، إذا كان سيتحقق يوماً ما، فلن يكون عملية تدريجية، لن تتحسن الأمور تدريجيا، وبدلا من ذلك، في حال نتج أي شيء عن المحادثات، فإن التغيير سيأتي على الأرجح فجأة.
وبعبارة أخرى، ليست هناك إمكانية لجعل الاحتلال يبدو جميلاً، ولا يمكن للمحتل العسكري الأجنبي مع وجود سياسة استعمارية استيطانية عنصرية أن يتماشى مع السلام وكرامة الإنسان، فليس هنالك حل وسط بشأن الحاجة لإنهاء هذا الاحتلال البشع.
يعرف المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون جيدا ما هي الخطوط العريضة التي ستكون لأي اتفاق للسلام، والمطلوب هو ليس شهوراً أو سنوات للتفاوض فحسب، بل الإرادة السياسية لاتخاذ الخيارات الصعبة التي من شأنها أن تؤدي إلى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.