هيبة المعلم وهيبة المؤسسات الحكومية
ليس من قبيل الصدفة ابدا أن تترافق "الزيادة الرقمية" في عدد حالات الاعتداء والاستقواء على رجال الأمن والمؤسسات العامة مع الزيادة في الهجوم والاعتداء على المعلمين في المدارس الحكومية ، لأن تلك الحالات تعكس نوعا من تراجع الاحترام والقيم الأخلاقية والاعتقاد بأنه في وجود "العزة بالإثم" الناجمة عن الشعور الجماعي بالقوة المحلية فلا يوجد ما يمنع الاعتداء على النظام العام الذي تمثله المؤسسات في الفضاء العام والمعلم في المدارس.
لا داعي للدخول في جدل حول نسبة هذه الزيادة وفيما إذا كان الإعلام يضخمها أم لا ، وفيما إذا كانت ظاهرة طبيعية في سياق التحولات الاجتماعية والاقتصادية. ببساطة لا يوجد ما هو طبيعي في هذا ، ومجرد محاولة القفز عن هذه المشاكل هي اشتراك في الإثم نفسه.
مطلوب من الكتاب والإعلاميين في الأردن التحلي بالجرأة وتجاوز الرغبة في الحصول على الشعبية ، وهذا يتطلب عدم الاكتفاء بالتشخيص الجزئي وتبرير هذه الأفعال بأنها نتيجة طبيعية لانخفاض هيبة الحكومة أو علاقتها بالمواطنين ، بل القيام بالتشخيص الصحيح والقاسي وهو زيادة قابلية الناس في المجتمع للاستقواء على الرموز والمؤسسات الحكومية من خلال التعاضد العائلي وفرض منطق القوة المحلية الجماعية على أدوات تنفيذ القانون والنظام ، وهو قد يكون نتيجة لانخفاض في هيبة الحكومة أو زيادة في منسوب العلاقات المحلية على القناعة بالإنتماء الوطني العام.
صحيح أن هناك سوء إدارة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية ، وهناك فساد يزكم الأنوف ولا أحد يجرؤ على منعه ، وهناك تباين في الفرص والحظوظ ما بين العاصمة وما بين المدن الأخرى والأرياف ، وهناك تراجع في الخدمات العامة في هذه المناطق ولكن هذا كله لا يبرر استسهال العنف ضد رموز الوطن إلا إذا كان هناك تراجع حقيقي في علاقة الحكومة مع المواطن ، بحاجة إلى تشخيص واستكشاف علمي دقيق.
الضحية الأساسية لكل هذا العنف هو مبدأ سيادة القانون وهو المبدأ الذي تبنى عليه كافة الدول وهذا ما يشكل إشارة خطر لا يجوز التقليل من شأنها. عندما تتراجع سيادة القانون العام لصالح القوى المحلية فإن ذلك يشكل وصفة خطيرة للتوجه نحو الولاءات المحلية وعجز المؤسسات الحكومية عن ضبط القانون.
هنالك حاجة ماسة إلى استعادة المؤسسات الحكومية لحضورها العام في المجتمع وتطبيق القانون بعدل ولكن بصرامة وحزم على كافة المخالفين وعدم السماح بالاستكبار في مواجهة القانون ، ولكن ذلك لا يتم فقط بالوسائل الأمنية بل بالثقة السياسية والاجتماعية التي كانت الأساس في بناء الدولة الأردنية وعلاقتها مع المجتمع.
من أين نبدأ؟ هناك ضرورة لمشروع وطني للتشخيص الاجتماعي والاقتصادي والسياسي يمتلك الجرأة والمنهجية العلمية في عدم تجميل الوضع الراهن وتحديد المثالب التي ألمت بالادارة وانعكاس ذلك على علاقتها بالمجتمع ، وأن يكون هذا التشخيص متلوا بسياسة عامة للإصلاح واستعادة دور الحكومة التنموي والريادي تملك التفويض اللازم والاهم من ذلك النزاهة والكفاءة التي تمنحها ثقة المجتمع لأن ما نراه أمامنا لا يسر أحدا وكل أردني مؤمن بسيادة القانون يجب ألا يتردد في المطالبة برفض أي اعتداء على منظومة تنفيذ القانون والدعوة إلى حل النزاعات بالطرق التي تحفظ هيبة الحكومة واحترامها في كل مكان.
ولكن الأمر لا يتوقف عند منظومة الأمن والقانون بل تعتبر الأسرة الركيزة الاساسية في بناء شخصية للمراهق والشاب النظام العام وترفض الانسياق وراء الدعوات الجماعية للتجاوز على القانون ، وفي هذا الصدد هناك الكثير مما هو مطلوب عمله.











































