هل يتحسس النظام الرسمي نبض الشارع الأردني؟

لم ينفك معارضون أردنيون منذ 7 سنوات  يطالبون الحكومة الاستماع لأصواتهم الداعية لإلغاء اتفاقية الغاز مع الاحتلال الإسرائيلي، الا أن أصواتهم ذهبت أدراج الرياح؛ بعد أن صم صانع القرار آذانه، ليبدأ "الغاز الإسرائيلي" بالتدفق الى المملكة بداية العام.

 

ليست هي المرة الأولى التي يمتص بها النظام الرسمي في الأردن مطالب الناس، ويعيد إنتاجها بشكل آخر او ينحني أمام العاصفة، كما حدث في احتجاجات عام 2018 ضد قانون ضريبة الدخل، التي أعاد فيها النظام إنتاج حكومات بذات النهج السياسي والاقتصادي، رغم مطالب المحتجين، بتغيير "البرواز لا الصورة".

 

أحد عشر عاما مرت على ما يسمى الحراك الشعبي الأردني، الذي انطلق في عام 2011 للمطالبة بإصلاح النظام، حراك خمدت وتيرته على وقع أحداث داخلية، وخارجية اقليمية، بعد ثورات مضادة شهدتها دول المنطقة، إلا أن الحراك رغم قصر عمره (2011-2013) دفع النظام إلى تغيير أربع حكومات في أقل من عامين، ليكون لعامي 2011 و 2012 خمس حكومات، كما أطاح ببعض الفاسدين، وتعديلات دستورية.

 

الوقائع تشير الى أن العلاقة بين حركة الشارع الأردني واستجابة النظام الرسمي لصوت الناس هي علاقة طردية، كلما تحرك الشارع حقق مكاسب حتى لوكانت محدودة، الا أن حركة الشارع بحد ذاتها اصبحت متذبذبة ويحركها الهم المعيشي بالدرجة الأولى.

 

لكن لماذا لا يستجيب النظام الرسمي الى صوت الشارع؟ وهل أصبح المواطن الأردني وقوده في الحراك الهَم المعيشي فقط؟ الكاتبة، والمحللة السياسية، لميس أندوني، تعتقد أن "الحكومة تسمع صوت الشارع الأردني وتحاول إحتواءه وتقديم حلول جزئية لكن بما أن الحكومة لم تجد حلا متكاملا فيه تغيير سياسات هذا يعني انه لا يوجد تقييم حقيقي لغضب الشارع وبهذه الحالة عملية التخدير لن تنفع."

 

 

وترى أندوني أن "أولويات الشارع الأردني تفرضها المعطيات وأن الاقتصاد لن يتوقف من أن يكون الرافد الأساسي للحراك خاصة بعدما تصدرت البطالة والوضع الاقتصادي المراتب الأولى ضمن قائمة إهتمام المواطن الأردني".

 

حديث اندومي يأتي في وقت  وصلت فيه نسبة البطالة الى 19% أما نسبة الفقر قد بلغت 15.7%وارتفعت قيمة المديونية إلى ما يقارب 42 مليون دولار أمريكي لتصل حصة المواطن الأردني من المديونية إلى 3232 دولار أمريكي.

 

وأشارت الكاتبة ايضاً إلى "ضرورة تجاوب الحكومة مع مطالب الناس والابتعاد عن العنف، والقمع الذي يفتح المجال أمام الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية كما هو في الدول المجاورة وأن الخوف من قيام التنظيمات الخارجية باستقطاب الشباب اليائس والغاضب."

 

 

تراجع وتيرة الحراك

 

ويعزي البعض تدنى مستوى المشاركة في الحراك خلال الفترة الماضية  إلى الاعتقالات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية ضد الناشطين والحركيين .

 

 

يرى الناطق باسم الحراك الأردني الموحد المحامي جمال جت ، أن "هناك فرق بين الحراك الشعبي، وبين القوى الحراكية حيث أن الحراك الشعبي  أصبح هبات شعبية تكررت خلال عشر سنوات الأخيرة، وحققت بعض المكتسبات لكن الواقع الحراكي يقوم بالفعل المرتبط بالحراكيين وليس بالحالة الشعبية الجامعة، أي أن الحراكيين مستمرين بحراكهم وهناك عدة وقفات يقوموا بها مقسمة على المناطق منها مرتبط بقضية الغاز الذي يعتبر من الملفات الأساسية". 

 

 الحراكيون، كانوا عرضة للاعتقال تحت تهم ومسميات مختلفة، وحسب منظمة هيومن رايتس ووتش  بتقريرها العالمي 2020  أن السلطات الأردنية كثفت من اعتقال المتظاهرين، والنشطاء السياسيين ومعارضي الفساد في 2019 ذلك بالتوازي مع تزايد الاحتجاجات على سياسات التقشف الاقتصادي في الأردن. حيث احتجزت السلطات عشرات النشطاء السياسيين واتهمت بعضهم بموجب أحكام غامضة في القوانين الأردنية التي تُستخدم للحد من حرية التعبير مثل "تقويض نظام الحكم السياسي" أو إهانة الملك أو التشهير عبر الإنترنت.

 

 و أكدت على خطورة أغلاق الأردن سبل الاحتجاجات العامة والتعبير عبر الإنترنت في 2019. وضرورة قيام المسؤولين والمُشرّعين الأردنيين من إزالة التشريعات الغامضة المُستخدمة للحد من الخطاب السلمي.

 

جت يقول إن "التهم التي يحاكم عليها الناشطين من إطالة اللسان أو تفويض الحكم تعتبر تهم مطاطة، والعقوبات عليها مختلفة قد تصل إلى خمس سنوات أو أكثر".

 

 

فإلى جانب المادة 194 من قانون العقوبات الأردني؛ تنص المادة 195 من القانون نفسه على "معاقبة من ثبتت جرأته بإطالة اللسان على الملك بالسجن لثلاث سنوات، ويتضمن ذلك إرسال رسالة خطية أو شفوية أو إلكترونية أو أي صورة أو رسم هزلي إلى الملك، أو القيام بوضع تلك الرسالة أو الصورة أو الرسم بشكل يؤدي إلى المس بكرامته، أو يفيد بذلك، وتطبق العقوبة ذاتها إذا حمل غيره على القيام بأي من تلك الأفعال".

 

وتطرق جت إلى التعديلات الدستورية التي يطرحها الحراك الآن والتي تتعلق بإعادة السلطة للشعب كمصدر للسلطات وربط السلطة بالمسؤولية أي أن لا يكون هناك سلطة ممنوحة للملك من غير مسؤولية.

 

تهم مطاطة

 

"تقويض نظام الحكم، إطالة اللسان، تغيير بنية المجتمع، إثارة نعرات إقليمية".. عبارات يصفها مراقبون بـ"المطاطة" تزخر بها التشريعات الأردنية، قادت العشرات من الناشطين السياسيين والمتقاعدين العسكريين والمعلمين إلى محكمة أمن الدولة؛ بعدما عبروا عن آرائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو نفذوا اعتصامات احتجاجية سلمية.

 

يواجه الحراك العديد من التحديات لكن أبرزها إقصاء الشباب وخاصة الطلاب منهم عن العمل السياسي والحزبي الذي يراه البعض أنه ينعكس بشكل سلبي على المجتمع ككل ليس فقط على الحراك.

 

يعتبر عضو حزب الوحدة الشعبية، ومنسق حملة ذبحتونا، فاخر الدعاس أن قانون الجرائم الالكترونية "إعتداء صريح على المبدأ الدستوري الذي يحمي حق المواطن الأردني في التعبير عن رأيه وهو ما يدينه نص الدستور الأردني حسب المادة ١٢٨ (لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستوري لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذا الحقوق أو تمس أساسياتها".

 

 

يرى دعاس أن "إقصاء الشباب والتضييق عليهم بالعمل السياسي وتغيبهم عن الحراك بالضرورة يعني غياب الوعي الذي يؤدي إلى جعلهم فريسة للانتماءات الإقليمية والعشائرية إضافة إلى اللامبالاة وعدم الشعور بالإنتماء الجدي للوطن و الذي ترجم بعزوف أكبر نسبة من الشباب عن التصويت."

 

يقول إن "أسباب وجود الحراك مازالت قائمة أي اننا مازلنا نعاني من تقييد حريات، ومن أزمة إقتصادية خانقة ومن انصياع لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين كل هذا يعد أرضية خصبة لعودة الحراك وبالتالي يمكن للحراك أن يخمد فترة لكن في أي لحظة يمكن أن يعود كما حدث وقت إعلان صفقة الغاز."

 

ويدعو النشطاء بشكل متكرر النظام في الأردن للبدء بإصلاحات سياسية حقيقية، ووضع خارطة طريقة للإصلاح السياسي، تكون محددة في إطار زمني تضمن المشاركة الشعبية الواسعة والفاعلة، وضمان الفصل بين السلطات، ومحاربة الفساد والتوقف عن سياسة الاقتراض.

 

لا أن السلطات الأردنية لم  تعير حراك الشارع اهتماما، بعد أن انحنت أمام العاصفة، واستثمرت في الوقت والاعتقالات لقادة فاعلين في الحراك تجربة اكتسبتها المملكة من مواجهة الربيع العربي، لتصب اهتمامها على شبكات التواصل، وبروز شخصيات معارضة رفعت السقف والمطالب.

أضف تعليقك