هل موجات الحر تُجبر عمّال الزراعة على التنقل والعمل بالأصعب؟
يواجه عمّال الزراعة وبخاصة النساء خلال أشهر الصيف معاناة حقيقية؛ بسبب العمل في أوقات الحر وعدم توفير مياه للشرب والطعام وأدوات السلامة اللازمة كالقبعات للحماية من أشعة الشمس، ما يضاعف معاناتهم ويزيد من إصاباتهم أثناء العمل.
وفي ظل تداعيات التغير المناخي تزداد حدة موجات الحر، ما يؤثر سلباً على المواسم والعاملين، ويجبرهم على التنقل عشرات الكيلومترات إلى أماكن زراعية أفضل بحثاً عن العمل، وهنا تبدأ معاناة أخرى مرتبطة بافتقار وسائل التنقل إلى معايير الأمان.
هذا كله يستدعي تفعيل نظام عمّال الزراعة الصادر في أيار عام 2021، الذي يضمن الحقوق العمّالية وبخاصة للنساء، من تحديد أوقات العمل وتوفير المكان المناسب والحمايات الاجتماعية وأدوات السلامة والصحة المهنية اللازمة، إلى جانب توفير وسائل نقل آمنة.
وفي حين، تزعم وزارة العمل، في تقرير صادر عن "المرصد العمّالي الأردني"، أن نظام عمّال الزراعة قد بدأ سريانه منذ تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ويتم استقبال الشكاوى الواردة، يؤكد عمّال زراعيون أنه حتى هذه اللحظة لم يستشعروا تفعيل النظام، بل تضاعفت معاناتهم بسبب موجات الحر المتزايدة هذا العام.
ووفق الاستراتيجية الوطنية للتنمية الزراعية للأعوام 2022 - 2025، الصادرة عن وزارة الزراعة، فإن العمالة الزراعية الأردنية المستأجرة بلغت (28.7 ألف) فرصة عمل، وبلغ عدد فرص العمل المستأجرة التي تشغلها النساء نحو (5. 18 ألف) فرصة عمل.
في حين يعتقد خبراء أن غالبية العاملين في الزراعة هم من النساء، وقد تصل نسبة النساء 70 بالمئة من إجمالي العاملين؛ ما يعني أنهن الأكثر تأثراً، ولتوفير مصدر دخل لهن وأسرهن يعملن بما هو أصعب كالعمل بقطاف البلح.
مصابة بالسكري وتعمل بالذروة الحارقة
تعمل رجاء منذ ثماني سنوات في مزارع الأغوار الشمالية وتبلغ من العمر 43 عاماً، تقول لـ"المرصد العمّالي الأردني"، إن العمل في حر الصيف يزيد صحتها سوءا، فهي مصابة بمرض السكري وتحتاج إلى شرب كميات كبيرة من الماء إلا أنها غير متوافرة في العمل.
وتقول إنه أغمي عليها مرات عديدة أثناء العمل تحت أشعة الشمس وصاحب العمل لم يكترث لها، "كانت تسعفني زميلتي وأحرص على إبقاء الدواء والماء والسكر معي، حتى لا يصيبني أذى فأنا بلا تأمين وإذا تأذيت أتعالج على حسابي الخاص، لكنني مضطرة للعمل حتى بالذروة الحارقة لأحصل على دخل".
وتشير إلى أنها تعمل على فترتين؛ الصباحية من السادسة وحتى العاشرة والمسائية من الثانية وحتى السادسة، "الأجواء تكون حارقة وهذا العام قلت المزروعات بسبب التغير المناخي، وازدياد ارتفاع درجات الحرارة قلل من عملنا وجعله أصعب والجهد أكبر".
وتبيّن بأن صاحب العمل لا يوفر أدوات السلامة والصحة المهنيّة اللازمة خلال الصيف مثل القبعات والقفازات والحذاء الخاص، وعدم توافرها يعني إصاباتهم بضربات شمس أو لدغات الأفاعي والحشرات وتعرضهم للمبيدات والأسمدة الكيماوية، "نضطر لشراء الأدوات على حسابنا، رغم أن الأجر الذي أحصّله لا يتعدى خمسة دنانير يومياً".
تقطف البلح لتحصل على دخل
أما صالحة التي تبلغ من العمر ستين عاماً، فتعمل منذ سنوات طويلة بقطاف البامية، ولا تسعفها ذاكرتها لتذكر متى بدأت العمل. وتقول لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن هذا العام كان الأصعب عليها، وبسبب الظروف المعيشية الصعبة اضطرت إلى قطع عشرات الكيلومترات للعمل.
وتوضح أنه بسبب خسارة موسم البامية لارتفاع درجات الحرارة التي كانت تعمل خلالها، أجبرت على الانتقال من الأغوار الشمالية إلى الأغوار الوسطى للعمل في قطف البلح، الذي يعتبر من أصعب الأعمال في قطاع الزراعة.
وتشير إلى أن عدد ساعات العمل غير محددة، ونتيجة العمل لساعات طويلة والتعرض لأشعة الشمس، تصاب بآلام في الرأس، ولا تمتلك أي نوع من الحمايات الاجتماعية في حال تعرضت لإصابة، كما لا يعترف صاحب العمل بتلك الإصابة.
وتبيّن بأن صاحب العمل لا يوفر أدوات السلامة والصحة المهنية اللازمة، ووسيلة النقل التي تستخدمها والمزارعات الأخريات غير آمنة والعدد يتعدى المسموح، إلى جانب أنها وسيلة لا تغطي وتبقى مكشوفة للشمس.
العمل بالصيف يقل ويصعب
تقول عضوة النقابة المستقلة للعاملين في الزراعة (تحت التأسيس)، والمسؤولة عن ثلاثين عاملة زراعية يسرى السميرات لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن الأوضاع بشكل عام خلال الصيف صعبة ويقل فيه العمل.
وتوضح أن عمّال الزراعة يتعرضون إلى لدغات الأفاعي والحشرات وضربات الشمس التي قد تؤدي إلى جلطات، ويدخلون المستشفيات ولا يملكون تأميناً صحياً، ولا يحصلون على أي تعويض.
وتشير إلى أن العمّال توجهوا للعمل في البلح وهذا العمل صعب للغاية للمرأة؛ فهي لا تستطيع أن تتسلق الشجر حتى تقطف الثمار، والسلالم غير آمنة ومن المحتمل أن تسقط، ومسافات الوصول للعمل بعيدة عن أماكن سكنهن ووسائل النقل مكشوفة ولا تقي من أشعة الشمس.
وتطالب بتفعيل نظام عمّال الزراعة الذي يضمن الحقوق العمّالية وبخاصة للنساء، "الحل هو بتماسك العمّال والمطالبة بتفعيل النظام وأن يكون لهم نقابة عمّالية زراعية مستقلة تشبههم".
غياب السلامة يجعلهم بخطر
بدورها، تقول رئيسة النقابة العامة للعاملين في الزراعة والمياه والصناعات الغذائية بشرى السلمان لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن ظروف عمّال الزراعة صعبة أكثر من السابق، وهناك إشكالية كبيرة في الحمايات القانونية لحقوقهم العمّالية الواردة في قانون العمل ونظام عمّال الزراعة.
وتشير إلى أن العمّال في دائرة الخطر بسبب غياب معايير ومتطلبات السلامة والصحة المهنيّة، وفي الصيف تظهر جوانب ضعف كبيرة بتلك المعايير؛ "الصيف أخطر الأوقات للعمل الزراعي، وذلك للتعرض المباشر والمستمر لأشعة الشمس والحشرات والأفاعي إلى جانب التعامل مع المواد الكيماوية والأسمدة".
وتوضح أن دور النقابة أساسي في المطالبة بحقوق العمّال أمام الجهات المعنية والشركاء كوزارتي العمل والزراعة واتحاد المزارعين والحديث عن قضاياهم ومطالبهم، "تحاول النقابة إطلاق مشاريع وبرامج تستهدف عمّال الزراعة من حيث التوعية والتثقيف ومهارات العمل النقابي".
وتطالب السلمان بتفعيل نظام عمّال الزراعة وتطبيق بنوده كافة، وإيجاد مظلة تمثل أصحاب الحيازات الزراعية وتكون الجهة المخولة بتمثيلهم؛ لتتمكن النقابة من إبرام اتفاقيات جماعية على مستوى قطاعي جغرافي أو إقليمي، والتأكيد على الحقوق العمّالية وتحسين ظروف العمل وتحقيق شروط عمل أفضل لعمّال القطاع.
إعادة النظر بالأجر في أوقات الحر
بينماتقول الخبيرة البيئية ورئيسة جمعية دبين للتنمية البيئية هلا مراد لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن من أهم النقاط التي يمكن طرحها التعرض المباشر لأشعة الشمس الذي يؤثر على صحة العمّال وأدائهم الجسماني أثناء العمل، خصوصا وأن موسم الحصاد والعمل غالباً يكون في فترات الصيف ووضح النهار.
وتوضح أن الأجر في أوقات الحر والإجهاد الكبير هو ذاته في الأوقات الأخرى، ويجب إعادة النظر والتفكير بجدية في هذه الجزئية، ولا يمكن للجهات المسؤولة أن تعمل شيئا أفضل من أن تتيح بيئة قانونية يستطيع من خلالها العمّال مواجهة أصحاب العمل للمطالبة بحقوقهم.
وتقترح مراد إعطاء العمّال أوقاتا كافية للاستراحة وتزويدهم بوجبات طعام وماء صالح للشرب وأدوات خاصة بأوقات الحر وتوفيرها باستمرار لتحسين ظروف عملهم، وتمكينهم بخبرات مرتبطة بمواجهة الحر والموجات القادمة، "العامل يجب أن يكون واعيا لهذه الموجات بحيث يستطيع أن يتصدى لها ويفهم كيفية ممارسة العمل بأقل تأثير".
وزارة العمل بتصريح سابق
وفي تصريح سابق لوزارة العمل إلى "المرصد العمّالي الأردني"، لمواجهة تغير درجات الحرارة وما ينتج عنها من متغيرات تلقي بظلالها على سوق العمل، قالت الوزارة إنها نفذت تدريبا لمفتشي العمل بهذا الخصوص، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية.
وتشير الوزارة إلى أنها طورت سياسات وأنظمة الصحة والسلامة المهنية كي تغطي جميع المخاطر التي يفرضها التغير في درجات الحرارة، ويلتزم صاحب العمل الزراعي باتخاذ جميع الإجراءات والتدابير اللازمة لتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية للوقاية من جميع المخاطر كالمخاطر الناجمة عن انخفاض وارتفاع درجات الحرارة والضوضاء والاهتزازات والإضاءة وتغيرات الضغط الجوي.
ويؤكد تقرير صادر عن "المرصد العمّالي الأردني" في أذار الماضي أن ارتفاع درجات الحرارة في ظل التغير المناخي تتزايد، الأمر الذي يؤثر على العاملين والعاملات الذين يعتمدون بشكل أساس على الإنتاج الزراعي مصدر دخل رئيس لهم ولأسرهم ويصبح عملهم مهددا.
التقرير الذي جاء بعنوان "كيف تتأثر عاملات الزراعة بالتغير المناخي"، يشير إلى أن الدراسات والأرقام المرتبطة بالتغيرات المناخية والعاملات في الزراعة شحيحة، وتبرز الحاجة إلى دراسات نوعية بهذا الخصوص.