هل سيتراجع الأردن؟

الرابط المختصر

في ندوة حوارية مغلقة لوزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، بعنوان "الدبلوماسية الأردنية 2023: أولويات وتحديات"، مع نخبة من الأكاديميين والسياسيين والإعلاميين الأردنيين (في معهد السياسة والمجتمع الخميس الماضي)، كانت هنالك تساؤلات وأسئلة عديدة عما إذا كان الأردن سيصرّ على مواقفه السياسية الاستراتيجية في ما يتعلق برفض صفقة القرن، والتمسّك بالحل النهائي، في ضوء التحولات الجوهرية في المجتمع الإسرائيلي؛ الانجراف نحو اليمين المتطرّف والتشدّد الديني، والتطبيع العربي - الإسرائيلي، وتراجع أهمية القضية الفلسطينية عربياً ودولياً، وهاجس مرحلة ما بعد محمود عباس ومستقبل السلطة الفلسطينية..

ولأنّ الندوة خضعت لقواعد Chatham House Rules (السرّية والكتمان وعدم الإفصاح عن مواقف المتحدثين في الندوة مع إمكانية الإفادة من المعلومات والأفكار المطروحة)، فإنّ المناخ العام السائد في أروقة القرار والنخب السياسية يتمثل بالاستعداد للمواجهة مع الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة إلى درجة غير مسبوقة، والإصرار على رفض أطروحة صفقة القرن والتمسّك بالحل النهائي السياسي، وبحقّ الأردني في الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية (بما تعنيه الوصاية من ثلاثة أمور رئيسية: الحماية، الرعاية المادية والبنية التحتية والصيانة، والإدارة).

وينبثق عن سيناريو المواجهة سؤالان رئيسيان: إلى أي مدىً سيمضي الأردن في المواجهة؟ وإلى أي مدىً يتوقع الأردن أن تمضي الحكومة الإسرائيلية الحالية في المواجهة واختراق القواعد كافّة وتجاوز الخطوط الحمراء الأردنية والدولية في محاولة تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى أو شرعنة الاستيطان، أو حتى تغيير قواعد الاشتباك مع الفلسطينيين بما يجعل الأوضاع هناك على شفا جرف هار؟

يميّز مسؤولون في أوساط القرار في عمّان بين ما يصفونها بالثوابت الاستراتيجية في الموقف الأردني من جهة والتكتيك الدبلوماسي في مواجهة الحكومة الإسرائيلية من جهة أخرى، ويدعون إلى الذكاء والتفكير المعمّق في مسارات (وخطط) التعامل مع الواقع الاستراتيجي الجديد في المنطقة بأسرها، ومع الحكومة اليمينية بخاصة؛ والهدف محاصرة الحكومة الإسرائيلية دولياً وإقليمياً وليس العكس، أن يكون الأردنيون والفلسطينيون هم المحاصرين. وذلك يقتضي، وفقاً لهذه المقاربة، التخطيط الدقيق التفصيلي، ومن ضمن ذلك العلاقة مع الدول العربية التي اقتضت مصالحها ورؤيتها لمصادر التهديد أن تذهب نحو التطبيع مع إسرائيل وتوقيع اتفاقيات سلام، لأنّها (تلك الدول) ترى في إيران الخطر المحدق، فليس من الذكاء أن يأخذ الأردن موقفاً نقدياً معارضاً لتوجه هذه الدول، أو أن يصطدم معها، بل المطلوب أن يحاول الإبقاء على الحدّ الأدنى من التنسيق معها في ما يخص القضية الفلسطينية والموقف من سياسات الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

على الجهة المقابلة، من الضرورة أن ننتبه إلى قضية مهمة وخطيرة، تتمثّل في أنّ صفقة القرن لم تمت بذهاب الإدارة الأميركية السابقة (دونالد ترامب ومشروع صهره جاريد كوشنير)، بل تبدو هذه الوثيقة بمثابة خريطة الطريق الوحيدة المطروحة في المنطقة (في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية)، وإذا لم تتبنّها الإدارة الأميركية رسمياً، فهي تعمل بها عملياً، وديناميكياتها التي تقوم على الإدماج الكامل لإسرائيل في مشروعات اقتصادية وبنية تحتية، وربما أمنية وعسكرية لاحقاً، ما يعني تجاهل القضية الفلسطينية والحقوق السياسية للفلسطينيين بالكامل، ودفن المبادرة العربية للتسوية (ربطت التطبيع الإقليمي بالحل النهائي)، وهو الأمر الذي مثّل مؤتمر النقب أخيرا (عقد أخيرا في أبوظبي؛ الذي لم تحضره الأردن بالرغم من الضغوط الشديدة عليها).

التقيت، قبل ندوة معهد السياسة والمجتمع (برفقة زملاء أكاديميين وكتّاب أردنيين)، المبعوث الأميركي للشؤون الفلسطينية والإسرائيلية هادي عمرو، وكان الحديث عن الفرص المتبقية (إن بقي شيء) للتسوية السلمية، وكان واضحاً من النقاش أنّ الإدارة الأميركية لا تحمل مشروعاً للتسوية والسلام، وأنّ البديل هو الانتقال من المايكرو إلى الميكرو (من الأمور الكلية إلى التفصيلات اليومية)؛ مثل زيادة عدد الفلسطينيين من غزّة الذين يعملون في إسرائيل، دفع رواتب السلطة الفلسطينية، تهدئة الأوضاع بعد المواجهات العسكرية، إيجاد فرص عمل للفلسطينيين في الضفة الغربية، وهي أمور يُقصد منها الممكن والواقعي، لكنّ التفكير فيها خارج سياق الحل النهائي هو عين صفقة القرن والتطبيع الإقليمي وغيرهما من مفاهيم تخدم المشروع الصهيوني بوأد الحقوق الإنسانية والسياسية الفلسطينية.

العربي الجديد