من أكبر الصعوبات التي تواجه الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، صعوبة التنقل داخل فلسطين والخروج منها والعودة إليها. وهذا لا يشمل صعوبة، وغالباً استحالة، زيارة الأقارب والأصدقاء في الأراضي المحتلة، وإذلال من يستطيع الدخول بجوازات سفر أجنبية. وقد خصّص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق التنقل في مادته الثالثة عشرة، وجاءت على بندين: لكلِّ فرد حقٌّ في حرِّية التنقُّل، وفي اختيار محلِّ إقامته داخل حدود الدولة. ولكلِّ فرد حقٌّ في مغادرة أيِّ بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده.
في الشأن الفلسطيني، قد يكون أهم سؤال: ما هي "حدود الدولة" التي تشير إليها المادة الـ 13. هل تعتبر المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 هي تلك الدولة التي يحقّ للمقيمين فيها حرية التنقل؟ يعني ذلك أن للمواطن في نابلس الحقّ في الوصول إلى القدس الشرقية، ولمواطن/ة خان يونس حق التنقل الحر للوصول إلى قلقيلية، إضافة إلى حقوق الجميع في التنقل الحرّ داخل المناطق المحتلة. ولكن الواقع أن إسرائيل تعتبر كل الأراضي من نهر الأردن إلى البحر المتوسط منطقة واحدة. وكانت رئيسة الوزراء الإسرائيلية، غولدا مائير، قد أجابت عن سؤال من صحافي بشأن حدود إسرائيل، بالقول إنها أبعد مكان وصل إليه الجندي الإسرائيلي.
يعرف الجميع الآن بعد إطلاق عشرات التقارير البحثية القانونية بوجود تمييز عنصري، وتطبيق جريمة الأبارتهايد، حيث تقسّم إسرائيل المناطق المحتلة إلى ثلاثة أقسام تنطبق عليها قوانين وإجراءات مختلفة. فهناك قطاع غزة والقدس وباقي الضفة الغربية، وكلها مختلفة في موضوع التنقل وحرية التنقل عن إسرائيل ضمن حدود الـ 1948. وبعد اتفاق المبادئ الإسرائيلي الفلسطيني المسمّى اتفاقيات أوسلو، هناك تقسيم إضافي في الضفة الغربية (دون القدس الشرقية)، فمناطق "أ" و"ب" و"ج"، حيث تسيطر إسرائيل أمنياً على مناطق "ب" و"ج"، وبقي الموضوع الأمني للمناطق "أ" بيد السلطات الأمنية الفلسطينية، رغم أنه حتى مناطق "أ" يخترقها الاحتلال بصورة متكرّرة.
يتعلق هذا كله بالتقييدات المخالفة للبند الأول من المادة الـ 13. أما البند الثاني، فالوضع أسوأ بكثير، حيث هناك مئات الفلسطينيين الذين صدر بهم أمر منع السفر، ويمنع بصورة غير مباشرة ملايين الفلسطينيين من الخارج من زيارة أهاليهم إلا من يحصل على تأشيرة إسرائيلية شبه مستحيلة الحصول، حتى في دول عربية ذات اتفاق سلام مع إسرائيل، أو من يحمل جواز سفر يسمح لحاملها بالحصول على تأشيرة على الحدود (وهو أمر غير أوتوماتيكي).
قد تنطبق أصعب مشكلات التنقل على أهل قطاع غزة المحاصرين، والمسموح لهم بالسفر فقط من طريق معبر رفح. والمعاناة في السفر والتكاليف المباشرة وغير المباشرة (الرشى شبه الإجبارية) صعوبات كبيرة تتطلب أحياناً يومين للوصول إلى مطار القاهرة أو العودة منه إلى القطاع.
أما سكان الضفة الغربية، فينحصر التنقل عبر معبر واحد، جسر الملك حسين، الذي تتحكّم بساعات فتحه وإغلاقه السلطات الاسرائيلية، حيث يقع في منطقة عسكرية، ما يعني أن قرارات الجيش الإسرائيلي هي التي تحدّد ساعات الفتح والإغلاق وعدد المسموح لهم بالدخول كل يوم، علماً أن ساعات فتح الجسر محدودة يومياً، وغالباً في ساعات النهار، ومقيدة أكثر يومي الجمعة والسبت. وقد حاولت السلطات الأردنية، أخيراً، من دون جدوى، إقناع الجانب الإسرائيلي بتمديد ساعات العبور وزيادة عدد المسموح لهم بالتنقل (4 آلاف يومياً)، رغم أن هناك أعداداً أكثر بكثير ترغب في التنقل من فلسطين المحتلة وإليها. وقد تزامنت عودة الحجاج مع زيادة كبيرة بالراغبين في السفر إلى فلسطين من حاملي الجنسيات الأميركية والأوروبية، بسبب عطلة الصيف المدرسية بعد نهاية كورونا بأزمة كبيرة. وعلى الرغم من ذلك، لم توافق إسرائيل على فتح الجسر على مدار الساعة، رغم وعود وزيرة النقل الإسرائيلية باستجابة لطلب مغربي بفتح الجسر على مدار الساعة. ويقول الإعلام الإسرائيلي إن تطبيق موافقة الوزيرة على الطلب سيكون ابتداءً من شهر سبتمبر/ أيلول المقبل.
وقد كرّر الرئيس الأميركي، بايدن، الذي زار المنطقة، والتقى قادة فلسطينيين، ما تقوله إدارته، أنها تعمل على توفير "الكرامة للشعب الفلسطيني"، وهو الأمر غير المتحقق، بسبب الحواجز الأمنية الداخلية والإجراءات المقيدة والذل الذي أصبح معروفاً للجميع في ما يتعلق بالتنقل عبر جسر الملك حسين. ويقول الإعلام الإسرائيلي إن وزير جيش الاحتلال اقترح إمكانية استخدام الفلسطينيين مطار رامون القريب من إيلات، علماً أن مسافة السفر من رام الله إلى ذلك المطار (الفاشل اقتصادياً) تتطلب أربع ساعات، من دون إدخال حسابات التفتيش وغيرها.
المدخل الرئيس لحل مشكلة التنقل، إنهاء الاحتلال، الذي يعتبر السبب الرئيس للمضايقات والإذلال ومنع السفر. لقد سكب الرئيس بايدن الماء البارد على فكرة مفاوضات لإنهاء الاحتلال (رغم أنه لم ينطق بكلمة الاحتلال)، لأن "الظرف غير ناضج". وقد مرّت عقود والظرف غير ناضج، واستمرّت المضايقات والمخالفات لحق أساسي وبسيط، حق التنقل داخل الوطن ومن الوطن وإليه، فهل هناك أمل بتحقيق هذا الحق مع استمرار الاحتلال؟
عن العربي الجديد