هل تستمر لمسات الحكومة الحنونة بعد حصولها على الثقة

الرابط المختصر

فازت حكومة الدكتور عدنان بدران يوم الخميس 21 تموز بثقة مجلس النواب باغلبية 67 نائبا من اصل 109 نائبا ولم يكن الفوز مفاجأة ، ولم يأت الحجب من جانب الاسلاميين مفاجأة كذلك، غير ان السؤال المثار في اروقة البرلمان هذه الايام يتعلق بوضع الحكومة خلال الشهور القليلة المقبلةفهل ستحافظ على هذه الاحتفالية التي تجلت حتى بتصويت رئيس مجلس النواب عبدالهادي المجالي مانحا الثقة للحكومة، وهو في حقيقة الحال يوجه اشارة الى رئيس الوزراء على عدم التدخل في معركة الرئاسة داخل البرلمان خلال الاشهر القادمة، ام ان الحكومة ستجد نفسها امام مطارق النواب وسنديان الصحافة في وقت قريب ولاعتبارات عدة؟!



ظلال مناقشات الثقة لم تخف تلك الدلالات المثيرة التي يجب ان يتوقف عندها رئيس الحكومة والتي ستطل برأسها في اول المطبات التي ستبرز على الطريق، فالهجوم على وزراء بحد عينهم، لاسباب عامة او شخصية، ثم امتداح الرئيس وشخصه، امر لا يبدو معقولا، في ظل معادلة تتحدث عن فريق حكومي واحد، لا عن كانتونات داخل الحكومة، ثم ان سياسة رئيس الوزراء بارضاء النواب، وعبر وسائل عديدة، امر قد لا تكون الحكومة قادرة على الاستمرار فيه، ولن يقبل النواب ان تكون تلك "هدية التكليف" من جانب الحكومة ورئيسها، خصوصا، ان ضغط المواطنين لا يرحم.

كما ان صراع المصالح السياسية سيطل برأسه في توقيت ما، فشهر العسل بين الرئيس ومراكز القوى، قد يكون طويلا، ربما نكاية برؤساء حكومات سابقين، غير ان الصدام حاصل لا محالة، اذا قرر رئيس الحكومة بجد محاربة الفساد، والشللية والمحسوبية، وغير ذلك من امراض نخرت الجسد العام، ثم ان قرار رفع اسعار المشتقات النفطية، ورفع اسعار عشرات السلع ، هي قضايا ستجد الحكومة نفسها امام واقعها، اليوم او غدا وميل النواب ووسائل الاعلام الى تبني لغة رافضة او محرضة ازاء هذه القرارات، ومع ما سبق "البرنامج السياسي" للحكومة على صعيد الملفين الفلسطيني والعراقي، وقصة "العدالة والمساواة" في الداخل الاردني،



محسودة هي الحكومة على احتفاليتها، غير ان امامها اياما صعبة، فلو سكت النواب الاسلاميون على قصة العدالة و المساواة ، فلن يقبلوا بالاستحقاقات السياسية المقبلة على الاقليم ، والعكس صحيح، فلو سكت تيار الوسط والتيار الوطني على رفع الاسعار، فلن يقبل قصة " العدالة والمساواة" وجوازات ابناء غزة، ولو تفهم الجانبان القصتين، فسنجد فريقا ثالثا ينفجر امام مصالحه التي قد تتضرر اذا حارب رئيس الوزراء الفساد والمحسوبية والشللية، وهو اذا لم يحارب هذه الآفات فسنجد من يتصدى للرئيس والحكومة بتهمة عدم تصديه لهذه الآفات، ثم ان الصحافة كمرآة عاكسة تبحث عن قصتها وتقريرها وخبرها ومانشيتها، تجامل الحكومة في عدد وتنفلت في عدد اخر.

الحكومة امام مهمة صعبة وقاسية، والمؤكد ان اسراف الحكومة في تطييب خواطر اطراف عديدة ومجاملة الجميع سينعكس سلبا على الحكومة اذ عليها واجب الخروج من عباءة المجاملات السياسية نحو حضن الموقف حتى وان كان حادا يثير غضب هذا أو ذاك وبغير ذلك ستكتشف الحكومة ان هيبتها سوف تبدد جراء "طيبة رئيسها" في بلد اعتاد اهله على وجود "كبير صارم" في كل بيت، يجامل وقت المجاملة، ويكسر بيد من حديد وقتما يتطلب التوقيت او الحاجة.





حكومة بدران فازت بثقة البرلمان غير انها امست اسيرة لتلك اللمسات السياسية الحنونة التي اطلقتها في سماء البرلمان والاحزاب والنقابات والصحافة، وزرعتها في قلوب الاردنيين.



وهي مزايا تُحسب للحكومة غير ان اثقالا ستؤثر على قدرة الحكومة على المسير اذ ان نصف الاطراف على الاقل التي رجعت وهللت بالحكومة، ستنقلب على ذات الحكومة، في أول توقيت مقبل، أكان رفعاً للأسعار أو تدخلاً في الملف العراقي او حين يطبق الرئيس القانون بحذافيره ضد الفساد وامتداده وحتى حين يصبر على هؤلاء فسيجد اطرافا اخرى واقفة للحكومة بالمرصاد.





الحكومة الجديدة اثارت اجواء من التفاؤل ولا شك ان رئيسها نظيف اليد ومن طراز رفيع غير ان النوايا الحسنة لا تكفي، ولعل اقلاع الحكومة الحقيقي يبدأ حين تتخلى تدريجيا عن مناخ المجاملات نحو مناخ الحسم والحزم واتخاذ الموقف الحاد والواضح والجريء في بلد واقع وسط احتلالين ويواجه خيارات صعبة داخليا على الصعيد الاقتصادي وتغيرات سياسية تتطلب كلها ادراك الحكومة ان شهر العسل بينها وبين كل الاطراف قد يكون طويلا غير انه سينتهي اجلا ام عاجلا.



ورغم ان بعض النواب يذهبون الى الاعتقاد بان هذه الحكومة جديرة بمنحها فرصة والصبر عليها مطولا، وان على رئيس الوزراء ان يكون حاسما وجادا نحو تطبيق برنامج حكومته، وكذلك استثمار مناخ عدم المناكفة والتصيد الذي سوف يسود قليلا في اجواء المجلس لجهة العمل كشركاء من اجل الاردن وليس كأضداد ، فامام الجميع( الحكومة و البرلمان ) مهمة العمل من اجل الاردن كفريق واحد ونحو هدف واحد، وتفهم الظروف الداخلية والخارجية قبل ان يبلور اي من الطرفين موقفا .



فان نوابا لا يعتقدون ان اجواء التفاؤل سوف تستمر طويلا، سيما وان هناك ملفات كبيرة قادمة ولن يستطيع النواب تحمل ثمنها امام قواعدهم، وماذا سيقولون للناس، خصوصا، ان رئيس الحكومة لم يخف وجود مثل هذا التوجه، فكيف ستبقى الاحتفالية قائمة في هذه الحالة، ثم ملف " التنمية السياسية"، وهو سيثير خلافات بين الحكومة والاحزاب والنقابات وبقية الاطراف، ثم ملف الانسجام بين اعضاء ذات الفريق الوزاري، وغير ذلك من قضايا .



الحقيقة الماثلة في المشهد النيابي – الحكومي هي تؤشر الى ان هناك قضايا مفصلية قامة لا محالة ستوجب اتخاذ موقف واضح من جانب الحكومة او حتى من جانب بقية الاطراف النيابية وعندها ستتغير الصورة...بلا شك


أضف تعليقك