هل ترك أسمنت عمان أرضاً للحاج عطا؟

الرابط المختصر

يستيقظ الحاج عطا يوميا على وقع أصوات خلاّطات الاسمنت والتي ملأت حارته في منطقة جبل النزهة، فالعمارات الإسمنتية لا تسمح لثلاثة عشرة ماعز يمتلكها بالرعي في الأرض المجاورة لمنزله.ومنذ الصباحات الأولى يخرج مع ماعزه الشامي، متجولا بين المناطق في عمان..قاطعا الكيلوات بحثا عن أراض فيها العشب النذير لتأكل الماعز وتستمر في در الحليب الذي يبيعه إلى الناس ويعود إلى بيته بما تحمله يداه من المال الزهيد.  
 
يقف الحاج عطا أمام ماعزه متأملا إياها، ناظرا إلى أبعد ما يحدده الماء الأزرق المستقر في أعماق عيناه.."ما تركولنا مكان نرعى فيه".
 
يبيع الحاج عطا كيلو الحليب الصافي  في فصل الربيع بـ12 ديناراً، معتليا "الصفرطاسات" النحاسية وهي عبوات قديمة، متجولا بين البيوت العمّانية، عارضا على الناس الحليب الطازج النظيف بأسعار متفاوتة كل حسب علاقته به ووفقا لحالته المادية، مؤكدا أن السعر قابلا للتخفيض..أما عن النظافة فهي كما يقول عطا السبعيني: "الحاجة (زوجته) تغليه جيدا كي يصبح نظيفا ويصفى من الشوائب فالناس أحبت حليب الحاج عطا".
 
يلف الحاج عطا على رأسه الحطة ذات القماش المتهالك الذي حمل ألوان الأتربة الأسمنتية، ويدخن السجائر من نوع اللف، يقف بالنصف ساعة وأكثر في انتظار الماعز حتى تكتفي من أكل العشب النذير، مستوطنا المكان لسويعات وأحيانا لدقائق حسب عشب الأرض وكثرته ثم يغادر المكان بحثا عن مناطق فيها الخلاء وبالتالي العشب، في رحلته الشتوية .
 
الحاج عطا، لا يرى في عمله سوى مسيرة  الأب والجد من اللد إلى عمان.."مهنة الرسول، والحرية"..فالقلب "كادر" كما يقول. فلا الاسمنت يترك أرضا ولا حكومة أبقت شيئا.."مش قادر أصرف على العائلة..والأولاد مش مكفين حالهم"..
 
"لا أريد معونة، أريد أرضا فيها عشب ليرعى فيها الماعز بحرية. يا حرام أعدموا أراضي عشبية طرية وبنوا بدلا منها الاسمنت يا حرام قتلوا الأرض".
 
"قلت مرة لصاحب عمارة وهي تحت الإنشاء حرام قتلت الأرض رد علّي يعني اتركها لمعزاتك".
 
عمان في دراسات!
" تجردت عمان في السنوات الأخيرة من المناطق الخضراء الطبيعية لصالح العمران، مع الإشارة إلى أن المناطق الخضراء هي جزء من النهج العمراني، والازدحام العمراني ما هو إلا نتيجة عدم التخطيط المستقبلي في السابق"..وفق البروفيسور عنف زيادات، في هندسة مصادر المياه والبيئة، "لا نتوقع أن تزال البنايات، لكن لننظر إلى التخطيط المستقبلي الذي تقدمت به أمانة عمان، والنظر إلى المناطق التي ضمت لها".
 
برأيي زيادات والذي يشغل منصب نائب عميد كلية الهندسة في جامعة مؤتة، أن "المناطق المنضمة للأمانة يمكن استغلالها للامتداد العمراني وخاصة تلك التي صبغتها صحراء، ويكون بذلك مراعاة للمناطق الخضراء"..مبديا تفاؤله من المخطط الشمولي، "هناك مراعاة للمناطق الخضراء في جوانب منه".
 
الزحف السكاني يزيد من العبء المخططات والدراسات الرامية لمكافحة التصحر في العاصمة، وكما قال زيادات فإن الأعداد الكبيرة للسكان والاكتظاظ يشكل تحديا كبيرا. وبالإشارة إلى الكثافة السكانية، فقد أعلنت دائرة الإحصاءات العامة عن نسبة سكان العاصمة والتي وصلت إلى 38,8% حيث بلغ عدد السكان مليونين و172 ألفا.
 
وتصل مساحة الأراضي داخل العاصمة عمان إلى 688 كيلو متر مربع وتشكل المناطق السكنية منها إلى حوالي 90%.
 
ويطالب الدكتور زيادات من أمانة عمان أن تكون المباني المرتفعة خارج مناطق الكثافة السكانية ومحايدة البقع الخضراء.."فهناك مجال لاستغلال المناطق الجديدة لعمان أو في شرقها ذات الصبغة الصحراوية".  
 
عمان لم تترك لا أرضا ولا عشبا للحاج عطا..عمان مدينة الاسمنت والحجارة كما أصبحت..هل ضاقت بالحاج عطا.."إلى أين أذهب للرعي".سؤال الأرق اليومي..تسأله الحاجة أم عطا كل صباح قبل خروجه من الدار، مشكلا بداية يومه تحد كبير عن المكان والزمان الذي ستحدده بوصلته، والهاجس ما سيتركه الاسمنت لماعزه..ويقول لزوجته قبل أن يخرج "مش عارف وين بدي أرعى".