هل تجاوزت لجنة التمويل صلاحياتها؟
من المعروف أن نظام الحكم في الأردن برلماني ملكي وراثي مما يعني أن للقوانين والتشريعات أهمية كبيرة في تسيير الحياة اليومية.
وإذا اطلعنا على أي قانون يسنه مجلس الأمة نجد أن آخر بند في القانون يحتوي على العبارة التالية: " رئيس الوزراء والوزراء مكلفون بتنفيذ أحكام هذا القانون" أي أن الحكومة التي تحلف اليمين أمام جلالة الملك مكلفة بتنفيذ النصوص الواردة في كافة قوانين المملكة.
ولكن يبدو أن بعض المسؤولين في رتب أقل من وزير وأمين عام يعتبرون أن لهم صلاحيات تفوق القانون وتتجاوز نية المشرع ويخالفون عن معرفة قوانين تم الموافقة عليها من مجلسي النواب والأعيان وحظيت بتوشيح الملك ونُشرت في الجريدة الرسمية.
ويبقى السؤال المهم من هي الجهة التي يجب أن تحاسب هؤلاء الموظفين وما هي المسؤولية الوزارية لوزراء ورئيس الوزراء المسؤول إداريا وبصورة مباشرة عن قراراتهم.
قد يقول البعض أن القضاء أي السلطة الثالثة هي المسؤولة وهذا صحيح، ولكن أليس من الأولى أن يقوم الموظف والمسؤول والوزير بضمان تنفيذ صادق للقانون؟ أوليس من حق المواطن أن يكون الجهاز التنفيذي ملتزم بالمهام المنوطة به؟
قدمت هذه المداخلة بعد أن شعرت بقيام احد اللجان التابعة للحكومة الرشيدة بظاهرة تجاوزات لأكثر من مرة ولأكثر من جهة نص واضح في القانون الخاص بالموافقات على التمويل الأجنبي.
لقد قصد المشرع الأردني تخفيف البيروقراطية والتأخير -والتي للاسف اصبحت سمة من سمات الجهاز التنفيذي الأردني- بوضع صيغة واضحة تنص أن أي طلب للموافقة على التمويل الأجنبي تعتبر موافق عليها إذا مر ثلاثين يوما من تقديمها بدون جواب خطي. كما تم إعادة ذلك في البند "ص" من المادة الثانية لـ آلية الحصول على الموافقة على التمويل الأجنبي الصادرة في 27 تموز 2020 ومقره من مجلس الوزراء.
لمدة طويلة تشكلت صعوبة تحديد تلك المدة بسبب رفض الجهات الرسمية تقديم ختم يشمل تاريخ القبول للطلبات مما صعب على المؤسسات المتقدمة أن تطالب باحترام مدة الانتظار رغم أن العديد من الشكاوى من مؤسسات المجتمع المدني تحدثت عن تأخير اشهر واحيانا يصل الى تقريبا سنة.
ولكن أتمتة العمليات الادارية وفر للمتقدم توثيق قانوني لتاريخ التقدم بطلب مكتمل الشروط مما يعني انه اصبح من الامكانية مطالبة باعتبار أي مشروع لا يتم الرفض الخطي خلال مدة ثلاثين يوم بمثابة الموافق عليه.
إلا أنه ورغم هذا التطور إلا أن أمانة سر اللجنة المكلفة بتقديم تنسيب للحكومة لا تزال تتأخر في عملها ورغم ذلك فإنها تصر على إرسال رد سلبي بعد مرور أشهر وتقوم بصورة عليها شبهات التدخل بالتواصل مع الجهات الممولة لاعلامها أن مشروع معين مرفوض رغم أن المدة قد تم تجاوزها وأن قرار لجنة التمويل لا تعتبر سوى توصية لمجلس الوزراء.
إن ما يحدث ليس قضية فردية بل اصبحت ظاهرة خطيرة تشكل تضييق مساحة مؤسسات المجتمع المدني من العمل بحرية وبدون تأخير أو تقييد.
لقد شكلت البيروقراطية المقيتة والتدخلات المستمرة في تسجيل الجمعيات الخيرية هروب العديد من النشطاء لتشكيل شركات غير ربحية بحسب القانون.
الا ان وجود سجل الجمعيات في وزارة التنمية والذي يضم الشركات غير الربحية والذي يشرف على لجنة التمويل شكل استمرار في التعقيدات والمضايقات والتدخلات التي تشهدها العديد من الجمعيات الخيرية
من ناحية اخرى لا بد من توضيح أمر في غاية الأهمية حول مصادر التمويل. فمن المعروف أن تشكيل لجان حكومية لمتابعة الية التمويل كان يهدف الى ضمان عدم وجود جهات معادية تستغل القانون لتمويل أعمال مضرة للدولة الاردنية أو استغلال البعض لنقل الأموال بهدف غسيلها. إن ما يحدث الآن بعيدا كل البعد عن ذلك. فما المنطق من رفض مشاريع ممولة من الاتحاد الاوروبي او من شركة جوجل او من الخبراء الفرنسيين. وهل مشروع توعية المواطنين فيما يتعلق بتدوير النفايات او تدريب ذوي الاعاقة للعمل في مجالات مختلفة أو توعية المواطنين في معرفة حقوقهم تشكل خطر على الدولة الاردنية؟
الامر الاخر الذي يغيب عن الكثيرين ومنهم من هم في مواقع متقدمة أن الحصول على التمويل الأجنبي لا يعني بالضرورة أنه يقلل من موارد مخصصة للأردن. فالعديد من مؤسسات المجتمع المدني الاردنية نجحت في المنافسة العالمية على صناديق تمويل مما يعني أنها أدخلت موارد وشغلت مواطنين وخدمت الاردن بأموال لم تكن بالضرورة مخصصة للأردن بل لكل العالم.ولكن إن استمرت المضايقات فمن المتوقع أن يهجرك البعض وتفضيل لتسجيل شركات ربحية الأمر الذي سيفقد مؤسسات مجتمع مدني من المنافسة العالمية على منح عالمية وبذلك تكون الدولة الاردنية الخاسر الأكبر.
ان الوضع الاقتصادي وحاجة الأردن في التعاون الدولي يتطلب أن تكون آلية العمل سهلة و سلسة وخالية من التدخلات والمناكفات وتصفية الحسابات على أسس غير مهنية. إن الوقت حان لإعادة تشكيل لجنة التمويل الأجنبي ووضعها على أسس تدعم المجتمع المدني لا تحد من عمله.
*******************
الكاتب مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي وهي شركة غير ربحية تعمل على رفع الوعي المجتمعي من خلال راديو البلد وموقع عمان نت ومشاريع توعوية أخرى.