نقد المنازعات العلميّة في المقابلات النّقديّة
نشرَ الدّكتور إبراهيم خليل كتاباً جامعياً مقرراً عن الشِّعرِ العربيِّ الحديثِ بعنوان (مدخل لدراسة الشِّعر الحديث)، في سبعِ طبعات، كانت الطّبعة الأولى عام (2003) عن دار المسيرة، وبعد تسع سنوات تقريباً، نشر الدّكتور سامي أبو زيد كتاباً بعنوان معدّل نسبياً بعنوان (الأدب العربي الحديث)، ولم يزد على تعديله سوى شيءٍ من إعادةِ الصّياغةِ، وإضافة كلمة (الشِّعر) بينَ قوسينِ على غلافِ الكتابِ، وأحسبُ أنّها محاولةٌ مخاتلة ومضللةٌ.
على أنّ الطّريفَ في الموضوعِ حقاً، أنّ الكتابينِ صدرا عن دار نشر واحدة.
إلّا أنّ السُّؤالَ الذي يتبادر إلى الذّهنِ الآن: متى ستعرف دار النّشر أنّ الكتابين يتفقان شكلاً، ويتقاطعان مضموناً؟
عندَ كشف التّشابه، لاحظنا انتحالاً فكرياً ومنهجياً، وأنّ الكتابَ الثاني استنساخ مع إضافة وشيء من تغيير الصّياغة والعبارة شكلاً ومضموناً.
وبالمقارنة، يتخذُّ كلا الكتابينِ من الشّعرِ العربيِّ الحديثِ موضوعاً، ومن شعراء النّهضة الحديثة، وجماعة الدّيوان، وأبوللو، وشعر المهجر، والمقاومة مداراً ومدوّنةً للكتاب.
ومن الجديرِ ذكره هنا، في هذا الصّدد، أنّ الموضوع ليس جديداً، ولا حقلاً بكرا. كما أنّه من الصّعوبةِ بمكانٍ، على الدّارسِ والباحثِ الإحاطة بالشّعرِ العربيِّ الحديثِ بكتابٍ، إلّا إذا كان هذا الكتابُ ضخماً، معدّاً من فريقٍ كبيرٍ، وجيشٍ من الباحثينَ الجادين.
ولمّا كنا في مجال الأدب ونقده، فإنّه لم يكن مفرّ من أن نتساءل في كثير من الشّك والريبة، هل من المصادفة، أن يتخذ د. سامي النّسق نفسه في ترتيب كتابه؛ بحيث يماثل تماماً تبويب كتاب د. إبراهيم؟
وعلى سبيل المقاربة، فإنّ محتويات الكتابينِ تتشابه كثيراً، وتتقاطع تقاطعاً تماماً وواضحاً.
يضمّ كتاب د. إبراهيم أربعة أبواب: عصر النّهضة، والرّومانسيّة في الشّعر، وتراجع الرّومانسيّة، والشّعر الحداثي، فضلاً عن تمهيدٍ، وملحقٍ بالقصائد المختارة.
في المقابلِ، يضمُّ كتاب د. سامي ثلاثة أبواب: عصر النّهضة، والرّومانسيّة في الشّعر، والارتداد من الرّومانسيّةِ إلى الواقعيّةِ، فضلاً عن تمهيدٍ، وملحقٍ بالقصائد المختارة.
أشار د. إبراهيم في التّمهيد، إلى النّهضةِ الأدبيّة، وعواملها، ومظاهرها، مستوفياً فيه الحديث عن الطّباعة، والصّحافة، والمجلات، والتّرجمة، وانتشار التّعليم، بما في ذلك إنشاء المدارس، وإيفاد البعثات التّعليميّة، وظهور الحركات السّياسيّة والفكريّة، ذاكراً مظاهرها؛ كاتساعِ حركةِ التّأليفِ، والتّرجمةِ، والنّشرِ، والانفتاحِ على الأدبِ الغربيِّ، وظهور فنون نثريّة جديدة؛ كالقصّةِ، والرّوايةِ، والمسرحيةِ، وتعزيزِ مكانة اللغة العربيّة.
تبعاً لذلك، جاء د. سامي بتمهيدٍ مماثلٍ تماماً؛ بإضافةِ المجامعِ اللغويّةِ العربيّةِ، والاستشراقِ كعاملٍ من عوامل النّهضة، مستبدلاً مصطلح (الرّحلة والهجرة) بإيفادِ البعثاتِ التعليميّةِ.
والملاحظ أيضاً، أنّ ما كتبه د. سامي عن البارودي، يعدّ شبه استنساخ ما جاء في الفصل الثّانيّ من كتاب د. إبراهيم.
والنّاظر إلى عناوين أبواب وفصول الكتابين، يلاحظ تشابهاً واضحاً. حيث نلاحظ مثلاً، أنّ د. إبراهيم، تناول في كتابه الشِّعر الوطني الملتزم تحت عنوان (نزعة التّحرر الوطني والاجتماعي في الشّّعر العربيّ الحديث)، فاستبدل أبو زيد القومي بالاجتماعي.
ينتقل د. سامي مرّة أخرى لعنوان جديد عن البارودي، لنلاحظ أنّ عنواناً في ص (33)، وآخر ص (34)، وفي الثاني يبدأ بسيرته، وقد صاغها صياغةً جديدةً.
وبالاستقراء، يتضح من الفقرةِ الختاميّةِ عن البارودي، أنّها استنساخ من آخر فقرة عنه، وعن شعره في كتاب د. إبراهيم، في صفحة (39).
وعموماً، إذا ما أمعنّا النّظر في ما كتبه عن أحمد شوقي في صفحة (40)، بالمقارنة مع ما ورد في كتاب د. إبراهيم، ص (64)، وما بعدها، سيتضح لنا، أنّ النّقل الحرفي واضحانِ كوضوحِ الشّمسِ في رابعةِ النّهار.
يتطرّق د. إبراهيم في الفصلِ السّابعِ من كتابه عن رومانسيّةِ الشّعرِ النِسْوي، غير أنّ الغريب، أن نجد د. سامي يخصص الفصل السّادس من كتابه للشعر النسوي مع شيء من الإضافة، من ص (229- 247). وعلى هذا النّحو من الإضافات والتغييرات، تناول د. سامي شعر المقاومة الفلسطينيَّة، وجاء حديثه عن هذا الشّعر حديثاً شبه استنساخ مع إضافة لما ورد في كتاب د. إبراهيم عن الشّعراء الأربعة: توفيق زيّاد، وراشد حسين، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وبالتّرتيب نفسه، في ص (237- 259).
إضافةً إلى ذلك، لم يكتف د. سامي بهذا القدر، بل ذهب أبعد من ذلك، متناولاً في ص (340) (موسيقا القصيدة)، وفي ص (342) (التّكرار)، وفي ص (344) (اللغة)، وفي ص (346) (الانزياح الأسلوبي)، وفي ص (347) (الرّمز والأسطورة)، وفي ص (350) (وحدة القصيدة)، وفي ص (350) (التّناص)، وفي ص(351) (التضمين).
إلّا أنّ الغريب المدهش حقاً، أنّ د. إبراهيم، تناول في كتابه هذه الملامح بالتّرتيب نفسه.
وبالمحصّلة، بعد قراءةِ الكتابينِ، قراءةً نقديّةً علميّةً موضوعيّةً، يظهر، أنّ الكتابينِ، تناولا حقلا وموضوعاً واحداً ليس بكراً في الدّراسات النقدية الحديثة. وعلى ذلك، تجدر الإشارة، إلى أنّ الفاصلَ الزّمني، كافٍ لاكتشافِ التشابه.
وما دام مدار الكتاب الشِّعر الحديث، فإنّه كان من الأسلم والأحوط، أن يغيّر د. سامي الشُّعراء المدروسين.
علاوةً على أنّه لم يشر في مقدّمة كتابه إلى الكتابِ السّابقِ، لكن الطّريف جداً، أنّ د. سامي ذكر الكتاب في قائمة المصادر والمراجع، كما لو أنّه تفادٍ متعمد ومدروس؛ لتبرئة الذّمةِ مما يمكن أن يخشى وقوعه، إلّا أنَّ الذي كان يحذره قد وقع.
والسّؤال الذي يلحّ على الظّهور بقوّة، هل من المصادفة، إضافةً إلى ما ذكر، أن يستدلّ كتاب د. إبراهيم بالشّواهد الشّعريّة المستخدمة، فيسير د. سامي التّمثيل نفسه بالشّواهد نفسها؟
وأياً كان الأمر، فإنّ اللوم يقع على دار النشر في إعادة نشر الكتاب، وتتحمّل في المقابلِ جزءاً كبيراً من المسؤوليةِ في نشر الكتب العلميّة المنحولة.
انطلاقاً لما سبق ذكره، ثمّة أسئلة مشروعة، تدور، وتثور، وتعتمل في الذّهن، منها: هل قامت دار النّشر السّّابقة الذّكر بمخاطبةِ المؤلِّفِ الحقيقي، وهل وقع التّواطؤ دون علمه؟ وكيف لدار نشر أن تنشر كتابينِ متطابقينِ في العنوانِ شكلاً، وفي المضمون حرفاً؟
ولهذا قد نستطيع أن نلتمس للدكتور سامي بعض العذر كون الكتاب مقرراً جامعياً لا عملاً بحثياً، وإن كنا لا نوافقه، ولا نراه جائزاً.
وأخيراً، يبقى السّؤال قائماً: لماذا لا ينفق الباحث الوقت الكافي بالقراءة والبحث، بدلاً من انتحال واستسهال نقل جهد غيره، الذي أعمل عقله في البحث والتنقيب والجمع، فضلا عن التحليل والدرس ليخرجه مندغماً بثمرات فكره ونقده الأدبي، وذوقه الجمالي. وأنّى لمن يحتال على جهد غيره أن يحتال على ذوقه، وعلى حسّه النقدي.