نظرات الفضوليين: اهتمام زائد ينتهك الخصوصية

نظرات الفضوليين: اهتمام زائد ينتهك الخصوصية

إن كنت تسير في الطريق لوحدك أو بصحبة أحد من اقربائك أو حتى إن كنت مصطفاً وتجلس داخل سيارتك ستلاحقك نظرات "الفضوليين" الذين يلاحقون بعيونهم الفاحصة المارة  في الطريق أو على جنباته.

"في ناس شغلتها بس تتطلع" يقول محمد فليفل بعد أن ضاق ذرعاً من كثرة تتبع بعض المارة له بعيونهم سواء كان مع زوجته أو كان وحيداً في الطريق ما يعطيه شعوراً بالغرابة تجاه نفسه.

ويؤكد أن المارة في الطريق على اختلاف أجناسهم ذكوراً وإناثاً كباراً وصغاراً يتابعونك بنظراتهم وقد يلوي بعضهم عنقه وهو يلاحق شخصاً ما بنظراته.

وبحسبه، فإن نظرات المارة تفقد الشخص شعوره بالحرية "يتابعونك في كل شيء فلان خارج فلان داخل فلان يلبس كذا فلان يأكل كذا".

عامر الخراز 38 عاماً يوزع نظراته ليعرف ماذا يلبس هذا الشاب أو كيف هي قصة شعر آخر أو ليرى جمال تلك الفتاة المارة، كما أن الفتيات لا يتورعن عن النظر تجاه الشباب أو تجاه الفتيات لتقارن نفسها  على حد قوله.

عامر يدفعه فضوله للنظر نحو الأشخاص ليميز إن كان يعرفهم أو لا يعرفهم وهو يشجع على النظر كي يسعى المرء لتطوير نفسه ومقارنتها بمن هو أفضل "ولكن ليس لدرجة أن تقوم بتفصيل الشخص الذي أمامك"، على حد تعبيره.

كل ما هو غريب يلفت إنتباه عامر بشدة وهو يرى أن هذه العادة منتشرة في كافة المجتمعات العربية والغربية.

سارة 35 عاماً سيدة عربية من أم فرنسية قضت نصف حياتها في فرنسا، تقول بأن البيئة العربية عودت طفلها منذ نعومة أظفاره على تتبع الناس وذلك من خلال مشاهدته لأمه تراقب الجارات ومواعيد خروجهن ودخولهن وماذا اشترت وما إلى ذلك.

وتقارن سارة بين البيئة الغربية التي لاتجد فيها أحداً متفرغاً لملاحقة الناس بعيونه والبيئة العربية التي يملؤها "الفراغ" والذي هو السبب الرئيس للفضول والتفحص.

وصلت هذه الظاهرة حد الإزعاج في البيئة العربية كما تقول سارة لدرجة أن الناس يحاولون معرفة ما مشترياتك في عربة التسوق أو في الكيس الذي تحمله، كما أنهم يرغبون بمعرفة "من معك ولماذا معك وماذا تعملان سوياً ولماذا ضحكتم أو مشيتم".

تروي سارة أن صديقة لها دفعت مالاً لشخص ليتأكد إذا ما كانت سارة تصوم رمضان أم لا، وعندما عرفت القصة راجعت صديقتها لتعرف ماذا قد تستفيد لم يكن لديها جواب سوى الفضول.

 وتضيف أن على كل فرد البدء بنفسه ومحاسبتها "أنا لا علاقة لي بفلان أو فلان".

دكتور علم النفس محمد الحباشنة يقول إن الشخص الذي تتبعه نظرات العامة يشعر بعدم الأمان والغربة والرغبة بالهروب من المجتمع، وإذا تكرر الأمر وتطور قد تصيبه باضطرابات نفسية شديد كالرهاب وكربة ما بعد الصدمة.

ويُرجع تصرفات الأفراد الذين يلاحقون الناس بنظراتهم إلى الفضول العالي وتدني قيمة الذات ومحاولة ضخ نوع كاذب من الثقة بالنفس أو لوجود اضطرابات الشخصية المضادة للمجتمع التي ترغب بالإساءة للمجتمع المحيط بأي شكل.

ويعتبر الحباشنة النظرات نوعاً من أنواع التحرش بالناس وغياب القوانين التي تنظم ذلك وتجرمه يساهم في تفاقم هذه الظاهرة.

ويضيف أن المجتمع الأردني لم ينضج بعد ليستوعب بعد الاختلاف الحاصل بين طبقاته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة ولذا "لا نزال بحالة من مراقبة الناس لبعضها".

دكتور علم الإجتماع عزمي منصور يربط هذه الظاهرة بالتخلف والفراغ، وبأفراد لا شغل لهم سوى مراقبة الناس ومعرفة خصوصياتهم.

وفي المجتمعات المتحضرة يقول منصور إن الناس منهمكة في أعمالها وإنتاجها وحياتها وعطلاتها الأسبوعية ولا تملك الوقت للإنشغال بآخرين وحرياتهم الشخصية.

ويضيف منصور أن هذا الفضول مرض اجتماعي لدى الغالبية من الناس في مجتمعنا الذي يحرص على إبقاء الأشخاص المحيطين تحت المجهر.

ويؤيد منصور ما ذهب إليه الحباشنة إلى أن الفضول ونسبته العالية تدفع أفراد لتفحص آخرين من رأسهم إلى أخمص قدميهم كما أنه يعد تحرشاً جنسياً تجاه الفتيات.

كثيراً ما ذمت الأمثال العربية بشكل أو بآخر تتبع الناس وملاحقتهم بنظرات الرقيب كالمثل العربي "من راقب الناس مات هماً".

أضف تعليقك