نظام الكفالة يعزز الانتهاكات بحق العمال المهاجرين

تتعرض العمالة المهاجرة لانتهاكات عمّالية كثيرة، ليس أولها الأجور المتدنية وطول ساعات العمل وسوء المعاملة وغياب الحمايات الاجتماعية.

 

ويحضر استمرار العمل فيما يسمى بـ"نظام الكفالة" ليزيد من حجم الانتهاكات الواقعة عليها، إذ أن كثيرين من أصحاب العمل يخصمون رسوم الكفالة من رواتب العمال بدل أن يتحملوها هم.

 

غير أن بعض العمال ذهبوا إلى أساليب وطرق للتخلص من تداعياتها، يصفونها بأنها "أفضل الأسوأ".

 

والكفالة هي نظام تتطلبه إجراءات ضبط سوق العمل باستصدار تصريح عمل للعامل المهاجر، وربطه بصاحب العامل ليتحمل مسؤولية هذا العامل وأفعاله وإقامته، وبموجبها يدفع صاحب العمل رسوما تختلف حسب القطاع الذي يعمل فيه العامل.

 

الظروف السيئة التي يتعرض لها العمّال أرغمتهم على شراء الكفالة ودفع الكلف المترتبة عليها من حسابهم الشخصي، من خلال البحث عن أشخاص لا يعرفونهم حتى، ليكونوا كفلاء وهميين لهم، في سبيل العمل والتنقل بحرية ودون قيود.

 

يؤكد عمّال في أحاديثهم إلى "المرصد العمّالي"، أن النظام يقيد حرية عملهم وتنقلهم داخل الأردن وخارجه، ويعرضهم للظلم ولا يضمن لهم أبسط الحقوق، بما فيها الأجر الذي يحصلون عليه، الذي يقولون إنه لا يتناسب والجهد المبذول، ما دفعهم للبحث عن طرق وأساليب أخرى لتخفيف القيود.

 

إبراهيم المصري، عامل مهاجر من مصر يسكن في محافظة إربد، ويعمل بقطاع الإنشاءات منذ 42 عاماً، في البداية كان يعمل لدى صاحب عمل بنظام الكفالة، "الشخص الذي كان يكفلني لم يكن يدفع الأجر المستحق الذي لا يجاوز 150 ديناراً شهرياً وبساعات عمل تصل إلى 16 ساعة يومياً، كما أن المسكن الذي وفره لي غير مؤهل للعيش اللائق".

 

وهذا ما دفع المصري للتفكير بحلول لتحسين الوضع، فقرر منذ سنوات شراء الكفالة بنفسه ودفع الكلف المترتبة كاملة، فبحث عن صاحب عمل وهمي، "ندفع في سبيل الحصول على حرية التنقل والتخلص من القيود المفروضة علينا، مع أننا نعرف جيداً أنه أمر يعرضنا للمساءلة والاستغلال المالي، إلا أنه لا بديل".

 

ويلفت المصري إلى أن أكثر من صاحب عمل قد كفله خلال السنوات الماضية، ويدفع كل سنة ما يقارب 1500 دينار لجهة وسيطة بينه وبين وزارة العمل، "أصحاب العمل لا أعرفهم نلتقي يوم الحصول على الكفالة أدفع المبلغ المطلوب وأحصل على الكفالة، وبعدها أصبِح حراً أعمل بنظام المياومة دون أي قيود".

 

ويذهب إلى أن ظروفه المعيشية صعبة وأنه لم يكن يستطيع دفع هذا المبلغ كل عام، "لدي أسرة مكونة من سبعة أشخاص، وأعاني أمراضا مزمنة واشتري أدوية بقيمة 60 دينارا شهرياً، ولا أملك أي حماية اجتماعية. العمل لا يستحق كل هذا التعب".

 

ويأمل المصري بإلغاء نظام الكفالة والتعامل مباشرة مع الحكومة، "مهما دفعت للحكومة الأردنية على قلبي زي العسل، لماذا فرض فكرة الكفيل والبحث عنه وتحمل مزاجيته وقيوده؟، لماذا لا يكون التعامل مباشر مع وزارة العمل؟".

 

أما مرسي (اسم مستعار)، الذي يعمل في الزراعة منذ أكثر من عشر سنوات، فيقول لـ"المرصد العمّالي" إنه يدفع في كل عام نحو ألف دينار، رغم أنّ "المفروض سعر الكفالة 400 دينار، إلا أنه كي أستطيع العمل بحرية دون التعرض لقيود من صاحب الكفالة، اشتريها من شخص لا أعرفه، وأدفع مئات الدنانير زيادة".

 

ويستدرك بالقول إن الأمر "لا يستحق العناء الذي أتعرض له، غير أنه لا بديل آخر، فأنا لا أعرف صاحب الكفالة ولا يتدخل بعملي أو يفرض قيودا عليّ، إلا أنني أتعرض للاستغلال من خلال دفع مئات الدنانير الأخرى فقط ليسمح لي بالعمل!".

 

من جانبه، يقول حمادة أبو نجمة، الخبير في قضايا العمل والعمال، إن شراء العمالة المهاجرة الكفالة من "سماسرة" هو إجراء غير قانوني، لكنّ ما دفع العمالة للتفكير بهذه الطريقة هو الانتهاكات التي تتعرض لها".

 

"بعض العمّال يفضلون عدم التقيد بصاحب عمل ويبحثون عن كفيل شكلي، وهو ما يعرف بالكفيل الوهمي... يذهب لوزارة العمل ويسجل العامل على أنه يعمل لديه ويحصل على كفالة للعمل، مقابل مبلغ يقارب 700 دينار في كل سنة، ليكون وضع العامل قانونيا أمام الجهات الرسمية"، يصرح أبو نجمة لـ"المرصد العمّالي".

 

ويؤشر إلى أن العمالة المهاجرة في ظل نظام الكفالة تتعرض لعدة أشكال من الانتهاكات، منها: حق التنقل داخل وخارج البلاد واختيار العمل وحرية التعاقد مع أي جهة للعمل، والعطلات والإجازات، والأجور وساعات العمل الطويلة، وتعرض العامل للضغط والتهديد.

 

ويلفت إلى أن القوانين والأنظمة والتعليمات المتعلقة بتنظيم العمالة المهاجرة، توفر حماية جزئية لهم، مثل قانون العمل والضمان الاجتماعي ونظام مفتشي العمل والقرارات المتعلقة بالحد الأدنى للأجور وقوانين وتعليمات وقرارات أخرى.

 

على ضوء ذلك، يؤكد أبو نجمة أن مصطلح "نظام الكفالة" لم يُذكر بشكل صريح في التشريعات الأردنية، إلا أن مفهوم الكفالة موجود في كل التشريعات المتعلقة بحقوق العمال، "النظام يربط العامل بصاحب العمل، ومن خلاله يتم التعامل مع العامل وترتيب إقامته وعمله وحقوقه وغير ذلك، وأي تحرك للعامل مرتبط بصاحب العمل وفق الأنظمة التي تضعها الحكومة". 

 

ويرى أن شراء الكفالة "ليس حلاً" ويعتبره نوعا من الإستغلال الذي يعرض العامل في أي وقت للتسفير لبلده، ويذهب إلى أن الحل الأمثل لضمان حقوق جميع الأطراف هو "استحداث نظام بديل لهذا النظام وتعقيداته، يضمن حقوق العمال ضمن المعايير الدولية، ويكون للعامل حرية السفر والتنقل والعمل واختيار صاحب العمل".

 

ووفق منظمة العمل الدولية، يعرف "نظام الكفالة" بأن يتحمل الكفيل (صاحب العمل) مسؤولية أفعال العامل المهاجر الذي يأتي به إلى البلاد ومسؤولية سلامته، فضلاً عن تمتعه بصلاحية التحكم بحركة ذلك العامل وعمله. 

 

وهو ما يشكل تقييدا للعامل وعدم قدرته على تغيير صاحب العمل أو مغادرة البلاد إلا بموافقته.

ويقدر عدد العمالة المهاجرة في الأردن بمليون عامل وعاملة، منهم ما يقارب 348 ألف عامل يمتلكون تصاريح عمل وفق أرقام وزارة العمل لعام 2021، عدد كبير منهم يعمل بنظام الكفالة، الأمر الذي يشكل تهديداً للعمالة المهاجرة ويعرض العاملين إلى انتهاكات عديدة.

 

في حين يقارب عدد العمال غير المسجلين لدى وزارة العمل 600 ألف عامل، تشكل العمالة المصرية الجزء الأكبر منها، تليها العمالة السورية التي تزايدت بشكل ملموس خلال السنوات القليلة الماضية، وفق ورقة تقدير موقف صادرة عن "المرصد العمّالي" عام 2020، بعنوان "العمالة المهاجرة في الأردن: تحديات مضاعفة خلال جائحة كورونا".

 

وقدمت الورقة عدة توصيات لتحسين أوضاع العمالة المهاجرة، أهمها: ضرورة تطوير سياسات وطنية توفر إطاراً معيارياً شاملا تجاه العمال المهاجرين تعتمد نهج حقوق الإنسان، وضرورة تنظيم وضبط سوق العمل في الأردن لوضع حد للفوضى الكبيرة التي يعاني منها هذا السوق، وتوسيع نطاق برامج الحماية الاجتماعية في الأردن لتشمل العمالة المهاجرة.

أضف تعليقك