نساء يقمن بالوعظ يفتين بتحريم المشاركة في الانتخابات

الرابط المختصر

تؤكد الخمسينية أم أيمن أنها لن تمنح صوتها لأي من المرشحين للانتخابات النيابية المقبلة، بناء على "نصيحة" قدمتها لها الواعظة، التي تلتقي بها أسبوعيا مع جارتها في بيت إحدى الجارات، بحيث أكدت لهن الواعظة أن المشاركة "حرام، كونها تفرز نوابا أغلبهم غير ملتزمين دينيا".

أم أيمن تؤكد أنها ذهبت للاقتراع في الدورات الماضية، لكنها لن تصوّت لأحد في هذه الدورة، "خوفا" من ارتكاب إثم، وبدورها نقلت "فتوى الواعظة" الى عائلتها ولكل من تلتقي به حتى لا يرتكب هذا الإثم، معبرة عن أمنيتها بإلغاء مجلس النواب، لأنها فهمت أن وجوده "حرام".

ولا تعلم أم أيمن فيما إذا كانت هذه الواعظة موظفة من وزارة الأوقاف أو مرخصة لإعطاء دروس دينية، لكنها توقن أن كلامها صحيح مائة بالمائة، وعليها اتباعه مهما كلف الأمر.

حال أم أيمن حال كثير من النساء، اللواتي يحضرن دروسا دينية أسبوعية تعقد في بيوت بعضهن أو في بيت الواعظة، ما يطرح بقوة تساؤلات عديدة حول مدى قدرة وكفاءة تلك الواعظات لإعطاء دروس دينية، على الرغم من أن أغلبهن لم يأخذن دورات في علم الفقه والشريعة، وبعضهن لا يمتلكن حتى شهادة الثانوية، مستندات في دروسهن على البرامج الدينية، التي تعرض على القنوات الفضائية، أو عبر قراءة كتاب أو كتابين في علوم الشريعة.

إيمان القصراوي، وهي سيدة ملتزمة بحضور هذه الدروس، تعتقد بأنها تستفيد منها جدا كونها "تبقيها قريبة من الله"، لكن موقفا حصل معها جعلها تفكر بمدى قدرة تلك الواعظات على الإفتاء، وذلك عندما سألت الواعظة، التي اعتادت على حضور درسها، عن رأي الدين في أمر خاص واجهها، فأفتت لها الواعظة، والتزمت إيمان بما أفتت به.

بعد ذلك تفاجأت إيمان، وهي تتابع برنامجا دينيا، بأن الشيخ أفتى بشيء مناقض تماما لما أفتت به الواعظة في القضية ذاتها، فاتصلت بدائرة الإفتاء لتكتشف أن فتوى الواعظة خاطئة.

وفي موضوع الانتخابات، تشير إيمان الى أن الواعظة قالت إن "الأموال التي تصرف على الحملات الانتخابية، أولى بها أن تصرف على الفقراء والمساكين وبناء المساجد"، وأكدت لمن يحضرن درسها أن المقترع لا يستطيع اختيار الأفضل من المرشحين كونه لا يعرفه ولا يعرف أنه في حال وصل الى البرلمان فإنه سيعمل بحدود الله، وبذلك من الممكن أن يقع من يذهب الى الانتخاب في "الشبهة"، أي بين الحلال والحرام، وبذلك فإن اجتناب التصويت أفضل برأيها!

آراء تلك الواعظات يختلف مع فتاوى شرعية صادرة عن دائرة الإفتاء العامة، ومنشورة على موقعها الإلكتروني، وتقول إن "الانتخابات وسيلة شرعية لاختيار النواب، وتمثل إحدى آليات قاعدة الشورى، التي تقررها الشريعة الإسلامية بالأدلة الكثيرة، بل سبق للصحابة رضوان الله عليهم العمل بهذه الآلية في بداية التاريخ، كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله - في معرض حديثه عن جمع عبدالرحمن بن عوف أصوات الناس لصالح عثمان بن عفان أو علي بن أبي طالب رضي الله عنهما: نهض عبدالرحمن بن عوف يستشير الناس فيهما، ويجمع رأي المسلمين برأي رؤوس الناس جميعا وأشتاتا، مثنى وفرادى، سرا وجهرا".

وتقول الفتوى إن النواب عرفوا سابقا باسم "العرفاء"، وهم الذين يتولون أمر سياسة الناس وحفظ أمورهم، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرجع إليهم لمعرفة آراء الناس في القضايا العامة، لافتة الى أن تشجيع الناس على الانتخاب والتصويت أمر مشروع، بشرط اقترانه بتوعية الناس نحو ضرورة انتخاب من يحفظ على الأمة دينها، ولا يخالف دستور الدولة الذي ينص على أن دين الدولة هو الإسلام.

وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور عبدالسلام العبادي أبدى استهجانه من "تجرؤ" واعظات على الإفتاء، مؤكدا أنهن لسن مرخصات من الوزارة، وغير موظفات تابعات لها.

ويرى العبادي أن الفتوى بتحريم المشاركة في الانتخابات "تأتي ممن يسمين أنفسهن واعظات، ولديهن ارتباطات بجهات معينة قاطعت الانتخابات"، مؤكدا أن أغلب الواعظات، ممن يعطين دروسا في البيوت، "لا يعلمن شيئا من أمور الفقه والفتوى، بل إن بعضهن يجمعن نقودا في آخر اللقاء، بعد أن يشتكين سوء الأحوال المادية".

ولفت العبادي الى أن عدد الواعظات العاملات في الوزارة يفوق الـ 600، مؤكدا أن المشاركة في الانتخابات "واجب ديني، تندرج ضمن مبدأ الشورى، الذي أكد على أهميته الدين الإسلامي".

أستاذ الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة العلوم التطبيقية الدكتور منذر زيتون قال إن الفتوى بتحريم المشاركة في الانتخابات "لا يوجد لها أصل في الدين"، بل يجب المشاركة لاختيار الأنسب للمجلس التشريعي.

أضف تعليقك