نساء أكبر من النكبة

نساء أكبر من النكبة
الرابط المختصر

تتسمر رسمية 90 عاما أمام شاشة التلفاز لتشاهد تقارير إخبارية عن نكبة فلسطين، هي، على كبرها في العمر، لا تتعب من ذكر ما حصل عام النكبة قبل 62 عاما.

 

"كفر عانا راحت يا حوينتها"..ولا تزال أحداث الهجرة واللجوء تهيمن على ذاكرة تتسع لحفظ ما حصل قبل كم من السنوات، تجلس على أرض بيتها الصغير في مخيم الوحدات لوحدها بعد ان توفي زوجها قبل سنتين، لتبيع السكاكر للأطفال، رافضة الجلوس عند أي من أولادها "ما ضل من العمر قد ما مضى" ترددها مرتين وثلاثة وهي مقتنعة بانها النكبة حصلت قبل عدة سنوات.

في بالها دوما قرية "كفر عانا" قضاء اللد، ولا ترى في نكبتها سوى بيت كبير وكروم. الآن تقف على نكبتها وتتحدث عنها وكأنها كانت بالأمس "حكولنا بعد يومين أو ثلاثة بنرجع وطالت" وحسب وعود تلقتها من الجيوش العربية فإن الأمل لا يزال صامدا أمام عمرها وعمر نكبتها.

رسمية أيقنت انها لن تعود إلى قريتها وما العودة سوى حلم قد يطول؛ وتعود في ذاكرتها إلى الوراء وتقول: "انتظر العمر كله".

نكبة فلسطين، بلغت من العمر ستين. ورسمية لا ترى في الجديد سوى سنة أضيفت إلى 59 سنة فائتة مضت على هجرة شعب لا يزال معلقا بمفاتيح البيوت وكواشين الأراضي ولا تعمل سوى "أخّرف أحفادي عن قريتهم وبيارتهم مش الطوب وحجارة المخيم هون".

تتربع رسمية على قدميها المثقلتين بالتعب، وما تراه في التلفاز يشكل جزءً يسيرا من ما رأته سنة النكبة، مواصلة حديثها بدون أي سؤال عن ذكريات القرية وما فيها من بيارات وبيوت وحجر وجيران.

 

"دشرت صناديق البرتقال في الشارع" كان ذلك عام 1948 والآن لا تفكر رسمية في شراء البرتقال لان الأمل لديها في العودة إلى دارها والتجارة في البرتقال الذي تنتجه بيارتها.

تتوسط رسمية المعروفة بين أوساط حارتها في مخيم الوحدات بأم رزق نسبة لابنها البكر، الممر جالسة على مدخل بيتها الذي تتخذ منه محلا لبيع ما تيسر لها بيعه.

"أتذكر تلك الأيام، طبعا أتذكرها، ليش ما أتذكرها..بيارتي وبيتي وعزي وناسي" تنظر إلى الشاشة وتستمع إلى ما يحصل في غزة وتتحسر على حياة ما كانت سوى فصلا من فصول "حياة جور يمر بها الإنسان الفلسطيني".

على الجهة المقابلة لبيت رسمية، تقف نعسة خالد (أم علي) أمام بيتها، تنظر إلى الجيران وفي عينيها حنين قرية "دير طريف" قضاء اللد؛ وتعيش قريتها في قلبها وتفكيرها ولا ينتهي يوم إلا وتستذكر حنين قرية كانت تمثل لها الحياة أما الآن فحياتها داخل أزقة الوحدات ليست المكان المراد.

"تعبت في حياتي كثيرا" ومسلسل التعب ما توقف يوما عند حدود النكبة فحدوده غير منتهية ولم تستطع نعسة ان تفصل بين نكبة فلسطين ونكبة غلاء الأسعار هنا في الأردن فالاثنين متلازمين لها الأولى منذ 62 عاما والغلاء منذ سنوات.

أضف تعليقك