بعد غياب طويل بسبب جائحة الكوفيد -19 جرت انتخابات نقابة المحامين في 27 أيار ولكن النتيجة أعادت الاهتمام باقتراح سابق بضرورة وجود جسم مراقب ومساند من داخل النقابات المهنية ومنها نقابة المحامين.
الهيئة العامة لنقابة المحامين النظاميين الأردنيين إنعقدت لإقرار الميزانية السنوية للنقابة وكافة أعمال المجلس في الدورة السابقة رقم (43) وايضا لإنتخاب مجلس جديد ونقيب وقد شارك في الاجتماع (9259) محاميا ومحامية من أصل (14746) يمثلون أعضاء الهيئة العامة الذين يحق لهم التصويت.
آلية التصويت لإختيار مجلس الأعضاء تجرى على جولة واحدة إذ يتم اختيار الأعضاء ولغاية (10) أعضاء من المرشحين لعضوية المجلس الذين بلغ عددهم في هذه الدورة (53) بعدها يتم اغلاق الصناديق والفرز. أما بالنسبة لإختيار النقيب فإن التصويت في حال عدم حصول أي من المرشحين على 51% من الأصوات يكون على جولتين تكون الأولى مع ذات الجولة التي يصوت فيها على الأعضاء، إنما بورقة مستقلة ليتم الفرز حالا عند اغلاق الصناديق ثم إعلان عدد الأصوات المحرزة لكل مرشح نقيب. يعاد التصويت مرة آخرى بين أعلى مرشحين بحسب العرف النقابي ليحسم الأمر من قبل الهيئة العامة في من هو المحامي الذي سيمثل النقابة.
تمكن المحامي يحيى أبو عبود من الفوز في منصب النقيب في الجولة الثانية، بعد حصوله على (3081) صوتا.
في حقيقة الأمر بقي (3834) يشكلون نسبة (41%) من الاعضاء الذين شاركوا في العملية الانتخابية غير معروف موقفهم من خيار النقيب. وهنا نتساءل أين تفعيل الديمقراطية الحقيقية؟ هل اعتبر التصويت على جولتين كافٍ لأشباع رغبة المحامي باختياره للنقيب الذي يمثله؟ أو أننا نتناسى وجود تيارات رافضة لاختيار النقيب كما هو الحال في كل دورة؟
فيما يلي جدول يبين نسبة مشاركة المحامين في الانتخابات النقابية في دورات سابقة بحسب سجلات نقابة المحامين النظاميين الأردنيين:
الدورة الانتخابية عدد المصّوتين عدد الهيئة العامة نسبة التصويت عدد اصوات النقيب النقيب الفائز
(44)
2022/ 2025 9259 14746 62% 3081 يحيى ابو عبود
(43)
2017/ 2022 7059 12243 57% 2573 مازن رشيدات
(42)
2015/ 2017 6489 11502 56% 2257 سمير خرفان
(41)
2013/ 2015 5278 9999 52% 1803 سمير خرفان
(40)
2011/ 2013 5422 9242 58% 1868 مازن رشيدات
(39)
2009/ 2011 5135 8400 61% 1461 احمد طبيشات
قراءة الجدول أعلاه تعطي عدة مؤشرات نذكرها على النحو الآتي:
أولا، عند النظر إلى نسبة مشاركة أعضاء الهيئة العامة في الدورات السابقة نلاحظ زيادة طفيفة بمقدار 5-10% في نسبة المحامين المصّوتين في دورة (44) بالمقارنة مع الدورات السابقة وخصوصا دورة (41) من انتخابات نقابة المحامين النظاميين وهذا سلوك ايجابي وتمدح عليه الهيئة العامة.
ثانيا، تكررت ظاهرة التصويت على جولتين لانتخاب النقيب منذ تأسيس النقابة وهي حالة عدم تحقق نصاب 51% من أصوات الهيئة العامة المؤيدة للنقيب والتي دائما ما تحصل نتيجة عدم إجماع اعضاء الهيئة العامة الحاضرين في الجولة الأولى. بالرغم من أن مبدأ التصويت على جولتين له أسباب جيدة إلا أنه قد يسفر عنه نتائج سلبية لعدة أسباب أولها أن قانون نقابة المحامين النظاميين الأردنيين عام (1972) نص في المادة (84/ ج) على أن يتم اعادة الاقتراع للجولة الثانية في ذات الجلسة؛ "... ج) يشترط للفوز بمركز النقيب حصول المرشح له على الاكثرية المطلقة للحاضرين من اعضاء الهيئة العامة واذا لم يحصل على أحد المرشحين على تلك الأكثرية في المرة الأولى يعاد الانتخاب في الجلسة ذاتها وتكفي في الانتخاب الثاني الاكثرية النسبية للفوز بالمركز اما اعضاء المجلس فيتم انتخابهم بالاكثرية النسبية التي يحصلون عليها في المرة الأولى"، مما يلاحظ بأن التصويت في الجولة الثانية دائما ما يكون بعد منتصف الليل من ذات اليوم. أي أنه دائما ما يقل عدد المشاركين لصعوبة التواجد أمام صناديق الاقتراع في هذا الوقت المتأخر بعد نهار يوم حافل. مما يؤدي بالنتيجة لترجيح الفوز لصالح الفريق الذي حشد جمعا أكبر ليبقى معه لما بعد منتصف الليل وتفوّيت فرصة التصويت على باقي الاعضاء. وهنا نقترح تأجيل الانتخاب في الجولة الثانية لليوم الذي يليه أو بعد أسبوع من ظهور نتيجة الجولة الأولى وهذا ما يحتاج إلى تعديل في نصوص القانون، او على الأقل تهيئه مكان أنسب لإجتماع يتسع لجمع الهيئه العامة ويكون مجهز بما يليق بالأساذة المحامين تلبية لشدة عزيمتهم وإصراهم على المشاركه الفاعلة.
ثالثا، توجه أعضاء الهيئة العامة لانتخاب النقيب يحيى ابو عبود في هذه الدورة الانتخابية في جولتها الثانية بعد أن كان المرشح رامي شواورة متقدما عليه بما يقارب الـ 300 صوت في الجولة الأولى. المرشح يحيى ابو عبود تمكن من الحصول على عدد أصوات بلغ (3081)، على الرغم من أنه بقي (6178) محامي عضو في الهيئة العامة بعضهم معارض والبعض الآخر غير معروف موقفهم من النقيب الفائز. بلغ عدد المصوتين (2344) للمرشح رامي شواورة في الجولة الثانية والبقية بلغ عددهم (3834) هم اعضاء الهيئة العامة الذين لم يتمكنوا من المشاركة في اختيار النقيب لأسباب عدة من بينها أن التصويت في الجولة الثانية تم بعد منتصف الليل.
الديمقراطية الداخلية والرسائل الملكية
موضوع الديمقراطية الداخلية كان محور عدد من الرسائل الملكية. فقد وجه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين سؤاله هذا؛ "كيف نتأكد أننا على الطريق الصحيح؟" عند ختامه لأول ورقة نقاشية كتبت بقلمه بعنوان (مسيرتنا نحو بناء الديمقراطية المتجددة- يوم 29/ كانون الأول عام 2012) أتت الأوراق النقاشية بقلم جلالته لتأسيس الرؤية الإصلاحية لإنتهاج ديمقراطية سليمة معززة بمشاركة شعبية فاعلة أو ما وصفها جلالته بـ "المواطنة الفاعلة" حيث تتجلى هذه المواطنة الفاعلة بمبادئ وممارسات أولها احترام الرأي الآخر الذي هو أساس الشراكة بين الجميع. أكد جلالته على أن المواطنة لا تكتمل إلا بممارسة واجب المساءلة أي من خلال فريق الظل، لاسيما أننا كمواطنين قد نختلف لكننا لا نفترق في الحوار، والتوافق واجب وطني مستمر علينا إذ إننا بنهاية المطاف جميعنا شركاء في التضحيات والمكاسب.
عند قراءة الورقة النقاشية الثانية نرى جلالة الملك يوجه رسالة خاصة للذين اعتكفوا عن التصويت في مثل هذه المناسبة، ففي انتخابات نقابة المحامين بلغ عدد المعتكفين (5487) محامي ومحامية لهم ثقل رأي كبير في قرارات الهيئة العامة… كل محامي هو مواطن أصيل وعلى المواطن أن يدرك بأن الديمقراطية خيار وأن السبيل الوحيد لتطبيقها هو التوجه لصندوق الاقتراع وأن عزوف المواطن وعدم مبالاته يؤدي بالطبيعة لتسليم دفة القيادة بسهولة للفريق الآخر الذي دائما ما يشكو منه المواطن ويعلو صوت أَنينه بداخله ولكن دون جدوى لأنه طالما كان المفتاح بيده ورفض حسن استغلاله.
دائما ما اتجهت إرادة جلالته بأن تكون المعارضة منطلقة من دواخلنا ومتجهة إلى دواخلنا إذ تبدأ منا وتنتهي فينا. هكذا يشجعنا جلالته على خلق ديمقراطية سليمة أردنية المنشأ والمنبع والهدف والتوجه. قد تكون الإجابة للمطلب الديمقراطي بهذه المناسبة اقتراح وجود فريق ظل ضمن النقابة وتعديل قانون نقابة المحامين النظاميين الأردنيين لقبول هذا الطرح انطلاقا من إرادة جلالته. مثل هذا الاقتراح يعزز مفهوم الرقابة الداخلية ويشجيع الشفافية والتنافسية بين أعضاء الهيئة الواحدة والذي سوف يُعكس لاحقا على مستوى الوطن بأن فرق الظل النقابية هذه تساهم في إعداد بنية أساسية لإنشاء حكومات ظل مستقبلا.
نقيب المحامين السابق الدكتور كمال ناصر يؤيد مقترح فريق الظل
طرح هذا المطلب لتشكيل فريق ظل ليس بأمر غريب على نقابة المحامين حيث قد سبق وأن فرشت الأرضية لقبول مثل هذا الطرح منذ سنوات عدة إذ أن الوزير السابق الدكتور كمال ناصر نقيب المحامين في فترة (1993-1996) سبق وأن شجع المؤسسات والهيئات الوطنية على تبني هذا الفكر وتأطيره لترجمة معاني الديمقراطية الحقيقية بالتزامن مع مطالبة جلالة سيدنا من خلال أوراقه النقاشية وقد سبق وأكد معاليه أن خلق روح التنافس هذا يساعد على انشاء جيل مبدع ومنتج حيث أن المعارضة الحقيقية تعطي بدائل وحلول وليست مجرد معارضة.
أهم ما يميز وجود نقابة الظل أنها تمارس الرقابة الفعّالة وتأكد قبول المجلس لكافة الآراء مما يعزز وجود الشفافية الحقيقية عند تطبيق البرامج الانتخابية من قبل الهيئة الفائزة وعدم اغتيال الشخصية لهم حين -لا قدر الله- فشلهم في تحقيق هذه البرامج. فريق الظل هو السبيل لإعادة بناء ثقة الهيئة العامة وتشجيعهم على رسم الخطط سواء كانوا ضمن الفريق الفائز أو من مؤازرين فريق الظل.
خلاصة هذه الأرقام والقراءات بأنه دائما ما يبقى عدد كبير من أعضاء الهيئة العامة المشاركين في العملية الانتخابية قد يكونوا غير راضين عن اختيار النقيب وهنا نتساءل ما هو الحل الديمقراطي الذي يرضي البقية لطالما كان توجه جلالة الملك من خلال الأوراق النقاشية السبعة أن يتم تشكيل فريق ظل في المؤسسات والهيئات الوطنية يعمل بجانب الفريق الفائز لضمان تنفيذ البرامج النقابية على أحسن وجه وايضا تحديد مسار عمل النقابة في الدورات اللاحقة من خلال رسم منهج واضح يخدم مصلحة الهيئة العامة تعاضدا وتضامنا بين فريقين في صف واحد.
يمكن اقتراح تشكيل فريق ظل مكون من المرشح لمركز النقيب والحاصل على المرتبة الثانية بحسب عدد الأصوات و (10) أعضاء مجلس من الذين أتى ترتيبهم مباشرة بعد العشرة الأوائل حيث يراقب كل منهم على عمل عضو المجلس الذي تسلم عمل لجان كانت هي ضمن برنامجه الانتخابي.
المعارضة السليمة هي المنطلقة من دواخلنا ومتجهة إلى دواخلنا إذ تبدأ منا وتنتهي فينا.
*باحثة قانونية في مجال حقوق الانسان والتنمية الانسانية في الجامعة الأردنية