تقوم الأنظمة الشمولية بالسيطرة على مراكز القوى وكل ما له علاقة بتشكيل الرأي العام. ومن الشعارات التي تستخدمها الدول غير الديمقراطية يبتعد عن حق الفرد في التعبير عن الرأي وبدل من ذلك يعمل على "توحيد الخطاب الإعلامي" بحيث يعكس رأي الجماعة والمعنى هنا النظام الحاكم.
لا شك أن هناك حاجة الى توحيد الخطاب الإعلامي في الدفاع عن الضعفاء ومساندة المظلومين والدعوى لحرية التعبير والرأي والاجتماع. ولكن دعاة توحيد الخطاب الإعلامي يريدون أن يتكلم الجميع بصيغة صاحب القرار وان يعكس راي الجهات الأمنية بهدف إسكات الأصوات المعارضة والمطالبة بحقوق الجميع وخاصة الضعفاء.
توجد حالات طوارئ مثل الحرب أو الجائحة التي تتطلب وحدة الشعب وينعكس ذلك في الخطاب الإعلامي ولكن في باقي الأوقات فإن توحيد الخطاب الإعلامي مدخل لزيادة التفرد في القرارات وغياب محاسبة من قبل الشعب فالإعلام الصادق والمستقل والمتنوع يمثل الشعب بكافة الوانه واشكاله.
نظرة سريعة لكافة الدول المتقدمة والناجحة ذات الرفاهية لشعبها نجد بالضرورة وجود إعلام متنوع لا "يمسح جوخ" ولا يسكت عن الظلم وينصر الطبقات الاجتماعية الأكثر ضعفا.
الديمقراطية الحقيقة تتأسس من القاعدة للقمة وليس من القمة للقاعدة. ومن يريد ان يعيش في دولة تحترم المواطن وتقدر الإنسان وحقوقه عليه أن يشجع تنوع الأصوات وتعدد وسائل الاعلام واختلاف ملكيتها. الدولة المتطورة والحرة توفر لاي انسان او شركة او جمعية خيرية امكانية ملكية اعلام كان ذلك إعلام ورقي أو إلكتروني أو إذاعي وز بدون شروط مجحفة و برسوم باهظة لا يستطيع توفيرها سوى من هم أصحاب الأموال والنفوذ.
يعترف الجميع بوجود رقابة ذاتية قاتله تتجاوز حاجز الـ 90% والرقابة الذاتية مصدره خوف الإعلامي المستقل والحر من إبداء رأيه لأن ذلك سيجلب الانتقاد الحاد وحتى خسارة لقمة العيش.
البعض يؤمن خاطئا ان الحكم الديمقراطي هو انعكاس لرأي الأغلبية ولكن الحقيقة أن الديمقراطية الحق هي إعطاء فرصة للأقلية لقول رأيها وضمان ذلك الحق دستوريا بحيث لا يتغول عليه الأكثرية ويقمعه.
الإعلام الحر يجب أن يتوفر في كل المحافظات وليس في العاصمة حيث تجاوزت نسبة المؤسسات الإعلامية والإعلاميين في الأردن 80% في العاصمة علما أن سكان عمان لا يتجاوز 40% من سكان الأردن.
ومن الغريب وجود اعلام تملكه بصورة مباشرة وغير مباشرة الحكومات من خلال مؤسسات من المفترض أن تكون مستقلة مثل الضمان الاجتماعي أو مجالس إدارة التلفزيون الرسمي الممول من الشعب والصحف وحتى الإذاعات المملوكة من الجيش و الأمن العام والتي تنافس القطاع الخاص في جلب الإعلانات والركض وراء "ما يجلب زيادة المشاهدات والمستمعين"
من يعتقد ان حل المشاكل المستعصية يتم من خلال "هندسة" الإعلام فهو خاطئ. المطلوب نهضة في موضوع الحوكمة وكيفية إدارة البلد وليس في كيفية إدارة الإعلام علما بضرورة وجود مسافة بين الإعلام والأمن لكي يستطيع الإعلامي تقديم معلومة وراي صادق ومستقل وأمين يساعد من هم في مواقع القرار إدارة الدولة. فالمطلوب معلومات تعكس رأي الشعب بدلا من التصفيق والتسحيج لمن يدفع الرواتب ويضمن التراخيص ويمنع تعددية الملكية وتعددية الرأي. فإذا توفر ذلك لن يحتاج المواطن للهروب للاعلام الخارجي او منصات التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع الرقمية, الخارجة عن سيطرة الحكومات, بل سيحصل على المعلومة من مصادر مهنية مستقلة.
الكاتب مدير شبكة الاعلام المجتمعي (راديو البلد وموقع عمان نت)