ناس يقهرون صمتهم بطابور المعونة
معاناة تتجدد كل 3 شهور..ومعاملة "تخلو من احترام الإنسانية".. مشهد يتكرر كل 3 شهور عند استلام اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في الاردن معوناتهم التي تقدمها وكالة الغوث للاجئين "الاونروا".
لنبدأ بسرد هذه المعاناة..اتجهت صوب قرية الطيبات التي تقع على مشارف مخيم الوحدات في ساعات الصباح الباكر، لأنظر بأم عيني لما يحدث خلال استلام الفلسطينيين معوناتهم..برد قارص يغلف المكان وأزمة طوابير خانقة جعلتهم يستمرون لدفئ تجمعهم.
بدأت ارقب المكان من حولي، نساء ورجال مسنين أكل الدهر عمرهم وأبقاهم واقفين أمام الطابور، ينتظرون دورهم منذ ساعات الصباح الباكر.
استوقفتني حاجة في الثمانينات من عمرها وأثار التعب بدت واضحة على محياها، مرتدية كل ما تملكه في خزانتها من ملابس حتى تقي نفسها من الأجواء الباردة وبيدها كيس لتعبئة المؤن أما كرت الاونروا هو هويتها الحالية وهو ما تكمشه بين يديها.
معاناة حجة ثمانينيه!
سألتها: ما اسمك؟
أجابتني: ليقة..
وبعدها استرسلت بالحديث..." يا بنتي منذ الأمس جئت من حي نزال لاستلم معونتي ولكن بعد الانتظار الطويل لم احصل عليها.. وروحت كالموتى وها أنا قد عدت اليوم مرة أخرى لاستلم معونتي منذ الساعة السابعة صباحا في هذا الطقس البارد وأنا مغصوبة على القدوم لأنه إذا ما أتيت اليوم ستذهب علّي المعونة غدا، فاليوم الخميس هو آخر يوم لتسليم المعونة".
"زحمة الأمس منعت الأغلبية منا من الحصول على المعونة واليوم المشهد يتكرر كما بالأمس... انظري بعينك الى الطوابير متى سأحصل على معونتي في ظل هذه الأزمة فانا كبيرة في السن فلا استطيع الوقوف وإذا حاولت الجلوس لا استطيع القيام وهكذا... وبطلوع الروح احصل على معونتي".
يجدون عزاءهم بالرز والسكر والعدس والزيت وغيرها فهي محتويات أكياس المعونة، فضلا عن سبعة دنانير كل ثلاثة شهور!! "ماذا سنفعل بثلاثة كيلو رز وبسبعة دنانير تقدم لنا! يعني دينارين كل شهر وهذا كله لا يكفي... حسبي الله ونعمة الوكيل على هذه المعاناة ". وفقا للحاجة ليقه.
الحاجة ليقه فقدت ابنها الوحيد، فلا من معيل لها سوى ما يقدم لها من معونات تقدم كل 3 شهور، فصبرها تكلله بالدعاء المستمر وحلم العودة الى وطنها الأصل فهذا لا يفارق مخيلتها.
رتبت على كتفها وقلت لها:" العمر كلو يا حجة وأتمنى ان تحصلي على معونتك".. فلم يسعها سوى الدعاء لي وهي تحاول تجفيف دموعها " الله يرضى عليكي يا بنتي".
وبعد لقائي الحاجة ليقه.. تركتها تصطف بالطوابير للالتحاق بدورها... وبدأت اشق طريقي مزاحمة أفواج من الطوابير لمقابلة حاجة أخرى.
افترشت الأرض والتحفت السماء وبجانبها أكياس بلاستيكية بالية فارغة تنتظر تعبئتها... هي تعبت من الوقف بالطابور الطويل رغم انه لم يكن يفصلها سوى مسافة قصيرة عن استلام معونتها.
عندما اقتربت منها لم تشأ ان تتحدث معي فركعت وجلست بقربها على الأرض وثوان، ونظرت إلي ام علي وبدأت بسرد معاناتها هي الأخرى "منذ الساعة السابعة وأنا انتظر دوري.. تعبت ووجدت عزائي بالأرض فجلست لأريح نفسي من مشقة الوقوف والانتظار، بالأمس جئت لاستلم المعونة ولكن لم احصل على شيء بسبب الفوضى العارمة التي رافقت عملية التوزيع".
ولم تكمل الحاجة ام علي سرد معاناتها وإذا بصوت يقطع صوتها على الفور" شو هذا حتى الحليب الذي يقدم لنا منتهية صلاحيته لم يهن علي ان اشّربه للقطط والكلاب والرز رائحته سيئة اغسله اكثر من مرة حتى يصبح صالحا للأكل ... أهل لأجل أننا فقراء نعامل بهذه الطريقة! فنحن أناس مثل أي بشر على الأرض".
لقمة مغمسة بالدماء!
أوقفتها عن الكلام قليلا.. وقلت لها ما اسمك؟
أجابتني: ام طه.. واستكملت سرد حكايتها مع المعونة التي باتت كصديقة لها تزورها كل 3 شهور "لدي 5 أولاد.. وكل ثلاثة شهور أقف في هذا الدور لأحصل على المعونة التي لا تكفي لشهر واحد وسبعة دنانير لا تكفي إيجار منزل وكهرباء ومياه".
وتضيف في حديثها وهي محاطة بجمهرة من النساء اللواتي يحاولن قطعها ليسردن معاناتهن، " بالأمس جئت منذ بزوغ الفجر وسط البرد القارص، ذلونا لم نحصل على شيء حتى أطفالي قالوا لي يكفي لا نريد طعام لا نريد شيء روحت على البيت وأنا منهارة ومثقلة بالحمل".
وتتساءل لماذا كل هذا الذل؟ فعلا انها لقمة مغمسة بالدماء على حد تعبيرها.
إذ يقول احد أولادها المرافقين لها "يقدمون لنا حليب طعمه كالرمل". أما هي فتابعت:" يتمنون شرب السحلب ولكن لا استطيع ان أوفره لهم إلا من خلال المعونة يعني كل 3 شهور حليب رغم رداءة نوعه".
مشرفات .. موديل جديد!!
معاملة المشرفات او الباحثات الاجتماعيات في الاونروا "تفتقر لاحترام الإنسانية" وفقا لما وصفته سيدة أربعينية من عمرها "يعاملوننا كأنهم وزيرات".. محاولة استذكار أسماء المشرفات السابقات اللواتي اتسم أسلوبهن بالمعاملة الحسنة.
تضيف: "أنا معي وكالة لجارتي التي تبلغ من العمر 90 سنة، في السابق كان حصولنا على المعونة أفضل من الان، حيث كان موظفي الاونروا يجمعون كافة كروت المؤن منا ويبدأون بالنداء على أسمائنا من غير ان نقف بالطابور، ولكن الان النظام الحالي سيء للغاية به الكثير من الاهانة والذل فضلا عن معاملة المشرفات السيئات".
مشهد عام!
شاحنات كبرى توزع المؤن رميا وسط صياح موظفي الاونروا على اسم المستفيد، الكل يتراكض لاستلام معونته بعد عناء الانتظار وبأيد ممدودة تتلقف الأكياس البيضاء من الرز والسكر وغيرها.
آخرون، اخذوا معوناتهم متفقدين ما قدم لهم فضلا عن محاولة تجميعها في مكان واحد استعدادا لنقلها الى بيوتهم سواء حملا على الأكتاف او بسيارة أجرة.
ومشهد آخر، هو صياح التجار الذي يحاولون شراء ما يقدم للاجئين الفلسطينيين من معونات وبأسعار بخسه مستغلين حاجتهم، وسط تواجد لعربات الفلافل والشاي التي تحاول ان تروى ظمئ وجوع الواقف لساعات وساعات.
إستمع الآن











































