ناتاشا .. هل في الإعاقة من ذنب ؟!

ناتاشا .. هل في الإعاقة من ذنب ؟!
الرابط المختصر

 

الألم، الأسى، الدهشة، مشاعر مختلطة تثيرها في النفس ناتاشا وقصتها التي تحمل في طياتها فصولاً مؤلمة مما كابدته و قاسته في حياتها.

فقد ولدت ناتاشا أدليمون التي تحمل الجنسية الأردنية في ألمانيا، ووجدت نفسها في كنف أبٍ و أمٍ أردنيين، حيث قاما بتبنيها من الكنيسة و لم يقوما بتغيير ديانتها المسيحية، رغم كونهما يدينان بالإسلام.

جوهر القصة يكمن في معاناتها من إعاقة حركية شُخصت بشلل كامل بدأمعها منذ سنيها الأُول، و يُعتقد أنه نتيجة للحمى الألمانية أو حقنة خاطئة.

كان حلم أبيها أن يراها تمشي، فلم يبخل عليها بالعلاج و الرعاية فأرسلها في رحلات علاجية إلى ألمانيا، حتى تمكنت ناتاشا من تحسس خطاها لأول مرة في عمر ست سنوات، لتتحسن إعاقتها من شلل كامل إلى نصفي، مما شجع أباها لإيداعها مدرسة غير مختصة بذوي الإحتياجات الخاصة.

تذكر ناتاشا سنوات الدراسة بشوق يحثها للرجوع لمقاعدها، حيث وجدت دعماً و مساندة من قبل زملائها و أساتذتها، و ما أن أنهت دراسة الثانوية العامة حتى التحقت بمعهد للغات دارسةً الألمانية و الإنجليزية و الإسبانية.

كانت ترى في أبيها "جداراً" تستند عليه و يفصلها عن باقي أفراد العائلة التي لطالما رفضتها و كرهتها و حطت من شأنها.

شكل وفاة والدها مفصلاً في حياتها، فقد وصفت وفاته بـ "فقدان درعها الواقي"، فأصبح لزاماً عليها أن تواجه العائلة و المجتمع بفردها، لم تقبل عائلتها بها و تبرأت منها، معللةً ذلك بكونها متبناة و معاقة.

أما الصداع الأكبر لناتاشا فكان التصرفات اللا مسؤولة من قبل العديد من فئات المجتمع، حيث تعرضت و مازالت لمضايقات شديدة تتمثل بالإستهزاء و اللا مبالاة و النظرة القاصرة لها و عدم التعاون ناهيك عن وابل الإهانات التي تتعرض لها.

شكل الزواج لها خلاصاً و نجاة حسبما ظنت و اعتقدت، و لم تكن تعلم أنه سيكون طامةً لها و انتكاسة، فساقها القدر لأن تتزوج بشاب يصغرها سناً، و الذي كان يطمع لإستغلالها و الإستيلاء على ميراثها الوفير الذي ورثته عن والدها، استمر الزواج لمدة ثلاث عشرة سنة، واصفةً نفسها خلال تلك الفترة بـ "الزوجة المعنفة".

حيث تعرضت لشتى أنواع الضرب و العنف و الإستغلال و التعذيب، حيث كان الزوج يرى في تلك العلاقة الزوجية مورداً مادياً و ستاراً لنزواته العاطفية، كان يتلذذبضربها و تعذيبها  و ما أن ينهي وصلة العنف خاصته ختى يخرج من البيت و يوصد الأبواب عليها، حارماً إياها من أي وسيلة اتصال محاولاً مواراة وحشيته.

جتى أنه في أحد المرات حبسها بالبيت دون دون أكل أو شرب طيلة ستة أيام، حتى استطاعت أن تشكوه لـ " إدارة حماية الأسرة"، لتكتشف أنه متزوج من أخرى، فأصرت على الفراق بقضية "خلع"، كسبتها سريعاً بعد أن تنازلت عن مؤخرها كما ردت له مهرها الذي لم تستلمه بالأصل.

في ذلك الوقت كانت بقايا امرأة تعاني انهيارا نفسياً، صحياً، مادياً، لم تقو على إعالة أبنائها فردتهم لطليقها الذي لم يكن يسدد نفقة أبنائه، كما اكتشفت أن زوجها قام بالإحتيال عليها و الإستيلاء على بيتها بالتواطؤ مع أحد موظفي "دائرة الأراضي"، و ذلك بتوقيعها على عقود تحوي مضمونا مغايراً عمّا يُفترض أن تتضمن تلك العقود.

وصلت لمرحلة لا تملك قوت يومها من أكلٍ و زاد، فالتجأت لـ "رابطة الكتاب الأردنيين" التى قدمت لها المساعدة و العون و بالتحديد من قبل الشاعر ماجد المجالي.

ساعدها ذلك و بدعمٍ من أصدقائها لتعود و تسند قامتها من جديد، و تستعيد أنفاسها المتحشرجة، فحصلت على فرصة عمل في "جاليري فن"، حيث شكل لها ذلك فرصة للعودة و الإنخراط مع المجتمع الذي لطالما شكل لها الأذى و الأسى.

حاولت الإلتجاء إلى الدولة و مؤسساتها الرسمية و تحديداً "وزارة التنمية الإجتماعية" و "صندوق المعونة الوطنية" في محاولة للوصول عونٍ مادي و الذي يُعد بمثابة حقٍ لها نتيجةً لإعاقتها و لتردي أوضاعها المادية، لكن محاولاتها لم تجد لها مجيب، حيث قوبلت باللا مبالاة و عدم الإهتمام من قبل الموظفين رغم اكتمال أوراقها و معاملتها على حد وصفها، فلم تحصل على أي دعم حتى يومنا هذا.

تعمل حالياً ضمن الطاقم الإداري و التنسيقي لمبادرة "هيك أحلى" التي أطلقتها السيدة مارلين الأطرش التي ترى ناتاشا فيها الأم الحنون التي أصرت على إعطائها الفرصة للحياة من جديد و التأثير في المجتمع  و التعاطي بإيجابية و فاعلية معه، حيث تؤدي عملها بالمبادرة كمتحدثة و داعية لها و لأفكارها و العمل على تنسيق نشاطات المبادرة.

ترى ناتاشا أن العديد من فئات المجتمع لا تملك الثقافة اللازمة للتعاطي مع ذوي الإعاقة و رعايتهم، كما تصر على أنها تملك القدرات الفكرية و الأهلية العقلية لتؤدي دورها بشكل فاعل في مجتمعها رغم اعاقتها.

تتمنى أن تشعر حقاً بقيمة ذاتها و أن تشكل فخراً لإبنيها، كما تأمل أن تستمد يوماً القوة من أبنائها، حيث وعدها ابنها عمر بأنه سيقتص من كل من ظلمها.

أضف تعليقك