"مهمة في سوق الخضار"

"مهمة في سوق الخضار"
الرابط المختصر

أرادت ان تشتريها بخمسة عشر قرشا لكن التاجر رفض وأصر ان ترفع المبلغ الى خمسة وعشرين....ثمن عشر حبات بندورة شبه متعفنة، مرمية تحت "بسطة" محمد للخضار فوق صندوق خشبي صغير.
هذا المشهد لم يكن في أحد المسلسلات الدرامية، إنما في سوق الخضار في عمان.

للحظة كادت أم جميل أن تجد ضالتها في صندوق "بائس" تحت البسطة،بعد ان التهبت أسعار الخضراوات، لكن آمالها تحطمت على صخرة العشرة قروش الفرق بين السعر الأصلي الذي طلبه التاجر.

طلبت مني المساعدة في تخفيض السعر -بعد ان انتحلت صفة تاجر الخضار الذي شاركته مهمة البيع على بسطته، في محاوله لرصد الارتفاع على ارض الواقع. أمام هذا المشهد لم اعرف كيف أتصرف، كنت ارغب بأن احمل "صندوق البندورة المتعفنة" وأقدمه لها بالمجان، لكنني منعت نفسي واصريت على ان أكمل دور التاجر، بل وزدت على ذلك وتقمصت شخصيته ورفضت بيعها الصندوق بخمسة عشر قرشا.

ذهبت أم جميل وعيني تلاحقها حتى اختفت في آخر السوق الممتد، لكني مازلت اسمع كلمتها التي دوت في إذني رغم أصوات التجار المرتفعة في السوق:"الحياة صعبه" هذا ما قالته وأشاحت بوجهها الذي ترك الزمن فيه علامات بارزة.

في ركن آخر من السوق وضع حسن 47 عاما أكياسه -التي إمتلاءت بأنواع من الخضراوات- على أرضية السوق الإسمنتية، أراد ان يبتاع البندورة، فكر قليلا هل يشتري 3 كيلو سأل البائع عن السعر.."70 قرش للكيلو ماذا تقول" وتابع "لا أريد أعطني 3 كيلو من الصندوق الموجودة تحت البسطة" وطبعا هذا الصندوق سعر الكيلو فيه يناسب حسن فهو ب 35 قرشا.

يتذمر تجار السوق من هذا الوضع، فأمثال حسن كثيرون يقول محي صاحب بسطه غنية بمختلف أنواع الخضروات والفواكه: "لم يعد الإقبال كما كان سابقا فالناس لا تملك النقود أصبحت المعيشة صعبة".


ويزيد بعض تجار السوق بالقول: "البندورة ومجمل الأصناف ارتفعت فالخيار أصبح ب60 قرشا والبندرة ب 70 هذا الارتفاع سببه أمور مختلفة منها التصدير وحالة الطقس".

المسئولون عن السوق يقولون ان "الأسعار انخفضت عما كانت عليه سابقا" هكذا يقول مدير السوق المهندس هيثم جوينات ويعود هذا الانخفاض حسب جوينات لارتفاع درجات الحرارة، مع ذلك بقيت الأسعار أعلى مما اعتاد عليه المواطن الفقير.


احمد "العتال" 22 عاما يعمل في السوق منذ سنة ونصف تقريبا مهمته نقل البضاعة في شواله البلاستيكي الذي حنى ظهره.لا يجد "الحوت" -كما يطلق عليه بالسوق- في ارتفاع الخضروات مشكلة فهو في آخر المساء يعود الى بيته وفي شواله المحاك الى ظهره العديد من أصناف الخضراوات التي تزيد عن الحاجة أو التي تكون "بحاله صحية سيئة" على حد قوله.

أما زميله في المهنة خالد يصغره بالعمر خمس سنوات لم يخلو كلامه من السخرية، ولا يرى في وجودي في السوق أي فائدة.. يقول ضاحكا " شو بتعمل أنت هون حتى شكلك مش شكل بياعين أصلا ". ربما كان خالد يقصد من سخريته ...ماذا ستقدم لنا بوجودك هنا هل ستنخفض الأسعار بعد ان يراك المسئولين.. وكأنه أراد ان يزيد "لا تفرح فلا احد يشعر بالآخر".

8 ساعات من العمل في سوق الخضار لم تكن كافيه لي لانتحل شخصية التاجر أو أقدم الصورة بشكل كامل، لكنها تركت الكثير في حياتي، لمست من خلالها ماذا يعني ان تستفيق من النوم وتجد "حاجاتك الأساسية" طالها غول الغلاء، المواطن منزعج ليس من ارتفاع أسعار الخضار فقط بل من ارتفاع أسعار كل شيء، فهاهو ابرهيم بأعوامه الخمسين يقول" كل شيء ارتفعت أسعاره من خضار ومحروقات وأدوية. لم اشهد هذا الارتفاع على أسعار الخضروات أبدا".

في سوق الخضار المركزي...قصص وحكايات تعكس واقع مرير يعيشه فئات سحقتها ماكينة الغلاء وطمع التجار، سنعود للسوق مرة أخرى فقد خرجنا منه بذكريات لا تنسى ووجوه لا زالت عالقة في أدمغتنا..احمد العتال و أبو محمد حارس السوق وسميح عامل النظافة وغيرهم الكثير الكثير من أبناء القهر.

أضف تعليقك