مهجرو النزاع الأذري-الأرمني أسرى الهويتين

مهجرو النزاع الأذري-الأرمني أسرى الهويتين
الرابط المختصر

"الدماء غطت المكان وقتل صديق الطفولة في تلك المجزرة؛ فهربت بعائلتي إلى هنا"…ثم أغمض السبعيني أرمن صاموليان عينيه ليعود في ذاكرته إلى عام 1988

حينما لجأ إلى قرية يغيكنافان الأرمنية ـ التي لا يفصلها عن الحدود التركية سوى جبال أرارات البضياءـ بعد مجزرة سونغاييت في أذربيجان شمال العاصمة باكو والتي قتل فيها مايقارب الثلاثين أرمنياً.

صاموليان أحد الأرمن الذين هجروا من أذربيجان مخلفين ورائهم أرضهم وبيوتهم..بعض الأصدقاء والذكريات وحتى اللغة؛ ولا يختلف الحال كثيراً للأذريين الذين تركوا ماتركه الأرمن في أذربيجان.
 
بعد عشرين عاماً، مازال صاموليان الذي يقطن مع أبناءه الثلاثة وأحفاده الستة في بيت لا مكان للضوء فيه يفتقد المكان الذي ولد وترعرع بين جنباته "أفتقد بيتي في أذربيجان إنه الوطن، ولكن لو حل السلام بين أرمينا وأذربيجان فلن أعود"، يقول صاموليان.
 
580-690 ألف مهجر أذري و460 ألف مهجر أرمني ـ وفقاُ لإحصاءات الأمم المتحدة ـ كانوا ضحية الحرب التي استمرت بين الجانبين الأرمني والأذري على إقليم ناغورني كارباخ بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي منذ عام 1991-1994 تبعها اتفاقية لوقف إطلاق النار واعتراف الجانب الأذربيجاني بخسارة الحرب والإقليم مع الإصرار على أن كاراباخ أرض أذرية رغم أن 90% من سكان الإقليم هم من الأرمن.
 
يقطن أكثر من 20 ألف مهجر أرمني في المساكن الجامعية وأكثر من 60 ألف في أقبية البنايات، ويتوزع عدد كبير في القرى ـ معظمها حدوديةـ يعملون في الزراعة وتربية المواشي. يعاني المهجرون الظروف الاقتصادية الصعبة وإنعدام مياه الشرب ما يضطرهم لشرائها. ورغم أن غالبية المهجرين يحملون الجنسية الأرمنية  إلا أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها تحملهم على الشعور بأنهم مهجرون.
 
كما يواجه المهجرون الأرمن مشكلة التأقلم مع المجتمع الأرمني لأسباب عديدة أبرزها عدم معرفة بعض المهجرين الأرمن للغة الأرمنية، إضافة للعادات والتقاليد "والحنين للوطن"، تقول عضو البرلمان الأرمني السيدة لاريسا لافارديان.
 
لافارديان تؤمن أن من واجب الحكومة الأرمنية تلبية الإحتياجات الأساسية للمهجرين؛ "فلا يوجد أي مبرر للحكومة بعدم حل المشاكل الإنسانية للمهجرين طوال الأعوام العشرين الماضية".
 
على الجانب الأرمني الآخر، وبعد 15 عاما على إعلان وقف إطلاق النار مايزال قرابة 19- 30 شخصاً يسقطون سنوياً بين الطرفين ـ وإن كان معظمهم من الجنود ـ على خط النار بين كاراباخ وأذربيجان.
 
"لم ينجح الطرفين الأرمني والأذري في الحفاظ على اتفاقية وقف إطلاق النار"، يوضح وزير الدفاع الأرمني سيران أوهانيان مشيراً إلى سقوط 6 جنود ومدنيين من إقليم كاراباخ على أيدي قناصة أذريين خلال الأشهر القليلة الماضية.
 
تحسن العلاقات الأرمنية – التركية وتناسي المجازر التركية بحق الأرمن بدأت العام الماضي بحضور الرئيس التركي عبد الله غول إلى أرمينيا لمشاهدة مباراة بكرة القدم بين البلدين بدعوة من الرئيس الأرمني سيرج ساركسيان؛ تحسن العلاقات في الفترة الماضية قد يدفع باتجاه فتح الحدود بين البلدين ما يعني تحسن الوضع الاقتصادي للشعب الأرمني بمن فيهم المهجرين.
 
ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك بإشارتهم إلى إضعاف الخطر الأذري في حال تحسن العلاقات مع تركيا ذات الموقف الداعم لأذريبجان.
 
ما يدعم هذا الرأي هو قول بعض المحللين السياسين بأن الدور التركي الجديد في المنطقة يجبرها على الاقتراب من جميع الأطراف والتزام الحياد أحياناً دون تناسي الطموح التركي بالدوران في فلك الاتحاد الأوروبي.
 
تركيا لا تغرد وحيدة في جنوب القوقاز، فهنالك مجموعة مينسك (الولايات المتحدة، روسيا، وفرنسا ممثلة عن الاتحاد الاوروبي) التي تقود المفاوضات بين الطرفين منذ إعلان وقف إطلاق النار ولكن دون التوصل إلى حل حتى هذه اللحظة بين الطرفين.
 
ويعترف العديد من المسؤولين والمحللين الأرمن أن لمجموعة مينسك مصالحها في جنوب القوقاز، ولكن تضارب المصالح فيما بينها ساهم بشكل كبير في منع إندلاع الحرب من جديد بين أرمينيا وأذربيجان. 
 
وفي ظل سعي أرمينيا وأذربيجان لمواكبة التطور في التسليح وذلك بتخصيص النسبة الأكبر من موازنتيهما لوزارة الدفاع فإن الأوضاع الاقتصادية السيئة سترواح مكانها في الجانبين.
 
بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه والوضع الاقتصادي على وجه الخصوص لا يعني سوى بقاء صاموليان ومن معه حبيسي الإحساس بالعزلة واللجوء حتى لو تمتعوا بكافة الحقوق والواجبات ـ الجنسية ـ.