مهارات التسول و«بنيته التحتية»

الرابط المختصر

توقف باص "الكيا" على مقربة من "الدوار الكبير" في ضاحية الأمير راشد ، أفرغ حمولته من النساء "المدججات" بالأطفال والملابس المحتشمة غير الرثة...ذهبت النسوة في كل اتجاه ، أثار الأمر فضولي ، لحقت بالباص على طريق المدينة الطبية ، إلى أن توقف على مقربة من المسجد القريب من تقاطع شارع مكة وشارع المدينة الطبية ، وهناك ترجل السائق ووقف على قارعة الطريق منتظرا ، إليان مرت سيارة "بكب" في الرمق الأخير من عمرها الافتراضي إن لم تكن قد تجاوزته ، وكانت بدورها مكتظة بالنسوة والأطفال ، الذين هرعوا باتجاه المسجد فرادى وليس جماعات.




غادر الرجلان كل في سيارته صوب الدوار ، وبدأت النساء رحلة التسول المضنية
، هذه تحمل طفلا بين يديها ، وتلك تجر واحدا أو اثنين خلفها ، هذا يصيح
شاكيا باكيا ، وذاك بللت الدموع والمخاط خدوده حتى ذقنه.



تبعت إحداهن وكانت تحمل طفلا فقد إحدى عينيه ، واكبتها بالسيارة وهي تشرح
لي مأساة طلاقها وترك زوجها لها ، وحيدة تعيل أطفالا مرضى ومعاقين ،
وعندما سألتها عن السيارة التي جاءت بها إلى هذا المكان مع رهط من
المتسولات ، نفت ذلك بشدة ، وأسرعت مبتعدة عني بعد أن تيقنت بأنني عازف عن
قراءة "كتاب حياتها" ، وخشيت أن أكون من "الجهات المختصة".



لم يعد لدي شك بأن "التسول" بات مهنة منظمة ، تسيطر عليها عصابات جنائية ،
جعلت منه "بزينيس" بكل معنى الكلمة ، له هيكليته التنظيمية وبنيته التحتية
وأدواته ووسائله وأساليبه ، ولم يعد يساورني شك أيضا ، في أن أجيالا من
المتسولين تتلقى تدريبا منتظما على "مهارات الاتصال والاستجداء" ، وأن
خبراء ومختصين ومتسولين متقاعدين ذوي خبرة مديدة ، يشرفون على ذلك.



ما لست متأكدا منه بعد ، هو كيف يحصل هؤلاء على هذا العدد من الأطفال
المشوهين والمعاقين ، هل يجرون بحثا ميدانيا ينتهي باستئجارهم من ذويهم ،
هل يطرحون عطاءات في الصحف ، أم أنهم يقومون بتشويه الأطفال و"تفصيلهم"
على مقاس "المهنة" ومستلزمات استدرار العطف والدموع والنقود ؟،.



والحقيقة أنها ليست المرة الأولى التي تضعني الصدفة أمام مشهد كهذا ، فقبل
سنوات ، وذات يوم جمعة أيضا ، وجدت نفسي أمام مشهد مماثل في حي الخرابشة
في المدينة الرياضية ، حيث انتشر جيش من المتسولات اللواتي تم "إنزالهن"
في المنطقة ، على مختلف الشوارع والحارات والمساجد ، لتبدأ رحلة التسول
وبالوسائل ذاتها تقريبا.



ويبدو أن ظهيرة الجمعة ، هي لحظة الذروة في عمل هذه العصابات ، والمأمول
أن تكون لحظة الذروة أيضا في أنشطة الأجهزة المختصة ، لملاحقة القائمين
على عصابات الجريمة المنظمة هذه ، والإلقاء بهم خلف القضبان ، فنحن أمام
ظاهرة لا تقتصر مفاعيلها وتداعياتها على التسول فحسب ، بل ربما تكون وراء
أكمتها ما وراءها ، خصوصا وأن من بين المتسولات والمتسولين صبايا وأطفال
وفتيان ، ما يفتح الباب أمام تفشي جرائم من نوع: التحرش والاغتصاب
والدعارة والاتجار بالبشر ، فهل نحن فاعلون؟،.