من يدفع ثمن استنزاف سوريا
لا يمكن إنكار قساوة ما عانى منه الشعب السوري من ممارسات أثقلت كاهله لعقود وغياب الديمقراطية، إلا أن الصراع الذي تفجر منذ سنوات لم يعد مجرد انتفاضة داخلية تسعى لتحقيق الحرية والديمقراطية، بل تحول إلى ساحة صراع دولي تتشابك فيه مصالح إقليمية وعالمية، تاركة سوريا وشعبها رهينة لأجندات معقدة تستهدف حاضرها ومستقبلها.
الأحداث الأخيرة في سوريا لا يمكن فصلها عن التطورات الإقليمية المحيطة خاصة في غزة ولبنان، حيث يظهر بوضوح أن هناك رابطا بين هذه الساحات، فالاحتلال الذي لا ينفك يسعى لتحقيق مشاريعه التوسعية يجد في هذه الفوضى فرصة لتفكيك أي تهديد محتمل لدوره في المنطقة، في المقابل تتصارع قوى دولية كبرى على النفوذ في سوريا، فمن جهة نجد محوري روسيا وإيران، ومن جهة أخرى أمريكا وإسرائيل وربما الحلف الأطلسي.
وفي خضم هذا الصراع، نجد أنفسنا أمام حقائق معقدة، فبينما يرفع بعض الثوار راية الحرية والديمقراطية، نجد أن القوى الفاعلة ضمن المعارضة تعمل في سياق يخدم مصالح خارجية تستهدف وحدة سوريا أرضا وشعبا ويسعى لتفكيكها واستنزاف ثرواتها وإرثها الحضاري.
سوريا لم تكن يوما دولة عادية في الحسابات الإقليمية؛ فهي تمثل ركنا أساسيا في مواجهة الاحتلال ومشاريعه، وتشكل حجر عثرة أمام محاولات إعادة رسم خارطة المنطقة بما يخدم القوى الكبرى، ومن هنا يجب أن ندرك أن ما يحدث على أرض سوريا ليس مجرد صراع داخلي، بل هو جزء من مشهد دولي أوسع يتداخل فيه السياسي مع الاقتصادي والجيوسياسي.
قراءة المشهد السوري تتطلب رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الوضع الراهن، فلا يمكن أن نغفل الأدوار التي تلعبها القوى الإقليمية والدولية في تغذية هذا الصراع.
الشعب السوري يدفع الثمن الأكبر في هذا الصراع الذي لا يقتصر أثره على سوريا وحدها بل يمتد ليضعف القوى الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني ويهدد مستقبل الموقف العربي في مواجهة الاحتلال.