من جنوب الأردن إلى جنوب فرنسا..رحلة طموح آسرة

الرابط المختصر

هي صدفة الفضاء الإلكتروني التي جمعتني بفاطمة البدول....البدوية السمراء التي ودعت رمال البتراء الملونة وصحرائها الرائعة لتشد الرحال إلى جنوب فرنسا بنقلة واحدة.وبنقرة واحدة على جهاز كمبيوترها التي تلجأ فيه إلى حرارة الانترنت بحثاً عن بعض الدفء التي تركته في الوطن التقينا .. والمثير أن بداية معرفتنا تعود إلى شهر تشرين ثاني الماضي حيث التقيت شخصياً يومها بالبتراء وبأهلها ورمالها وخزنتها....
 
ولا أعرف لماذا لم يثر دهشتي أن  كل الصبايا هناك يشبهن فاطمة... ليس بمسحة الجمال الصحراوي فحسب وإنما بهذا الطموح الوثاب الذي تخفيه أهداب خجولة ولكن لا تحد منه على الإطلاق...
 
فاطمة في السابعة والعشرين من العمر من سكان قرية البدول الساكنة على إحدى تلال البتراء غامضة ومنفتحة بذات الوقت ..وكباقي أهالي المنطقة عملت منذ الصغر في مهن سياحية واحتكت بالسياح الأجانب من مختلف الجنسيات الذين يزورون البتراء بكثافة...
 
حلم فاطمة أن تتقن اللغة الفرنسية وأن تؤسس مكتب سياحي متخصص في البتراء " فقد لمست عن قرب ونتيجة تجربة عائلية أن المكاتب التي تتخصص بتقديم خدمة معينة في السياحة تلقى إقبالاً عالياً، وهو ما نفتقده بكثرة في البتراء بشكل خاص  والأردن بشكل عام، كما تقول .
 
وجاءت الفرصة، عندما تعرفت فاطمة أثناء إحدى مهماتها التي تقدمها للسياح أن تعرفت على سائح فرنسي يعمل في إحدى الجامعات هناك، فقدم لها عرض بمنحة جامعية لدراسة اللغة الفرنسية والسياحة في إحدى جامعات ليون جنوب فرنسا.
 
المعارضة من المحيط متوقعة، ولكن الدعم الكبير من العائلة وبخاصة من الأب نجح في إهمال أي صوت معارض حاول أن يقف في وجه الطموح الصلب، وبالفعل سافرت فاطمة وبدأت مشوارها العلمي في منطقة من العالم تزورها لأول مرة في حياتها، وتقول " وجدت صعوبات في البداية لاختلاف المكان واللغة فالإنجليزية ليست اللغة الثانية في المدينة التي ذهبت إليها كما هو الحال لدينا، وبخاصة أننا في البتراء نتقن العديد من اللغات ولكن بشكل أساسي اللغة الإنجليزية وليس الفرنسية، كما أنني لم أكن عن الجامعة شيئاً سوى أنه المكان التي تستطيع فيه الطالبات والطلاب أن يدرسوا معاً".
 
عقبة اللغة تجاوزتها فاطمة خلال شهر، أما الحاجز الثقافي فلم يكن مهماً فالمعروف عن البدو في البتراء استيعابهم السريع لمختلف ثقافات السياح الذين يتوافدون عليهم  بل ويسكنون في بيوتهم للتعرف على طقوسهم وحياتهم اليومية ، وبيت فاطمة في قرية البدول  كان أحد هذه البيوت بالإضافة إلى عملها في المقهى المملوك للعائلة هناك في السابق.
 
اليوم الواقع مختلف فما زالت فاطمة تعمل مرات في المقهى ولكن ليس في البتراء وإنما مقهى شرقي في جنوب فرنسا حيث تعمل لتؤمن مصروفها الخاص فالمنحة تغطي تكاليف السكن والجامعة فقط، وهي سعيدة رغم التعب والحنين للأهل والوالدة بالأخص ولكن التجربة واكتساب المعرفة أمر أساسي لا يمكن التنازل عنه.
 
تقول فاطمة" البتراء أوسع بكثير مما يراه العالم حيث البوابة الوحيدة لهم عليها هي السيق فهناك ثلاث طرق تؤدي إليها و ويحتاج الزائر لثلاثة أيام على ألأقل ليتعرف على معالمها كاملة" وربما لهذا السبب تحرص في الجولات السياحة التي تنظمها للسياح هناك بأن تتنوع الأماكن المحددة وأن تكون غير متوقعة –ربما كفاطمة نفسها – وتحرص في كل مرة أن تزور المكان التي ولدت فيه في أحد الكهوف المحيطة في محاولة منها بأن لا تنسى.
 
ولكي لا ننسى نحن ولكي لا ينسى العالم تحاول فاطمة تحقيق مشروع في ليون وهو عمل معرض عن البتراء بعد فوزها كإحدى عجائب الدنيا السبع بعدسات مصورين فرنسيين وسياح سبق وأن زاروا البتراء وسحرتهم.
 
في الماضي  وقبل عشرين عاماً  سكنت فاطمة وعائلتها وباقي سكان البتراء في كهوف البتراء الملونة والآن تعانق بحرارة برج إيفل لتحقيق هدف واضح بأن تترك بصمة كفتاة أردنية تعاني كغيرها من حقيقة أن فرص التعليم والخدمات في قريتها متواضعة، ولكن إصرار أهلها فتح أفقهم على العالم بجهد شخصي فتواصلوا معه عبر الانترنت تارة وعبر تعاملهم مع السياح في أغلب الأحيان تارة أخرى...ونجحوا.... فالزائر لقريتهم يدرك مصدر هذا التحدي الكبير المستمد من تلك الصخور المحيطة بهم وتشرق عليها الشمس كل صباح لتمنحها ألقاً وسحراً ينعكس ببساطة على سكانها.

أضف تعليقك