
منصات التسويق عبر الانترنت تنعش مئات المشاريع النسوية في الأردن

في إحدى مناطق محافظة السلط، شمال العاصمة عمّان، تجد الأربعينية مها العمايرة شغفها في متجرها الصغير قرب منزلها، تزين رفوف المتجر قطع الشماغ الأردني المزيّنة بخيوط قطنية، لتبدأ رحلتها اليومية في تجهيزها للبيع، كأم لأربع فتيات وولدين وزوج تقاعد حديثا لا يغطي تقاعده ربع احتياجات البيت على حد وصفها، نهضت لتعمل، أرادت لهم حياة كريمة منذ عقد ونصف من الزمان.
ظلت كغيرها من الناشطات في المشاريع اليدوية الصغيرة في الأردن يعتمدن على معارض البازارات الموسمية؛ لتسويق منتجاتهن حتى العام 2018م ، تميزت تلك الفترة بضعف التسويق وبالتالي ضعف استدامة الدخل.
تقول العمايرة:"مشاركة البازارات ضعيفة، فقط خلال موسم الشتاء، وكان الدخل الشهري قليل… كان في البداية الدخل ما بين 25 لخمسين دينار شهريا"، قبل 2018 لم يتعد إنتاج العمايرة قطعتين كل شهر، وشاركتها العمل آنذاك سيدة واحدة.
يعاني الأردن من ارتفاع نسبة البطالة بين النساء حيث وصلت 25.7% سنة 2018 مقارنة ب 16.9% بين الرجال.
وبحسب التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2018 فإن المشاركة الاقتصادية الضعيفة للمرأة الأردنية جعل الأردن يحتل المركز 138 من أصل 156 على مؤشر الفجوة الجندرية.
منصات التسويق الإلكتروني قلبت المعادلة
ولكن حياة العمايرة - والمئات من النساء الأخريات - تغيرت عندما رأت إعلانا على الفيسبوك عن انطلاق منصة للتسويق الإلكتروني تدعى"سوق فن".
وتعد المنصة الأولى من نوعها التي تستهدف صاحبات المشاريع متناهية الصغر في الأردن، بهدف إيصال المنتج المحلي لأوسع نطاق، وصارت المنصة همزة وصل بين السيدات صاحبات المشروعات الصغيرة والعملاء؛ لبيع وشراء المنتجات الحرفية.
تستهدف المنصة السياح والمواطنين على حد سواء، وتقدم خدمات تسويقية كاملة لقاء 30% من بيع المنتج، وبحسب العمايرة فإن المنصة ساعدتها على زيادة دخلها عشر أضعاف، تقول بابتسامة رضا: :"لا يمر شهر إلا وفيه نسبة بيع والحمد لله، أقل دخل شهري 500 دينار، وفي الشتاء يصل دخلي إلى نحو ألف دينار"، وتضيف:" بعد ما اشتغلت ساعدت بمصروف بيتي، صرت البي احتياجاتنا وزيادة .."
ارتفع إنتاج العمايرة من قطعتين في الشهر إلى ما يزيد على خمسين قطعة، وأصبحت علامتها التجارية "أم جميل" لها سمعة تليق بجودة عملها.
مقطع صوتي تتحدث فيه العمايرة عن تجربتها مع احدى منصات التسويق الرقمية
إستمع الآن
تصف العمايرة تجربتها بالقول:" الهدب صار بكل الدول الأجنبية والعربية ،اسم أم جميل صار بكل مكان".
تعمل مع العمايرة اليوم 16 سيدة أخرى في مشروعها - منهن بناتها الأربعة، تقول:" لما زاد الطلب على شغلي بالمنصة، شغلت سيدات بمنطقتي من بيوتهن، كل وحدة أجرتها الشهرية بين 150 و200 دينار كل وحدة حسب جهدها.."
الحكومة تتحرك إلى نفس الاتجاه
في العام 2021 أطلقت وزارة التخطيط الدولي منصة تسويق " يدوي " تحت مظلة برنامج إرادة، المنبثق من الوزارة لتعزيز الاقتصاد في المجتمعات المحلية، استجابة لأحد محاور الخطة الوطنية لتمكين المرأة 2019-2024م الخاصة بدعم أصحاب المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر خاصة النساء العاملات في الإنتاج المنزلي في المناطق الأقل حظا؛ لاستدامة المشاريع وتحسين الدخل.
تقول لانا الحافظ رئيسة قسم التسويق في برنامج " إرادة" :" أحد الأهداف غير المباشرة والهامة لمنصة 'يدوي' هو المساهمة في تقليص الفجوة الجندرية في سوق العمل والدخل، لا سيما في المناطق الريفية والهامشية"، مؤكدة تحسن ترتيب الأردن عالميًا في مؤشر الفجوة الجندرية حيث وصل إلى المرتبة 123 عام 2024، وتؤكد الحافط أن هذا الصعود جزء منه يعود إلى مبادرات داعمة مثل "يدوي" التي تستهدف المرأة بشكل مباشر عبر توفير فرص تسويق رقمية لمشاريعها .الإنتاجية.
المهندسة ذكرى الشبول من اربد مستفيدة من منصة "يدوي" تقول :" في العام 2007 تخرجت من الجامعة ولمحدودية فرص العمل بدأت مشروعي الخاص في العام 2023م" صنعت منتج " نكتارين" وهو زبدة الفول السوداني، اعتمدت بداية على التسويق عبر منصات التواصل والمشاركة في البازارات والبيع للسكان المحيطين، ولكن لم يحقق مبيعات كما اعتقدت، فسجلت منتجها على منصة "يدوي" ما سهل عملية الوصول للمستهلكين من أماكن بعيدة، تضاعفت على إثرها مبيعاتها وأصبح منتجها معروف أكثر.
خطى التوسع
بعد عام فقط من إطلاق " يدوي" أعلنت وزارة الإدارة المحلية عبر موقعها العام 2022 عن ثالث أكبر منصة أطلق عليها كرافت crafts لتسويق "الحرف اليدوية" كمنصة غير ربحية، بالشراكة مع وزارة الثقافة ووزارة السياحة والآثار، تقول مؤسسته الدكتورة أريج تليلان:" أول ما أطلقت المنصة تلقينا طلبات كثيرة، اخترنا 350 استوفوا شروط تقييم مشاريعهم، وصلنا اليوم إلى 1200 بلغت نسبة النساء منهم 60%" وتضيف ما يميز المنصة وجود ملف تعريف الحرفي ومنتجاته ووصف كامل للمنتج لتكون المعلومات موثقة للعملاء.
ومع بداية آذار من هذا العام 2025م أطلقت وزارة الاقتصاد الرقمي منصة "خيرات الدار" بتنفيذ من سوق فن، كخطوة مماثلة لما سبق من مبادرات وطنية ومؤسسية لتمكين المرأة اقتصاديا، تستهدف المنصة العاملين في المنازل والحرف اليدوية، وستركز المرحلة التجريبية الأولى على ثلاث محافظات هي (جرش،البلقاء، الكرك).
تسهيلا لتمكين المرأة
يعلق حسام عايش الخبير والمحلل الاقتصادي على التحول:"منصات التسويق الالكتروني لتمكين المرأة أمر مهم، انعكاس إيجابي على مستوى معيشة الأسرة وأمانها المالي بشرط استدامة تحفز النشاط الإنتاجي للأسرة" مؤكدا بأنه طرأ ارتفاع على معدل دخل الفرد ما بين عامي 2020-2024م بالأسعار الجارية فبينما كانت 2871دينار أردني أصبحت 3228 دينارا بزيادة سنوية 71.4بالعشرة دينار، ولكن على الرغم من الزيادة النقدية، ينوه عايش، أن القوة الشرائية تراجعت بفعل معدلات التضخم وارتفاع الأسعار.
وبحسب مستفيدات من منصتي سوق فن ويدوي، تشجعن لعرض منتجاتهن لعدة مزايا، مثل تصوير المنتجات والترويج المجاني ، فلقد تلقت المستفيدات من " يدوي" تدريبا مجانيا على الجدوى الاقتصادية، وكانت أول منصة تسويق إلكتروني مجانية وغير ربحية مع خدمات تصوير وتغليف وفحص مخبري للمنتجات الغذائية بإدارة "إرادة" لرفع الكفاءة الفنية والتسويقية للمشاريع، ولقد امتازت المنصات وتطبيقاتها بأنها آمنة لكل من العملاء وأصحاب المشاريع.
علاوة على تنامي نسبة انتشار الإنترنت في الأردن ومشاركة كلا الجنسين، والإقبال على التسوق والتجارة الالكترونية ما يعني سهولة التسوق عبر الانترنت، لترتفع من 65.2% عام 2018م لأعلى مستوى انتشار العام 2024م نحو 91.0% من إجمالي السكان.
تعلق لانا الحافظ - برنامج إرادة - حول جدوى التحول بالقول:" التسويق الالكتروني في يدوي على مدار العام مقارنة بفترات محدودة للبازارت، وهو فرصة لبناء قاعدة عملاء رقمية مباشرة مع المشتري" وأشارت الحافظ للمرونة من حيث تحديث المنتجات وتعديل الأسعار، ووصول المنتج خارج النطاق الجغرافي للبازار، وخفض تكاليف التنقل والمشاركة، وبرأي الحافظ تبقى البازارات أداة ترويجية داعمة على أرض الواقع، لكنها لا توفر الاستدامة الكافية وحدها.
من جانبها، تعتبر اللجنة الوطنية لشؤون المرأة المنصات الإلكترونية ضرورة لتمكين الرياديات، لا سيما في المناطق الطرفية، وتوضح ياسمين الخاروف مديرة الإعلام للجنة :" أن التسويق لا يزال من أبرز التحديات، ولهذا جاءت الاستراتيجية الوطنية للمرأة لتشمل مبادرات تُسهّل إنشاء المتاجر الإلكترونية والوصول إلى خدمات التسويق والدعم." وتبشر الخاروف بالعمل على خريطة بيئة لريادة الأعمال النسائية بهدف توفير معلومات لصاحبات الأعمال حول خدمات الدعم والتمويل التي تقدمها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لدعم ريادة الأعمال النسائية.
تحدي الخبرة والشمول
بالرغم من ذلك النجاح في انخراط العديد من النساء في التسويق الإلكتروني لمنتجاتهن، إلا أن الحافظ أشارت لعدة تحديات، منها الحاجة لرفع الوعي الرقمي لدى بعض المشاريع، وضعف تفاعل صاحبات المشاريع على المنصة بسبب ضعف الخبرة في إدارة المتجر، ولقد جاء في الإطار العام في الاستراتيجية الوطنية للمرأة 2020-2025م تحدي غياب بيانات مصنفة مراعية للنوع الاجتماعي وعدم تسجيل كثير من السيدات مشاريعهن والاشتراك في الضمان الاجتماعي، ما يحول دون دعم شريحة أكبر من النساء في مجال المشاريع الصغيرة، وبعض سيدات المحافظات اشتكين من تكلفة توصيل المنتج إلى إدارة المنصة في عمّان.
تتنفس العمايرة اليوم الصعداء بعد أن حققت نجاحا وأسهمت في تعليم ثلاثة من بناتها في الجامعات، وتأمل الكثير من النساء لتحسين دخل أسرهن، سيما في ظل ارتفاع نسب البطالة في الأردن، أما الحافظ فلديها عدة أهداف تختصرها بالقول:" نتطلع في يدوي لتوسيع نطاق تأثيرنا، خلال تطوير مزيد من الحلول الرقمية؛ لتعزيز استدامة مشاريع الحرفيين وتحسن تجربة المستخدم" واحدة من الأهداف الجاري العمل على معالجتها حاليا بحسب الحافظ العمل على وصول المنصة إلى الأسواق الخارجية.
إستمع الآن