ملامح المرحلة الجديدة بريشة "الحرس القديم"

ملامح المرحلة الجديدة بريشة "الحرس القديم"
الرابط المختصر

 

لا يستشعر ساسة التيار المحافظ في بلداننا أي حرج من توصيفهم بأنهم "محافظون" ولكنك تجدهم يغضبون من الاستعارة والتشبيه المجازيّ الرائج الذي يستخدم لتوصيف فكرهم وإسلوب ترجمته وتحديداً حينما يُنعَتون بـ "الحرس القديم" أو "الديناصورات البائدة".

 

ولم يتسنَ أن فنّد لنا أي من هؤلاء المحافظين سر سروره بكونه محافظ وعلّة غضبه من وصفه بـ "الحرس" أو "الديناصورات"؟ ترى هل مكمن الغضب لدى هؤلاء في أن وصفهم بـ "الحرس" يشي بحالة يذود فيها الأجير عمّن  يستأجره؟ أم أن الشق الثاني من العبارة "القديم" هو مبعث استثارة حفيظتهم – وليس محافظتهم- لارتباط القدم بالركود والرقود في ميدان السياسة الذي يعد فيه الثبات موات والجمود بمثابة إعلان انتهاء وجود.

 

من المؤكد أن التوصيف الآخر "الديناصورات البائدة" بدوره يعد مزعجاً لأنه يحمل معنى الانقراض والتشبيه بحيوان حقيقة ماضيه نتاج دوائر التخمين وحاضره ملصقات ورسومات ودمى في أيدي الأطفال الصغار.

 

هذا التحليل اللفظي الموجز للعبارتين قد يبدو ضرباً من التسطيح ونموذجاً لمنهج "الشرح على المتون" الذي يقدس الحرف ويمسك في تلابيب مباني العبارات دون معانيها، إلا أنه ينسجم تماماً وإسلوب تعاطي التيار المحافظ في بلداننا مع الأمور، فهم لا يعبؤون بالمنتج النهائي لتصنيفهم ضمن تيار أو فصيل أيديولوجي معين وإنما يتوقفون طويلاً عند العبارات المستخدمة للتعبير عن حقيقة حالة التحجّر التي يعيشونها، فبعضهم يستسيغ بل يستعذب وصفه بـ "الحوت" أو "الغول" أو "طبقة النبلاء".... لأنه يستلهم رمزية القوة والسلطان من هذه التسميات غير آبه بواقعية الاستبداد والتوحش التي تتسم بها تلك الكائنات والمجموعات المتسلطة.

إذا كان "الحرس القديم" أكسب نفسه أزلية الإله وثباته، فكيف يمكن لهذا "الحرس" بقِدَمِه أن يكون جزءً من عملية الإصلاح والتغيير الذي يقوم على التجديد (نقيض القدم" والمبادرة والإبداع (نقيض الحراسة)؟ إيلاء عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي لكهان التيار المحافظ يشبه طلب النبي موسى من قومه أن يقتلوا أنفسهم للتكفير عن خطاياهم، مع فارق بسيط؛ أن ساستنا المحافظين لا يقرون بخطيئة ارتكبوها بل هم يرون أن كل ما تحقق ويتحقق وسيتحقق هو بفضلهم ومن أفضالهم.

 

قد لا نحتاج انتظار صدور قوانين بعينها وسريانها للتعرف على ملامح المرحلة "الجديدة" المنتظرة، فصنّاع القادم ما هم إلا قدامى الحرس الأزليون الذين لهم الأمر من قبل ومن بعد وهم على أمرهم غالبون.

 

لن يكتب ضباط وأفراد "الحرس القديم" قرارات إحالتهم على التقاعد بأيديهم بل سيحاولون كسر كل قلم وإخماد كل لسان يطالب بذلك. يقتضي الإنصاف أن نعترف أيضاً بأن الكثير منا يخشى الخروج من عباءة السلطة الأبوية التي فرضت علينا منذ عقود فلا يمكن للبعض  تصور الحلبة السياسية وقد خلت من "أبو فلان وعلان". في الوقت الذي يتطلب فيه التغيير التحرر من تقديس الماضي، يخشى كثير منا "اليُتم" ويعض على أشباح الحقب الخالية بالنواجذ، يعزز من هذا الشعور ب"اليتم" حالة فقدان الثقة بالنفس الجمعية التي تراكمت على مدار سنوات بل عقود من الانغلاق السياسي عشناها وآباؤنا، هذا فضلاً عن فشل معظم ثورات "الربيع العربي" التي أفرزت واقعاً أسوأ من ذلك الذي ثار عليه الناس، فكانت النتيجة مرةً أخرى فراراً إلى الخلف والبكاء على أطلال من نُحوا أو تنحوا.

 

في كل مرة تقترب فيها استحقاقات مناقشة حزمة تشريعات ذات طابع إصلاحي، تبدأ كتابات وتصريحات استباقية تتحدث عن أولويات الشعب وغلبة العامل الاقتصادي على السياسي، فإذا ما رأيت من وراء هؤلاء "الحرس القديم" يلوحون بالعصا ويأكلون الجزرة؛ بات من السهل عليك رؤية ملامح المرحلة القادمة التي ترسمها ريشة كلما تعاقبت عليها الأيام اشتد أودها وتغازر شعرها حتى أنها تكاد أن تصبح لحية يحرم حلقها أو تهذيبها.