مكفوفو المقاسم..حلم العمل كما الآخرين

الرابط المختصر

ستجدهم عند مدخلك لأي وزارة أو جهة حكومية كانت..أو إذا ما اتصلت بأي منها سيرد عليك واحدا منهم، وتطلب منه المساعدة ولن يتوانى عن مساعدتك أبدا..لأنه ببساطة، مأمور مقسم، وعمله يحتم عليه مساعدتك.

يساعد الناس حيث لا أحد يساعده..
نعم، سأحاول مساعدتك إن أمكن..هذا الرقم الفرعي له.. ليس موجودا الآن، لكن سأترك له رسالة إن أحببت، نحن بالخدمة، أهلا بك بأي وقت..هكذا اعتاد لسانهم على الكلام..وأصابعهم تتبارى لأجل نيل رقم من أرقام جهاز المقسم، وظيفتهم باختصار مأموري مقاسم..

هذه المهنة ليست حكرا على المكفوفين أو ذوي الاحتياجات الخاصة بالعموم، ولكنها الوظيفة التي تقبلهم بها المؤسسات الوزارات.

الاسم: أسامة السيد، العمر: 29 عاما الوظيفة: مأمور مقسم في أمانة عمان

ساعات مثقلة بالتعب
أسامة يعمل منذ سنوات، مأمور مقسم في أمانة عمان، ولم يشتك يوما من ظروف العمل الصعبة التي يعيشها، لأنه ببساطة يخاف أن يفصل من عمله ويجلس في البيت عاطلا عن العمل، وهذا ما لا يتمناه أبدا.."صعب قبولي في أي مكان عمل، لأني ببساطة ضرير".

ساعات العمل الطويلة، تثقل كاهل الكثير من المكفوفين أو ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعملون في هذه المهنة، أما مساحة المكان المخصص لهم فهي ضيقة ولا تتسع إلى لشخص واحد على قول أسامة.. "حقا، هكذا وضعنا، لأنك كفيف سيقومون بأكثر من ذلك، وهذه ضريبة"..

وضريبة أنهم مكفوفون ولا يقوون على مساعدة أنفسهم..فلن يجدوا "الاستحسان" عند أرباب العمل، "لأن مأمور المقسم إضافة في العمل، وإمكانية الاستغناء عنهم أسهل من رمش عين"..وخدمة الرد الآلي سحبت البساط من تحت المكفوف.

وما لم يكن في حسبان أسامة يوما، هو أن يتجرأ ويطلب من إدارته النظر في وضعه ووضع زملائه من ذوي الاحتياجات الخاصة..ونتيجة هذه المطالبات "قاموا بنقلي إلى قسم آخر وبمكان ضيق بمساحة متر في متر وهذا ما صعب عّلي العمل".

وبحسب أعراف العمل في أقسام الهواتف..فيحق للعامل فيها "الدوام يوم ويوم الذي يليه إجازة" وأما مساحة المكان فيجب أن تكون واسعة.."ومكان العمل أشبه بقبر" كما يقول أسامة.. "لا نطلب مكيّف لكي نتجاوز مصاعب الحرارة المرتفعة ولكن أقل ما نطلبه هو مروحة، وإذا ما اشتكينا يقولون لنا هذا عملك، أردت فلتسكت وإذا لم يعجبك فلتذهب"..

أسامة شكل مع زملائه من ذوي الاحتياجات الخاصة في الأمانة، تجمعا خاصا بهم، حيث وصل عددهم إلى 185، "نريد أن تصل مطالبنا وحقوقنا إلى الإدارة العليا، وهذا من حقنا".


لأن واقع الحال صعب للغاية، فللمكفوف رصيد كبير من المعاناة، وأن تتواصل مع الصوت "له حزن كبير في نفوسنا". وإذا أراد أحدهم أن يطلب حقه في العمل "يوسعونا تهديدا، كخصم راتب أو إنذار أو شيء من هذا القبيل".

وأمام ظروف العمل التي يعيشها أسامة وزملائه، فيأتي قانون رعاية المعاقين لسنة 1993 وينص في مادته رقم (3) بند (ج) أن للمعوقين الحق في العمل الذي يتناسب مع قدراتهم ومؤهلاتهم وحقهم في الرياضة والترويح . أما بند (ط) ينص على أنه يحق للمعوقين في المشاركة في صنع القرارات المتعلقة بهم.

عدم شمول الكل
"صدرت بعض القرارات لمصلحة ذوي الاحتياجات الخاصة، وكانت لناس معينين، والقرار إن صدر بحق مجموعة استفاد منه البعض، فلماذا لا يتم تعميم القرار على الجميع، وليس على البعض"..حيث أن أسامة في أمانة عمان يعمل بشكل نشط يوميا لأجل أن يعاملوا كما الآخرين وإعطائهم حقوقهم العادلة.

ويتساءل "لماذا صدر قرار عن إدارة أمانة عمان بزيادة قدرها 20 دينارا، لجميع موظفي ذوي الاحتياجات الخاصة في الأمانة، وعندما طُبق كان على 13 موظف فقط من أصل 185 موظفا لماذا"..

وأبسط ما يريدونه هو أن يكون لديهم مندوبا واحدا "يمثلنا عند الإدارة، ففي كل دائرة أو مؤسسة، هناك فئة رياضية واجتماعية إلى آخره...تمثل أعضائها عند الإدارة، أما نحن فمحرومين".

وردا على ذلك، قام أسامة ومن معه، بإجراء انتخابات فيما بينهم، لأجل أن يكون لهم الصوت لدى الإدارة. يقول: "من حق المسؤولين الاستماع إلينا ومتابعة قضايانا".

مطالب هل تتحقق؟
ويعدد مطالبهم وهي: أولاً أن يكون لها مندوبا يمثلهم أمام الإدارة العليا، ثانيا أن تعمم جميع القرارات التي تخص جميع ذوي الاحتياجات الخاصة بدون استثناءات، ثالثا تحسين أماكن العمل لمأموري المقاسم، وتأمين المواصلات لهم أو إعطائهم مال بدلا عن تكلفة المواصلات..

"في بعض مناطق الأمانة تؤمن المواصلات لموظفيها من ذوي الاحتياجات الخاصة، أما مناطق أخرى فلا يوجد، وهي وفق المزاجية، وقدمنا طلبا للمسؤولين إلا أنهم قالوا إنها ليست من مسؤولياتهم".

ولم يقفوا مكتوفي الأيدي كل من أسامة وباقي زملائه.. "قدمنا طلبات كثيرة، وذهبت إلى مديرينا معترضا، ومكافئة للاعتراض قام بنقلي إلى مكتب آخر مساحته 1 متر في 1 متر".

المكفوفون..موعودين بلقاء أمين عمان عمر المعاني منتصف حزيران الجاري، "وإن لم تنفذ مطالبنا قد ننفذ اعتصاما أو إضرابا حتى نيل حقوقنا".

ومعدل رواتب المكفوفين متفاوتة، بين "مقطوع" و"مياومة".. والمياومة لا تزيد عن 4 دنانير في اليوم، والمقطوع 200 دينار في الشهر.. والمطالبة "أن نكون معينّين بالمقطوع لا بالمياومة. ما المانع من أن يُوظف منا سنويا 10"..

وخليل 28 عاما، يعمل في الأمانة منذ 3 سنوات، كفيف، يقول: "كل ما أطلبه هو أن يكون راتبي مقطوع ومع تثبيت فقط".

منذ سنة ونصف وخليل يطالب بتعديل أوضاعه..ولا يسعه أن يقول سوى "نحن مظلومين..وإذا ما اشتكيت وتكلمت يهددوني بالفصل وبعقوبات شديدة".

وبحسب قانون رعاية المعاقين، فلمؤسسات القطاع العام والخاص والشركات أن تستخدم ما لا يقل واحدا من المعاقين في العاملين الذين يزيد عددهم عن 25 ولا يتجاوزوا 50 عاملا، فإذا زاد عدد العاملين في أي منها على 50 عاملا تخصص ما لا تقل نسبته عن 2% من عدد العاملين المعاقين وعلى أن لا يتعارض نوع الإعاقة مع طبيعة عمل المؤسسة..

ويقول مساعد الوكيل للشؤون الإدارية، في أمانة عمان، إسماعيل الأسطة، إن مطالب ذوي الاحتياجات الخاصة محل دراسة لديهم.."و197 موظفا من ذوي الاحتياجات الخاصة ستكون طلباتهم الآن محل متابعة؛ من تعديل أجور وتأمين وسائل لنقلهم من وإلى بيوتهم، ووضع بعضهم في أماكن عمل تتناسب ومؤهلاتهم العلمية"..


وحول زيادة رواتب البعض منهم على حساب آخرين، يرد الأسطة.."نقوم بزيادتهم على مراحل، والمرحلة الأولى كانت على 13 موظفا ممن يعانون من فقدان للبصر بشكل كلي، والمرحلة الثانية تستهدف الذين يعانون من إعاقات حركية جزئية، وننظر بجدية لطالبتهم"..موضحا "أن الكلف المالية المترتبة على زيادة كل موظف عشرة دنانير تكلفنا ما يقارب 50 ألف دينار، وهذا ما يحتاج إلى رصد بالمخصصات وفي الموازنة وجداول التشكيلات".

"وقامت الإدارة بتعميم طلب إلى كافة مديريات الأمانة يقضي بضرورة تأمين مواصلات لموظفيهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، وخاصة لـ37 شخصا على وجه التحديد، والآن يجري اختبار قدراتهم في مجالات أخرى للاستفادة منهم في مجالات نحن بحاجة لها".

لقاء مرتقب بين الأمين عمر المعاني وعدد من ذوي الاحتياجات الخاصة، سيكون أواخر حزيران الجاري، كما يؤكد إسماعيل الأسطة..وحول موضوع تجمع لذوي الاحتياجات الخاصة لموظفي الأمانة، يقول إن "باستطاعتهم أن يقوموا بالتجمع الذين يردونه، ولا دخل لأمانة عمان بذلك هم أحرار ولا أحد يستطيع التدخل بشؤونهم عندها".

ومطالب ذوي الاحتياجات الخاصة، "موضع متابعة واهتمام من قبل الإدارة العليا، وتتلخص في عدة نقاط وهي.."تحويلهم من مياومة إلى مقطوع، وزيادة الرواتب تكون مشمولة للجميع، والسماح لهم باختيار واحدا منهم لكي يكون ممثلا عنهم عند الإدارة"..

بخلاف أسامة وخليل، فإن أوضاع المكفوفة بثينة في العمل "جيدة جدا" وتقول: "لا أقدر أن أقول سوى أني أفضل حالا من بعض المكفوفين، فأنا مثبتة في عملي والمكتب واسع ومريح، ونريد أن يكون المقسم في الطابق الأول لتسهيل العمل على المقعدين حركيا..".

لم تشأ بثينة أن تتحدث عن ظروف عمل زملائها، ولكنها ترى أن ساعات العمل الطويلة ووضع سماعة الهاتف على أذنها طوال الوقت، "أمر متعب للغايةً" وما يزيدها تعبا "سبع ساعات من العمل المتواصل بدون انقطاع".

منذ 11 عاما.. مكافئة لمرة واحدة
باسلة، مأمورة مقسم في مؤسسة التطوير الحضري والإسكان، منذ 11 عاما، وبراتب لا يتجاوز 170 دينارا، حاولت عبر سنوات عملها، المطالبة "بزيادة راتبي" ولم تقف عند هذه النقطة فحسب إنما "المطالبة بتحويلي إلى راتب مقطوع بدل من عقد سنوي"..والعقد السنوي لا يتيح لها المجال بالاستفادة من الزيادات السنوية"..وفعلا الزيادة الأخيرة التي جاءت للموظفين لم تشمل باسلة.

"إن شاء الله بصير خير" كلمة اعتادت عليها باسلة دوما عند تقديم مطالبها للإدارة.. وحالها تلخصه بالقول: "لا زيادات على الراتب، ومصاعب جمة في العمل ومع ساعات عمل طويلة أضحى جسدي ممتلئا بالأمراض"..ومنذ 11 عاما لم تكافئ باسلة سوى مرة واحدة.."وهذه المكافئة والحمد الله كانت قليلة ولا توازي الجهد الكبير الذي أبذله ككفيفة، ولم يكونوا عادلين لأن البعض أخذ مكافئات مجزية أكثر منا"..

الظروف الاقتصادية التي طرأت على البلد، أثرت على الجميع وترى باسلة أنها واحدة من المجتمع.."بالتالي، فمن حقهم أن يزيدوا راتبي، لأنه غير مجدي..راتبي 170 دينارا، أدفع منه 80 دينارا للتكسي، ليأخذوني من وإلى البيت وماذا تبقى لي آخر الشهر..وأنا إنسانة مثل البشر أريد أن أصرف".

وتعمل المؤسسة على تحسين رواتب موظفيها، ويتحقق ذلك بدوام إضافي، تقول حول ذلك باسلة: "دوام من الساعة الثامنة صباحا حتى الخامسة مساءً، والمبلغ 18 دينار فقط"..والتعب يكمن لديها "أعاني من أمراض: الديسك، الالتهاب الأذن الوسطى، شد عضلي، وآلام في المفاصل، لا يوجد رحمة لديهم وأنا أعلم أنه ليس فقط في مؤسستي بل بجميع المؤسسات".

ساعات طويلة
إيناس الطريفي، مديرة مركز السعودي للمكفوفات، تشّبه معاناة المكفوف الذي يرد على الهاتف طوال الوقت كمعاناة السائق الذي يجلس خلف المقود لساعات عمل طويلة، وهذا ينعكس سلبا على صحته..ولا يزال نظام "الشفتات" غير موجود في عملهم وهذا ما يزيد الأعباء عليهم كثيرا.

وتتساءل إيناس "لماذا لا يكون دوامهم محددا؟ ويكون في ساعات عمل تصل إلى 3 ساعات لكل واحد منهم، بدلا من دوام ثلاثة أيام متتالية.. حقا إنها لساعات عمل مهلكة لهم كبشر".

أضف تعليقك