مقالات الصحف اليومية أثناء الحرب.. الكتابة بهدوء عن أحداث مشتعلة

مقالات الصحف اليومية أثناء الحرب.. الكتابة بهدوء عن أحداث مشتعلة
الرابط المختصر

لم يكن لأيٍ من الصحف الأردنية مصدرٌ خاصٌ يزودها بالخبر من أرض المعركة في غزة باستثناء محدود في صحيفة "الدستور"، وقد اعتمدت الصحف عموماً في التغطية على أخبار وكالات الأنباء. مع أن هذه الأخبار بدورها، لم تكن تلفت الانتباه كثيراً، لسببٍ بسيط، هو أنها ما أن تنشرها الصحف حتى تكون قد أصبحت أخبارا قديمة جداً، فقد تكَفّلت الفضائيات بأمر المتابعة الحثيثة والطازجة.

 

لكن الصحف لم تعدم وسيلةً بديلة للتعويض عن نقص الخبر الخاص. لقد لجأت إلى التكثير من المقالات والتعليقات والانفعالات الخاصة وأحياناً الخاصة جداً. ومن حُسن الحظ أن الصحافة الأردنية وجدت نفسها في هذه الحدث، مثلها مثل باقي المجتمع، يسيرون بالتوازي أو على الأقل بلا صدام مع الموقف الرسمي، وهو ما أتاح المجال أمام كل من يرغب في إبداء رأيه أن يفعل.

ولمواجهة هذا الارتفاع في العرض من الآراء، سنجد أن صحيفة "الرأي" مثلاً زادت حجم المساحة المخصصة للمقالات والتعليقات، فضلاً عن إضافة نصف صفحة مخصصة لرسائل القراء التي بدورها كانت تحمل المقالات أو ما يشبه المقالات حول نفس الحدث. وبالطبع وكما هي العادة، فإن "وجاهة المرسل" هي التي تُحدّد إِنْ كانت مقالتُه ستنضم إلى المقالات في الصفحة الرئيسية، أم أنها ستكون إلى جانب آراء القراء في الجزء المخصص لهم، وذلك انسجاماً مع التقليد الصحفي الأردني الذي يعتبر صفحة القراء مساحة أدنى، من حيث "الوجاهة الصحفية"، من باقي المساحات.

لقد اتجهت أقلام كتاب المقالات في الصحافة اليومية الأردنية نحو جهتين رئيسيتين، الأولى نحو المعركة مباشرة وما يتصل بها من مواقف للأطراف الخارجية ذات العلاقة، والأخرى نحو الداخل أي نحو الموقف الأردني الرسمي والشعبي.

وفي الحالتين كان هناك متسع لكل الآراء. غير أن الصنف الثاني من المقالات أي ذاك المتجه نحو الداخل كانت فيه بعض العناصر الجديدة هذه المرة، لسبب لا علاقة له بتجديد الموقف الصحفي لا للكتاب أنفسهم ولا للصحف التي يكتبون بها.
يقول كاتب في صحيفة "العرب اليوم" وهي التي عرفت بأنها تضم عدداً اكبر نسبيا من الكتاب المعارضين (كما يسميهم الآخرون) أو المستقلين (كما يسمون أنفسهم)، يقول هذا الكاتب، أنه وزملاءه في الصحيفة اعتادوا في أحداث مشابهة، حرب تموز 2006 مثلاً، اعتادوا على مجادلة الآراء المطروحة من قبل زملائهم في الصحف الأخرى، أما هذه المرة فلم يكن هناك مجال للكثير من الجدال الداخلي.

ورغم سخونة المعركة التي كتب عنها الكتاب مقالاتهم، إلا أن تلك المقالات كتبت ونشرت بهدوء نسبي لم يزعزعه سوى بعض الطلقات المتفرقة المتبادلة بين مقالة وأخرى. ومن حسن الحظ ربما، أن الموقف الرسمي من العدوان لم يكن موضع جدل كبير، ولكن من حسن الحظ بالتأكيد، أن الحرب جاءت في ظل مصالحة مع الطرف الذي يخوضها بمواجهة إسرائيل، أي حركة "حماس" تحديداً، ومصالحة موازية مع الإسلاميين الأردنيين بعد زمن شهدت فيه العلاقة الحكومية مع هذين الطرفين توتراً شديداً.

ولهذا لم تجد الصحف ولا كتّابها أي حرج في الحديث عن مقاومة حماس وصمودها ولا في تغطية مواقف ونشاطات الإسلاميين الأردنيين وغيرهم والتعليق عليها.

لقد كان لافتاً مثلاً أن كاتباً اشتهر في انتقاده لحماس والإسلاميين في صحيفة "الرأي" وجد نفسه يبحث عن زوايا نظر أخرى، وعندما أراد انتقاد أحد بيانات الإسلاميين استخدم عبارة "إحدى الجهات الحزبية"، واستعمل تعبيرات مثل "غير موفق" أو "ابتعد عن الاتجاه الصحيح"، وهو الذي اعتاد على استخدام ما يشاء من مصطلحات وشتائم احياناً.

غير أن الصورة عموماً ستتغير بعض الشيء في الأيام الأخيرة، وبالتحديد منذ أن طرحت قضية قمة الدوحة التي شكّلت ميداناً للجدال حول الموقف الرسمي، وهو بدوره ما شكّل ميداناً لعودة التمييز بين مواقف الكتاب والصحف التي يكتبون بها.

في صحيفة "الدستور" مثلاً، وجدت قمة الدوحة من يدافع عنها من دون توجيه انتقاد للموقف الرسمي ولكن بنفس الوقت كانت افتتاحية الصحيفة تحمل دفاعاً كلاسيكياً عن هذا الموقف. وفي صحيفة "الرأي" واصل أغلب الكتاب تأييدهم للموقف الرسمي، بل إن مقالة القيادي في الحركة الإسلامية رحيل الغريبة التي يكتبها اسبوعياً في "الرأي" تحدثت عن مواصفات "قمة عربية ستعقد" على العموم دون ذكر كلمة "الدوحة"، لكن المفارقة الطريفة أن مقالة لكاتب عرف بموالاته نشرت في نفس الصحيفة أي "الرأي" يوم انعقاد القمة وهي تبتدئ بعبارة تقول: "أما وقد اكتمل نصاب قمة الدوحة"، ويتابع كاتبها توقعه حضور الجميع، فيما لم يكن النصاب قد اكتمل ولم يحضرها سوى القليل.

من جهتها، صحيفة "الغد" استعادت تنوعها المألوف بين مقالات تنتقد وأخرى تدافع عن الموقف الرسمي من قمة الدوحة، فيما واصل كتاب "العرب اليوم" لغتهم المعتادة، فانتقد رئيس تحريرها عدم الحضور وسياسة "مسك العصا من الوسط" فيما دعا مدير تحريرها إلى الخضوع لضغوطات وحسابات الرياض والقاهرة واعتبر أن التغيب موقف جانبه الصواب.
هي إذن ثلاثة أسابيع عاشها كتّاب الصحف بهدوء رغم أنهم كانوا يكتبون عن أحداث مشتعلة، غير أن أحداً لا يضمن أن هدوء الأحداث المحتمل في ساحة المعركة، لن يمنع اشتعال المقالات من جديد.