مفتاح لكل مواطن
لا علاقة لهذا العنوان بالشقق السكنية والإعلان عنها بيعا وشراء وتأجيرا واستئجارا، ولا للبيوت المخصصة لذوي الدخل المحدود، ولا حتى بالمفاتيح المعدنية أو البلاستيكية أو البطاقات الممغنطة ذوات الأرقام السرية التي تفتح أبواب الخزنات أو أبواب مكاتب كبار المسؤولين، ولا أي شيء من هذا القبيل. بل إن المفاتيح التي تتناولها هذه المقالة هي شكل من أشكال التعبير المجازي غير الموفق عن أناس حط أبناء مجتمعنا من أقدارهم ومقاماتهم الرفيعة وحولوهم إلى مجرد (مفاتيح) أو أدوات يستخدمونها للوصول إلى غاياتهم أو دمى متحركة يوجهونها يمينا وشمالا لتحقيق مصالحهم ما عظم منها وما صغر، مثلما حولوا المسؤولين وأصحاب النفوذ والسلطة والجاه إلى أبواب خشبية أو حديدية يفتحونها بمفاتيحهم تلك ويدفعونها بأيديهم فتفتح! لقد شاعت في مجتمعنا عبارة أو سؤال: فلان من مفتاحه؟ يقصدون بذلك هؤلاء الأشخاص الذين لهم دالة على هذا المسؤول أو ذاك. وغالبا ما تكون الإجابة عن هذا السؤال: مفتاح فلان هو أقرب أصدقائه إليه فلان الفلاني، أو صهره فلان، أو جاره فلان، أو زوج أخته، أو شقيق زوجته، أو أي شخص آخر. وعلى ذلك قد يكتشف الناس خلال بحثهم عن مفتاح مسؤول ما أن له عدة مفاتيح قد تكثر أو تقل بحسب علاقاته الاجتماعية وارتباطاته وامتداداته الجغرافية والعشائرية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وعند ذلك تبدأ هذه المفاتيح بالحراك داخل دماغه ليلا ونهارا إلى أن ينجح أحد (المفاتيح) بفتح المغاليق ونيل المطلوب.
لقد أصبح السؤال عن ا(المفاتيح) يشكل ثقافة مجتمعية متفشية بشكل كبير وتدل على افتقار أكثر من يستخدمها إلى اللباقة عندما يشبهون من له دالة على المسؤول بالمفتاح ويشبهون المسؤول بالباب. وإذا استمر انتشار هذه الثقافة -لا قدر الله- فربما نسمع يوما عن شخص يسأل عن (ماستركي) لعدد كبير من المسؤولين في وقت واحد، أو ربما يجري تقليد بعض المفاتيح وتزويرها، ثم استخدامها لأغراض غير مشروعة، وربما يبلغ الأمر بأن يصبح لكل مواطن مفتاح أو أكثر يصل به إلى أي مسؤول يريد.
إن ثقافة المفاتيح البشرية والأبواب البشرية ثقافة مقترنة بالتخلف والفساد والتراخي وضعف الأداء، ولا يمكن أن تختفي من أي مجتمع إلا بتعزيز المؤسسية وإحكام القوانين في كل شأن من شؤون الحياة، بحيث تصبح هذه القوانين مفاتيح لكل مستغلق من الحقوق وطريقا وحيدا لتحقيق الغايات والمطالب والأهداف وسائر الطموحات والتطلعات، فالقوانين هي التي تضمن انتشار العدل، وتمهد الطريق للتطور والنهضة والازدهار.











































