لم أستغرب كثيرا عبارة "ناشطة"، في فعالية في عمّان، لتشجيع الأردنيات على الانخراط في الحياة السياسية، وتحديدا الانضمام إلى الأحزاب، حين قالت "المفروض عزمتو زوجي على هذه المحاضرة وليس أنا". ارتفعت على إثرها الضحكات في القاعة التي امتلأت بالنساء الفاعلات في العمل العام بمفهومه المجتمعي من مختلف المحافظات الأردنية، وهو ما أثار بالفعل استغرابي!
ما قالته السيدة شديد الواقعية رغم سخريته بحسب تعقيبها: كيف سأقرّر أنا هل سأنضم إلى حزب أم لا إذا كان هذا القرار ليس ملكي، بل هو ملك للعائلة حينا، والعشيرة أحيانا أخرى .. فأنا شخصيا (كما قالت) لم يسمح لي زوجي بإنشاء حساب على مواقع التواصل الاجتماعي إلا قبل سنوات قليلة، رغم أنها ناشطة مجتمعية في محافظتها أكثر من عشرين عاما، وهي ليست وحدها بالمناسبة.
يكثر الحديث حاليا عن تشجيع النساء والشبان على التعرّف إلى العمل الحزبي وتأثيره الإيجابي على المشهد السياسي، تحضيرا لانتخابات قادمة تخوضها أحزابٌ تشجّع الدولة على تشكيلها وانضمام المواطنين إليها، ولا يهمّ إذا كانوا قد تمت تهيئتهم فكريا وثقافيا لذلك أم لا، بعد عقود من التقييد على الأحزاب ومن ينضم إليها، فحتى وقت قريب، وربما ما زال الأمر قائما، لا عمل ولا فرص لهم إن نجوا من التضييق في أسوأ الأحوال. إذ تكرّر سؤال في الجلسة وغيرها من جلسات مشابهة باتت تعقد أسبوعيا في مختلف محافظات المملكة، عن بدهيات العمل الحزبي، بل سألت إحداهن مرّة: ماذا يعني حزب؟!
نسبة الإناث في الأحزاب السياسية في الأردن 34.83%، فيما بلغ عدد القياديات فيها 158 امرأة
أمام الأردنيين طريق طويلة لرفع الوعي ووقف التخوف من مجرّد كلمة "حزب" في الدرجة الأولى، وقد تكون البداية جيدة من المناهج المدرسية على سبيل التجربة، وربما يكون إقرار نظام ممارسة الأنشطة الحزبية الطلابية في الجامعات بداية الانفراجة فعلا، ولكن تطبيقه مرتبط بالإرادة السياسية والأمنية الحقيقية في نهاية المطاف.
ومن جهة أساسية، ما زال المجتمع الأردني أصلا يرى في مشاركة المرأة السياسية خروجا عن الدور التقليدي الذي تؤطّر به، وأن مشاركتها في الانتخابات وإقرار مقاعد مخصّصة لها في البرلمان والمجالس المحلية ترف ومبالغة، وانسياق أعمى وراء تيارات نسوية وشعارات تمكين المرأة الهدامة، والتي تهدّد أمن المجتمع المحافظ واستقراره.
ومن قرّرن خوض غمار العمل السياسي عامة، والحزبي خاصة، يتعرّضن لمحدّداتٍ كثيرة، أقلها التنمّر والتقليل من وجودهن، بل هناك من يرى أن من السهولة التحكّم بهن والقرار بالنيابة عنهن لأي حزب تنتمي وإلى أي مرجعية تعود، ألم تعلن سيدة لها تجربة واسعة في العمل العام والحزبي أن مسؤولا أمنيا استدعاها، وطلب منها تغيير الحزب الذي انتسبت إليه، والانتقال إلى حزب آخر أسلم لها ولعملها؟!
للمرأة مساهمة حقيقية في صياغة المشهد العام ومخرجاته
ما زالت الجهود المبذولة للوقوف في مجابهة هذا التيار الغالب غير كافية، رغم ارتفاع عدد الوزيرات في الحكومة الحالية، ووجودهن ضمن الحد الأدنى الذي يكفله القانون في البرلمان والمجالس المحلية، إلا أن شكل هذه المشاركة يتماشى مع التيار المناهض "للتمكين أصلا". ولا يحتاج الأمر لوقتٍ كثير لاستنتاج ذلك، فمراقبة الأداء البرلماني في جلسة أو جلستين على الأكثر كافٍ لنلمس مدى تواضع الحضور النسوي التشريعي وتاثيرهن السياسي حاليا.
لا توجد إحصائية دقيقة تبين عدد النساء الحزبيات في الأردن، رغم النماذج الفردية القليلة المتميزة. وقد بيّنت إحصائيات وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية حتى نهاية شهر مارس/ آذار 2022، أن نسبة الإناث في الأحزاب بلغت 34.83%، فيما بلغ عدد القياديات فيها 158 امرأة حتى شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه. وهذه الإحصائية نفسها تشوبها عدم الدقة، فقاعدة البيانات في الوزارة قبل ذلك التاريخ لم يجر تجديدها على مدار سنوات عديدة (بحسب عارفين)، بل إن حالات وفاة حصلت ولم تصوّب في القوائم السابقة.
على المستوى العددي، سيرتفع عدد النساء المنخرطات في العمل الحزبي حتما، إذ إنه وفقا لمخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، يجب أن تكون نسبة النساء في الأحزاب لا تقل عن 20%، ولكننا لا نريد أن تبقى مشاركة النساء الحزبية الفعلية كمثيلتها في الانتخابات، بأن يتحقق حضور نسوي عددي من دون تأثير نوعي ملموس، ومن دون وعي مجتمعي حقيقي بأن للمرأة مساهمة حقيقية في صياغة المشهد العام ومخرجاته، وأن لها بصمة وأثرا ورأيا لا تنتقص منه أنوثتها وأمومتها شيئا، فهي مواطنة بالدرجة الأولى لها الحقوق نفسها وعليها الواجبات نفسها.
العربي الجديد