معارك الصحافة: تخوين وتشكيك بعيدا عن الحوار

معارك الصحافة: تخوين وتشكيك بعيدا عن الحوار
الرابط المختصر

شهد الوسط الاعلامي الاردني خلال الأيام الاخيرة ما يشبه "المعركة" على ضوء صدور تقرير الحريات الاعلامية عن مركز حماية وحرية الصحفيين،

وقد اشهرت هذه المعركة اسلحة التشكيك والتخوين فيما غابت لغة الحوار.
في الثاني من شهر ايار الحالي اصدر مركز حماية وحرية الصحفيين تقريره الخامس حول "حالة الحريات الاعلامية لعام 2006" في الاردن، وفيما سجل التقرير تراجعا لهذه الحريات قياسا بالعام السابق وقياسا بطموحات الوسط الاعلامي، فان القسم الوارد حول دور نقابة الصحفيين الاردنيين هو اكثر ما اثار الجدل او "اللغط" او التشكيك ليس بالتقرير وانما بدور المركز وكل مراكز او مؤسسات المجتمع المدني التي تتلقى تمويلا خارجيا.
وقد سجل التقرير في الاستطلاع الذي شمل عينة من 250 صحفيا بينهم 195 من المنتسبين الى نقابة الصحفيين ان "رؤية الإعلاميين لدور النقابة وان شهد تحسنا طفيفا ولكن الأغلبية من الصحفيين غير راضية عن أدائها في الدفاع عن الصحفيين ،حيث وصف 8ر64% دورها بأنه فعال بدرجة متوسطة وقليلة وغير فعالة إطلاقا" .
وعلى صعيد تطوير الحالة المهنية فقد اظهر الاستطلاع ان "الأمور تراجعت بشكل اكبر ليصل نسبة غير الراضين عن أدائها (نقابة الصحفيين) إلى 8ر80% وهم ممن وصفوا فعالية دورها بالمتوسط والقليل وغير الفعال إطلاقا" .
وبمقارنة "النتائج فان من اعتقدوا بان النقابة تلعب دورا فاعلا في الدفاع عن الحريات في هذا الاستطلاع بلغ 34%، وكانت النسبة في عام 2005 بلغت 3ر31% .
وعلى صعيد الحالة المهنية فان من اعتبرها فعالة بدرجة كبيرة بلغت نسبتهم 8ر16% وكانت في عام 2005 ما نسبته 16%".
وخلص التقرير الى ان " التحسن الطفيف على دور النقابة يعود إلى تحركها في مواجهة مشروع قانون المطبوعات والنشر، ولكن الواضح أن المؤشر لم يتغير بشكل جذري فالأغلبية الإعلامية غير راضية وربما تنتظر منها دورا أكثر فاعلية ومبادرات يمكن تلمس آثارها".
على ان خلاصة التقرير هذه حول دور النقابة لم يرض القائمين عليها فقد شكك مجلس نقابة الصحفيين بنتائج استطلاع المركز فيما يخص دور النقابة تحديدا.
واعتبر مجلس النقابة في اجتماع عقد في السادس من الشهر الجاري أن "الاستطلاع تضمن تلاعبا بالنتائج ووظفها في انتقاد دور النقابة الممثل الوحيد للجسم الصحفي بالمملكة وشكك بمواقفها في الدفاع عن الحريات العامة والاعلامية".
وأشار المجلس الى أن "القائمين على المركز يحاولون استغلال أي مناسبة للهجوم على انجازات النقابة التي انعكست على ارض الواقع خلال السنوات الاخيرة خاصة في مجال الدفاع عن الحريات العامة وفي مقدمتها حرية الصحافة".
ولفت المجلس الى مواقف النقابة فيما "يخص عدم الالزامية التي تمخضت عن الاجندة الوطنية وقانون المطبوعات والنشر الاخير وتحركاتها لاستيعاب أي اشكالية تحصل مع الزملاء من داخل وخارج اعضاء الهيئة العامة للنقابة الى جانب جهودها في تأمين اكبر قدر من الخدمات والانجازات وتعاونها مع المجلس الاعلى للاعلام في مجال التدريب اثمرت في تحقيق المزيد من المكتسبات للزملاء..بالاضافة الى تفاعلها مع الاحداث على امتداد الساحة العربية والدولية والنشاطات المحلية والعربية والدولية التي شاركت فيها حظيت على تقدير وشكر وثناء الهيئة العامة في اجتماعاتها المتتالية.
وفيما يشبه التهديد اكد المجلس "دراسته حاليا للطرق القانونية الكفيلة بوقف اعمال ما تسمى بالمؤسسات التجارية(غير الربحية) خاصة التي تستخدم قضايا الصحفيين بممارسة أعمال ربحية..داعين الحكومة الى سن تشريع يراقب اعمال هذه المؤسسات والمراكز التجارية من الجوانب المالية خصوصا وان نشاطات معظمها تقوم على التمويل الخارجي".
كما شدد المجلس على "معارضته لاي تمويل اجنبي الا من خلال مؤسسات وقنوات تحكمها القوانين والانظمة على ان يدخل مثل هذا التمويل في ميزانيات المؤسسات المراقبة من قبل هيئاتها العامة لا ان يدار بتفرد من قبل هذه المؤسسات التجارية التي تعتبر نفسها غير ربحية. واشار المجلس الى ان تقريره السنوي الذي عرض على الهيئة العامة مؤخرا تضمن جميع المحطات التي تصدى فيها مجلس النقابة لتعزيز الحريات العامة ومتابعته لكل شكوى وردت الى النقابة من اي زميل مع الجهات المعنية بهدف حلها..مؤكدا انه يعمل في هذا الاطار بهدوء وبعيدا عن التصعيد وتسجيل المواقف التي لا تؤدي الى نتيجة وتعود بالضرر البالغ على الزميل المشتكي.
وفي تصريحات للصحيفة الغد (10/5) عاد النقيب طارق المومني واكد على أن مجلس النقابة يدرس جميع الجوانب القانونية للتمويل الخارجي للمؤسسات "غير الربحية"، سيما وأنه لا يوجد تشريع قانوني يراقب أعمال هذه المؤسسات".
بعيدا عن "التمويل الاجنبي" ومحاولة البعض استخدامه كسلاح ضد بعض مؤسسات المجتمع المدني، فان موقف نقابة الصحفيين الذي اثر استخدام هذا السلاح لما يثيره في النفس من "عصبية"، فان النقابة لم تلجأ للدفاع عن نفسها بتقديم كشف لما قامت به حقا للدفاع عن حقوق الصحفيين وهي وبعض مجلسها متهم فعلا بالرضوخ للضغوطات الحكومية كما حصل في قضية وقف طباعة صحيفة "المجد" الاسبوعية التي كادت ان تودي بالمجلس نفسه بعد احتجاج بعض اعضائه على موقف النقيب الذي ساند رؤية الناطق باسم الحكومة الوزير ناصر جودة.
من يتابع هذه "المعركة" التي انتقلت الى صفحات الصحف يلحظ ان النقابة او بعض من كتب ضد التقرير تجاهل تماما مناقشة التقرير نفسه، ومناقشة المنهجية التي تم بناء التقرير عليها، كمناقشة العينة التي شملها الاستطلاع ومدى تمثيلها وطبيعة الاسئلة الموجهة وحتى اذا كانت منهجية الاستطلاع صالحة لاصدار تقرير كهذا بعيدا عن التوثيق وخاصة في قضية التوقيف.
واذا كان موقف لنقابة قد اثر اللجوء الى طرح قضية التمويل الاجنبي بدلا عن نقاش فحوى التقرير فان صحفا كصحيفة "الغد" انساقت وراء هذا التوجه، وفي تقرير لها بتاريخ (10/5)، ركزت فيه على موضوع التمويل الاجنبي في حين تجاهلت ما ورد في التقرير وراي الاوساط الاعلامية فيه.
على ان الدفع بقضية التمويل الاجنبي لم تكن هي التوجه الوحيد للتشكيك يالتقرير، فقد قام اثنان من اعضاء النقابة ممن سجل التقرير شهادتهما حول الحريات العامة بنفي ما ورد على لسانها في التقرير.
وقد اصدر الصحفيان خالد فخيدة واحمد الطيب تصريحات صحفية قالا فيها ان ما ورد في تقرير حالة الحريات حول الرقابة المسبقة خاصة عند طباعة الصحيفة من قبل المطبوعات والنشر بناء على طلب المخابرات العامة او شخصيات أخرى ليس صحيحا.
وهذه هي المرة الاولى التي يقوم به صحفيون بنفي ما ورد من اقوال لهم في التقرير، كما هي المرة الاولى التي يثير فيها التقرير رد فعل كهذا من جانب النقابة، ورغم ان الصحفيين فخيدة والطيب ينفيان تعرضهما لاي ضغوط حملتهما على النفي، يقول مدير مركز حماية وحرية الصحفيين ان "الزميلان لم يوضحا ما هي الاجزاء في شهادتهما التي وردت بشكل غير دقيق"، مؤكدا على ان شهادة "الزميلان فخيدة والطيب كانت ايجابية بشكل عام، لذلك فمن المستغرب ان ينفيا اقوالهما".
على أي حال، فان النقاش حول تقرير الحريات الاعلامية اظهر ان لغة الحوار لا تزال بعيدة عن الوسط الاعلامي وان "التشكيك" هو السلاح الامضى، ويبدو ان عادة اصدار التقارير حول الحريات او الانتهاكات لا يزال بعيدا عن ان يصبح تقليدا في الاردن، فكلما صدر تقرر من مؤسسة محلية او اجنبية جوبه بحملة تشكيك او بحملة لاثارة الغرائز والعصبيات كما حصل مع التقارير الدولية حول انتهاكات حقوق العمال الوافدين على سبيل المثال.
اذا كانت قضية التمويل الاجنبي شانا يتعلق بمؤسسات او دوائر حكومية معنية من شانها اخضاع هذا التويل للرقابة او او سن تشريع قانوني ما ينظم هذا النشاط، فان دور مؤسسات المجتمع المدني والصحافة هو الرد على هذه التقرير باعتماد لغة الحوار كشركاء لا كخصوم.

أضف تعليقك