معارضة نيابية غير تقليدية.. ومخرج حكومي تقليدي

الرابط المختصر

بدأت شرارة الأزمة الأخيرة بين النواب والحكومة الجديدة من الجنوب وتحديداً محافظة الكرك، الذي بدأ نوابها بالحشد لمعارضة جديدة من نوعها على الحياة السياسة الأردنية احتجاجاً على ما اسموه "عدم العدالة في توزيع المناصب الوزارية في التشكيلة الجديدة جغرافياً".الاحتجاج الذي بدأ جنوبياً ما لبث أن انتقل إلى مناطق أردنية مختلفة، وبسرعة فائقة استطاع نواب محافظة الكرك استقطاب نواب دوائر البدو الثلاث "الوسط والشمال والجنوب" و نواب المخيمات والزرقاء والبلقاء وغيرها من المناطق.



واعتبر مراقبون أن النواب تصرفوا بذكاء سياسي في توجيه احتجاجهم من منطلقات جغرافية وعشائرية- كما كان في البداية – إلى منطلقات مختلفة عندما استقطبوا نائبا من أصول فلسطينية " النائب خليل عطية" وآخر من أصول سورية " النائب مروان سلطان، بالإضافة إلى توسعهم في اجتذاب نواب من غير دوائر الجنوب والبدو في التوقيع على البيان الاحتجاجي والذي بلغ عدد الموقعين عليه 40 نائباً.



ونفى النائب عطية أن يكون قد استقطب للتوقيع على البيان لنفي الصبغة العشائرية عن البيان، وقال: "لا أرضى ان فئة من أبناء هذا الوطن وهم أبناء الجنوب لم يمثلوا تمثيلا حقيقيا في هذه الحكومة، بالإضافة لخلوها من وزراء محسوبين على المخيمات حيث تجاهلهم رئيس الحكومة في هذه التشكيلة مما دفعني لرفض تشكيلة الحكومة والتوقيع على البيان".



وطالب بأن "يشغل أردنيون من اصل فلسطيني، ومن المخيمات تحديدا، وظائف عليا بالدولة من محافظين وأمناء عامين".



وأكد أنه لا يدعو للعشائرية. "دائما الحكومات السابقة كانت تخطيء، هناك حكومات أغفلت الأردنيين من اصل فلسطيني، وتحدثت في ذلك. وعدم وجود مذكرة لايعني رضا الجميع عنها. وألان لما رأيت أن هناك مجموعة من الناس رأيهم منسجم مع رأيي وقعت هذه المذكرة".



وكان البيان شديد اللهجة واتسم بلغة غير مسبوقة في الخطاب النيابي الأردني تجاه الحكومات كانت أبرز الملاحظات فيه " ان المستهدف بطريقة تشكيل الحكومة الأخيرة هو هيبة الدولة الأردنية وهوية الشعب الأردني والتي أصبح يرتع بخيراتها حفنة من الإنتهازيين الفاسدين الذين اثروا على حساب هذا الشعب"، معتبرا أن سلبيات عدم تمثيل الشعب الأردني في الفريق الوزاري تهدف إلى "بذر الشك وزعزعة الولاء".



وشدد البيان على أن "محاولات ضرب الوحدة الوطنية تعد من أهم الأخطار التي تتهدد الوطن والوطنية إلي جانب سياسات التوطين وطمس الهوية الأردنية تماما إلي جانب طمس الهوية الوطنية الفلسطينية حيث جري إستثناء شرائح واسعة من الشعب بباديته وأطيافه ومخيماته وأقاليمه التي تشكل أركانا رئيسية في دعامة النظام مما يصب في سياق المخاطر".



النواب الموقعون اتفقوا على نص البيان ولكنهم اختلفوا في رؤيتهم لسلبيات الحكومة الجديدة، فمنهم من انتقدها من منطلق طبقي، في حين انتقدها البعض الاخر من منطلق عشائري، بينما اتجه آخرون إلى النقد السياسي البحت للأسلوب الذي تم فيه تشكيل الحكومة الجديدة.



النائب محمد البدري "نائب عن العقبة" يرى أن المشكلة في التشكيلة الحكومية الجديدة هو سيطرة وزراء معينين على الحقائب الوزارية، وسببها أصلاً عدم تكافؤ فرص التعليم وخاصة العالي في الأردن مثلا "ابن الوزير لديه إمكانية الدراسة في أميركا وبريطانيا، بينما ابن الفقير من الجنوب يدرس في جامعة مؤتة والذي ينتج تنافساً غير عادل على المناصب الوزارية".



بالنسبة للنائب عبد الله عكايله "الطفيلة" المسألة ليست استثناء اقاليم، وإنما نقاط منهجية وأساسية، يشكل إغفالها مخالفة للدستور والحياة البرلمانية ولتوازن السلطات ومسؤولية السلطة التشريعية اتجاه تشكيل الحكومة، ويضيف العكايلة "النقطة الرئيسية في كل ما حصل ويحصل الان وما يحرك النواب هو تجاهل مجلس النواب والقفز عنه، وعدم مشاورته، كما أصبح أعضاءه كأي مواطن يتكهنون بالحكومة ورئيسها وأعضائها، وهذا فيه إغفال كلي لدور مجلس النواب الذي يعطي الحكومة امكانية الاستمرار ام لا، واصبحت المادة الاولى في الدستور معطله وهي تنص على ان نظام الحكم نيابي ملكي وراثي معطلا، حيث تُشكل الحكومات كصاعقه لا يعلم بها احد ".



وانتقد العكايلة اسناد الحقائب الاقتصادية لفريق من الوزراء ليس لهم مساس واتصال بهموم المواطن، ولا معرفه لديهم بهموم واولويات وجغرافية الشعب الأردني، التي كانت احد النقاط الاساسية التي اثارت سخط النواب وشعروا بها ان الشعب الاردني يجتر مرارة الذل ضعفين وعدم التوازن والعدالة في الاعتراف بكفاءة أبنائه".



من جانبه يرى النائب الإسلامي بدر الرياطي "أن الجنوب ليس عقيماً، ومن الظلم أن لا يخرج من منطقة الجنوب بكاملها إلا وزيرا واحداً، فالشهادات والكفاءات موجودة في الجنوب وعدم اختيار وزراء منه اصبح موضع سخط ".



وخروجاً عن المألوف لم يقم النواب الموقعون على البيان بعرضه على النواب الاسلاميين في المجلس، الذين صرحوا في الوقت ذاته على لسان الناطق باسم كتلتهم في المجلس بأنهم لن ينجروا إلى انتقاد الحكومة والتوقيع على بيانات قبل ان يروا عمل الحكومة على الأرض.



رغم أن الأزمة أخذت ابعاداً كبيرة وغير مسبوقة على الساحة السياسية الأردنية، إلا أنها وحسب التوقعات فقد برزت بوادر انفراج لها بعد اللقاء الذي تم مع الملك عبدالله الثاني مع رئيسي مجلس النواب والأعيان ورؤساء الكتل واللجان النيابية بحضور عدنان بدران رئيس الوزراء.



حيث سادت أجواء انفراج وارتياح بعد التأكيدات الملكية على ضرورة بناء علاقة وثيقة بين مجلسي الأمة والحكومة لتبديد المخاوف التي ثارث مؤخراً في الأوساط النيابية بسبب ظروف تشكيل حكومة بدران.



التطمينات الملكية للنواب بشرت بانفراج الأزمة، وهو ما يتفق مع العرف السياسي الأردني السائد بالخروج من الأزمات التي تصل إلى نقطة اللاحل بين قوى سياسية مختلفة وبين الحكومات باللجوء إلى المرجعية الأردنية العليا وهي الملك.



وفي خطوة تبدو انها تصب في مسار التهدئة الذي بدأه بدران منذ يومين وحسب تسريبات إعلامية أن رئيس الوزراء الجديد يفكر جدياً بتعديل وزاري على حكومته بعد فترة من الوقت لتفادي الانتقادات على عدم تمثيل بعض المحافظات في تشكيلة حكومته الحالية، التي تشمل 8 وزراء من أصول فلسطينية، 4 من مدينة السلط، 5 من مدينة اربد، ووزير من كل من عجلون، جرش، البلقاء، مادبا، الطفيلة، معان، ووزيرين من أصول شركسية، ووزير من أصول إيرانية".

أضف تعليقك