مطلوبون لمحكمة أمن الدولة
يقول بوذا: "إن ثمة خطأين لا ثالث لهما يمكن للمرء أن يقترفهما في سيره نحو الحقيقة: الأول أن لا يقطع الطريق حتى نهايته، والثاني أن لا يبدأ".
في حين باتت عبارات من مثيل "مراجعة الموروث.. وتجديد وإصلاح الخطاب الديني.. والتوافق على مرجعية وسطية.." شعارات موسمية أو أشبه ما تكون بأغاني مرشالية لا تذاع ولا تعلو نبرتها إلا حينما يقع خطبٌ جلل يذهب ضحيته أبرياء على يد إرهابيين الدين محركهم وأداتهم في ما يقترفون، تزداد دعوات التكفير والاتهامات بالزندقة قوةً، مصحوبةً بمطالبات تسعى لملءؤ "رول" محكمة أمن الدولة بقضايا ازدراء الأديان وإهانة الشعور الديني ضد كل من يبحث عن الحقيقة ولو بالتساؤل المشروع والتحليل الموضوعي.
هذه الدعوات ليست موسميةً بل مستصحبة على مدار الساعة، كيف لا وهي المسوغ الذي يستمد منه "مطوّعو" حرية الرأي والتعبير مشروعية وجودهم وممارساتهم، حيث يجلدوننا بألسنتهم وسياطهم ابتغاء "عَرَض الحاية الدنيا" وليجتازوا الصراط على أجسادنا نحو حورهم اللاتي ينتظرنهم منذ الأزل بعد أن دفع رجالهنّ مهرهنّ قمعاً وقهراً وربما قتلا وفق ما يزعمون.
هذه المرة سوف أنضم لجوقة "المطوّعين" وأطالب أيضاً بتحويل العديد من الفارّين من وجه العدالة من مزدري الأديان ومرتكبي جرم إهانة الشعور الديني إلى محكمة أمن الدولة، وعلى رأس هؤلاء رواة الحديث وكتاب السير وعلماء التفسير وأئمة المذاهب. إنني أتهم البخاري ومسلم ومن لفّ لفهما بإهانة الشعور الديني وازدراء الأديان فيما روياه من أحاديث تتهم الرسول عليه السلام بالزواج من طفلة لم يتجاوز عمرها 6 سنوات حين عقد عليها ولم تتجاوز 9 سنوات حين دخل بها وكانت إذ دخل عليها تلهو بدمى صنعتها لنفسها، على حد زعم هؤلاء المزدرين للدين. كما وأتهم القرطبي والطبري وابن كثير وغيرهم بازدراء الأديان بل وبالقدح في رسول الله؛ إذ يزعمون أنه عليه السلام قد دخل على السيدة زينب بنت جحش زوجة ابنه بالتبني دون عقد ودون شهود وأنه كان قد رآها بثياب شافّة وواصفة فتمتم بكلمات لما أثارته في نفسه من مشاعر (والعياذ بالله )! ويتمادى هؤلاء في إستمراء ارتكاب جرم ازدراء الدين بتبرير زعمهم هذا بأنه؛ إنما جاء لتحريم التبني دون أن يقوى أياً منهم على تفسير تحريم عبادة الأوثان التي هي أعظم الكفر بآية وحسب، هذا ناهيك عن تحريم الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير.. التي لم يقتضي حظر تناولها جميعاً تجريب مذاقها وآثارها الصحية الضارة، فلماذا يحتاج تحريم التبني لهذه الطريقة التي تتناقض وصفات أعظم خلق الله إنسانا؟ كيف يجرؤ هؤلاء على تصوير من وصفه الله بأنه على خلق عظيم بهذه الأفعال ثم يبررون فعلتهم المشينة بمثل هذه الحجة الواهية التي تسفّه من العقل الذي كرّم الله به عباده؟
ليت هؤلاء المزدرين لحنيف الدين وقفوا عند هذا الحد بل تجاوزوه لما هو أفظع فاتهموا نبي الأمة بأنه تزوج صفية بنت حيي بن أخطب في اليوم نفسه الذي أمر فيه بقتل زوجها وابن عمها وأخيها بعد أن كان قد قتل أبيها من قبل! ما هي أجندة هؤلاء المغرضين ولحساب أي جهة أجنبية متآمرة يعملون ويختلقون مثل هذه الأساطير طعناً في الدين وتشويهاً له؟
لم يكتفِ هؤلاء الفارين من وجه العدالة بالنيل من الرسول عليه السلام بل سوّلت لهم أنفسهم تصوير الدين الحنيف على أنه ضرب من التعاليم الجامدة غير المتطورة، فجعلوا للمساواة بين الرجل والمرأة مفهوماً خاصاً يُخرج هذا المبدأ الفطري عن سياقه لينقلب لتمييز حقيقي لا تخطؤه السجية السليمة، فزعموا أنّ الرجل المسلم يمكنه الزواج بكتابية بينما المرأة المسلمة لا يمكنها ذلك، وعذرهم في ذلك أقبح من ذنبهم، إذ يزعمون أن مرد هذا الحكم التمييزي هو أن دين الولد لأبيه وليس لأمه بل ولا حتى لاختياره هو! إن هذا عجب عجاب، فقد جعل هؤلاء من الشريعة السمحة أساساً للتمييز واختلقوا منها تبريراً أكثر تمييزاً وعنصريةً وقمعا.
أما عن الحقوق الاقتصادية فحدث ولا حرج، إذ تجرّأت هذه الثلة المزدرية للدين المطلوبة للعدالة فجعلت من صوت المرأة وشعرها وجسدها عورةً، محملينها وزر غرائز بعضهم المنفلتة من عقالها، وزادوا على ذلك تمييزاً مقيتاً فجعلوا عورة الأَمَة مثل عورة الرجل (من الصرة إلى الركبتين)، وكأني بالمرأة الأَمَة –حسب زعمهم- مباحةً وكأنها مال منقول ملكيته على الشيوع وليست إنساناً كرّمه الله الذي لم يفرق في محكم تنزيله بين عباده!
من يستحق أيها السادة أن يمثل أمام محكمة أمن الدولة؟ من الذي يزدري الدين ويهين رموزه بل ويهين من أوحى به وهو سبحانه من يتصف بالعدل المطلق والحكمة الخالصة؟
إذا كانت الدعوى الجنائية تنقضي بموت الجاني، فإن ما خلّفه الجاني من آثار لجريمته يجب أن يُحكَم بمصادرته وإتلافه، كما يجب تقديم كل من يساعد أو يحرض أو يسهل أو يصمت على نشر هذه الإزدراءات والإهانات لمحكمة أمن الدولة بجرم الاشتراك في جريمة ازدراء الدين ورموزه وإهانة الشعور الديني.
قال لي أحد أصدقائي، أنه حينما قرأت إحدى قريباته الطيبات إحدى مقالاتي حول موقف الموروث الديني من المرأة بعنوان "لأن الكل مركوب" على موقع عمان نت، استثارتها العبارات المكتوبة بين مزدوجين والمنقولة عن بعض كتب التفسير ومن صحيح الشيخين؛، فغضبت وكالت لي الشتائم واللعنات متهمةً إياي بازدراء الدين وتحقير المرأة التي هي "أمي وأختي وعمتي وخالتي ومعلمتي" حسب تعبيرها، إلا أنها لاذت بصمت المنكسرين حينما أخبرها صديقي أن ما أساءها من عبارات بين الأقواس هي منقولة من كتب الحديث والتفسير.