مشروع قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن.. العودة إلى الوراء مرة أخرى

الرابط المختصر

يأتي مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023 - الذي يناقشه مجلس النواب الأردني حاليًا بعد إقراره من مجلس الوزراء - في سياق تاريخي وسياسي معقد ومتناقض؛ فقد حجبت السلطات الأردنية قبلأسابيع موقع الحدود الساخر في البلاد، فيما لا يزالتطبيق تيك توك محجوبًا منذ نهاية عام 2022، بحجة "سوء الاستخدام من قبل البعض، وفشل المنصة في معالجة المنشورات التي تحرّض على العنف والفوضى". حُجبَ تطبيق تيك توك بعد احتجاج سائقي الشاحنات في الأردن على رفع أسعار المحروقات، واعتصامهم في مدينة معان جنوب الأردن لمدة شهر تقريبًا. كان حينها تيك توك متنفسًا لنقل الأحداث والآراء الناقدة والغاضبة، التي تتحاشى وسائل الإعلام تغطيتها بسبب سقفها المرتفع، ومخاطرها القانونية العالية.

يعيد مشروع قانون الجرائم الإلكترونية إلى الأذهان إعدام المواقع الإخبارية في الأردن، الذي ذهبضحيتها أكثر 260 موقعًا، حجبت عن الشبكة في عام 2013، لعدم التزامها بالشروط القانونية التي نصت عليها تعديلات قانون المطبوعات والنشر (لسنة 2013)، حيث تلجأ الحكومة إلى مبرر تنظيم القطاع وضبط الفوضى عند كل محطة لتعديل قانون ذي صلة بالصحافة والإعلام وحرية الرأي والتعبير، لكن النتائج في كل مرة تكون متشابهة في التضييق على الحريات، وقضم المزيد من مساحات ممارسة الحقوق الدستورية بما فيها الحق في الرأي والتعبير والصحافة والنشر.

 

يعيد مشروع القانون الجرائم الإلكترونية إلى الأذهان إعدام المواقع الإخبارية في الأردن، الذي ذهب ضحيتها أكثر 260  موقعاً، حجبت عن الشبكة في عام 2013، لعدم التزامها بالشروط القانونية التي نصت عليها تعديلات قانون المطبوعات والنشر.

 كما أن مشروع القانون يأتي في ظرف انسداد سياسي على جميع المستويات، خاصة في ظل تعديلات دستورية جدليّة ركزت السلطة في يد غير منتخبة، مع السيطرة على الفضاء العام في البلاد، والتضييق على الصحافة والإعلام، وتكسير كل مراكز القوى المجتمعية والسياسية، بوسائل شتى عبر ترسانة من القوانين والأنظمة والممارسات. لكن وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية بقيت مثيرة للقلق والريبة لدى صانع القرار؛ لأنها تمنح سقف نقد مرتفعا، بعد أن حازت حسابات وقنوات للمعارضة مشاهدات أكثر مقارنة ببعض المؤسسات الإعلامية الممولة من دافعي الضرائب، كما أن مؤسسات التواصل الاجتماعي جلها غربية المنشأ ويصعب تطويعها بسهولة.

في هذا السياق جاء مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لتأسيس مرحلة جديدة، يعود فيها المجتمع والنخبة والمؤسسات إلى ما قبل عام 2010، الذي انطلق فيه الحراك الشعبي والسياسي والمطلبي في البلاد، وارتفعت المطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري مع الموجة الأولى من الربيع العربي، إذ كان لوسائل التواصل الاجتماعي دور هام إلى جانب المواقع الإلكترونية حتى أُخرجت من معادلة الفعل والتأثير بعد إقرار تعديلات قانون المطبوعات والنشر عام 2013، وكذلك قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2015.

 

جاء مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لتأسيس مرحلة جديدة، يعود فيها المجتمع والنخبة والمؤسسات إلى ما قبل عام 2010، الذي انطلق فيه الحراك الشعبي والسياسي والمطلبي في البلاد، وارتفعت المطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري مع الموجة الأولى من الربيع العربي، إذ كان لوسائل التواصل الاجتماعي دورًا هامًا في الفعل السياسي.

 

إن الرغبة الرسمية الأردنية في العودة إلى الخلف، بضبط الإعلام والصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي على موجة واحدة ورواية واحدة تعبر عن الموقف الرسمي فقط، تتقاطع مع رغبة عربية، انتصرت فيها الثورة المضادة على حراك الشباب وتطلعاتهم وآمالهم في مستقبل مزدهر، تسوده قيم الديمقراطية والحرية والعدالة والنزاهة. لذا جاء مشروع القانون الذي يستند إلى الاستراتيجية العربية الموحدة للتعامل مع شركات الإعلام الدولية (التواصل الاجتماعي)، والتي أقرها مجلس وزراء الإعلام العرب في دورته الثالثة والخمسين، لِلَجم مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية والتطبيقات وإغلاقها - إن تطلب الأمر بنص القانون - وخنق كل رأي معارض لا يتماهى مع رأي السلطة، والقضاء على مصادر القلق للدولة، أو أعراض تهيج الرأي العام والاحتقان داخل المجتمع، بسبب السياسات العامة الداخلية والخارجية في المستقبل في ضوء تراكم المسببات الانفجار الشعبي. وهي خطوة استباقية في ظرفٍ مواتٍ محليًا وإقليميًا ودوليًا، في الإجهاز على حق الناس في الرأي والتعبير والمعرفة والوصول إلى المعلومات، عبر إشاعة الخوف والقهر معًا من عقوبات كبيرة ومزدوجة بين الحبس والغرامة التي وصل حدها الأعلى في بعض مواد القانون إلى 75 ألف دينار أردني، ما يعادل مئة ألف دولار أمريكي، تذهب إلى خزينة الدولة وليس إلى المتضرر، تعزيزًا لمبدأ الجباية في مجتمع فقير.

 

إن الرغبة الرسمية للعودة إلى الخلف، بضبط الإعلام والصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي على موجة واحدة، ورواية واحدة، تتقاطع مع رغبة عربية، انتصرت فيها الثورة المضادة على حراك الشباب وتطلعاتهم.

 

يعاني مشروع القانون من شبهات تتعلق بعدم دستوريته، إذ يجعل من ممارسة الحق الدستوري لحرية الرأي والتعبير خطيرا ومكلفا، إذ ضاعف مشروع القانون العقوبة على الذم والقدح والتحقير والأخبار الكاذبة لتصل في حدها الأعلى للحبس لمدة ثلاث سنوات، والغرامة أربعين ألف دينار أردني (ما يعادل 56 ألف دولار أمريكي). وهي تهمة يجوز فيها التوقيف قبل صدور الحكم النهائي، ما يجعل منها عقوبة مسبقة في حالة البراءة أو عدم المسؤولية، "فالأصل في العقوبة هو معقوليتها، فكلما كان الجزاء الجنائي بغيضًا أو عاتيًا، أو كان متصلاً بأفعال لا يسوغ تجريمها، أو مجافياً بصورة ظاهرة للحدود التي يكون معها متناسباً مع خطورة الأفعال التي أثمها المشرع، فإنه يفقد مبررات وجوده ويصبح تقييده للحرية الشخصية اعتسافاً (1). 

إن هذه القيود والعقوبات السالبة للحرية، بسبب فعل تعبيري سلمي يعارض الكفالة الدستورية لحرية الرأي والتعبير، لصالح تحصن الموظف العام والسلطات في الدولة والهيئات الرسمية والإدارة العامة وأعضائها من النقد، سواء من قبل عامة الناس أو الصحافة.

إن زيادة العقوبة بصورة مبالغ فيها، يؤدي إلى إشاعة الخوف من نقد المسؤول والمؤسسات، وإحجام الرأي العام والصحافة عن ممارسة حقهم الدستوري في الرأي والتعبير والنقد ومساءلة القابضين على السلطة باسم الشعب.

في الأردن، "تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ألا يتجاوز حدود القانون" بحسب نص المادة 15 من الدستور، والدولة هنا تعني أن السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والأجهزة والمؤسسات كافة، مسؤولة عن تنفيذ تلك الكفالة، عبر احترام الدولة لحرية الرأي والتعبير وحمايتها والوفاء بها، وذلك بالامتناع عن التدخل في ممارسة الحق أو تقليص ممارسته، وحمايته من الانتهاكات الرسمية والفردية والمجتمعية، واتخاذ كل الإجراءات الإيجابية لتمكين الناس من ممارسة حقهم في الرأي والتعبير. إن إقرار المادة 15 من مشروع القانون يتناقض وروح المادة 15 من الدستور، والمادة 128 منه، والتي لا تُجيز "أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها".

 ويرى الفقيه الدستوري محمد الحموري، إنه "لا يجوز للقانون الذي يصدر لتنظيم ممارسة أي واحدة من الحريات الدستورية أن يصادر هذه الحريات أو يفرغها من مضمونها تحت ستار تنظيمها" (2) وعليه فإن "سلطة المشرع هذه لا يجوز لها أن تتجاوز التنظيم إلى إهدار الحق أو المصادرة به بأي شكل من الأشكال، فإذا حصل التجاوز كان ذلك خروجًا على أحكام الدستور "، وبحسب حكم المحكمة الدستورية الأردنية رقم 4 لسنة 2013، الذي أضاف، "إن الصلاحية المعطاة للمشرع بتنظيم استعمال الحقوق لا يمكن اعتبارها تفويضًا للمشرع بتنظيم استعمال الحقوق بشكل ينال من جوهر هذه الحقوق أو المساس بها، سواء بنقضها أو انتقاصها" (3). 

في الولايات المتحدة الأمريكية، يعتبر أي إجراء قانوني أو حكومي، من شأنه أن يتسبب في تردد الناس عن ممارسة حق مشروع خوفًا من تداعيات قانونية، مخالفًا للتعديل الأول في الدستور الأمريكي، (ويسمى ذلك التأثير المخيف أو أثر الصقيع). وقد أبطلت المحكمة الأمريكية العليا منذ نحو 60 عاما (4)، العديد من القرارات والقوانين بسبب التأثير المخيف لحماية الحريات في التعديل الأول، وعلى هذا المنوال سارت كندا (5) ودول أوروبية عدة (6) وآن للأردن الذي يبشر بتحديث المنظومة السياسية ويدعو الشباب إلى الاندماج فيها أن يشجعهم على ممارسة حرية الرأي والتعبير كمتطلب سابق لكل الحقوق السياسية والحريات المجاورة، لا أن يستخدم التأثير المخيف أو أثر الصقيع في ترسانته القانونية، ما يحول دون ممارسة الفرد لحقوقه التعبيرية (7).

إن المادة 15/ب، من مشروع القانون منحت المؤسسات والمسؤولين والموظف العام أفضلية على المواطن (الشخص الطبيعي)، وميزت بينهم إذا ما تعرضوا للذم أو القدح أو التحقير أو الأخبار الكاذبة، فالمسؤول والموظف العام والمؤسسات ليسوا بحاجة إلى تقديم شكوى لملاحقة من تعرّض لهم خلافا لهذه المادة، لأن النيابة العامة تتحرك من تلقاء نفسها، في حين أن المواطن (الشخص الطبيعي) يحتاج إلى تقديم شكوى لمن تعرّض له بمثل هذه الأفعال. وتصطدم هذه المادة مع روح ونص المادة السادسة من الدستور، "الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين". وتساهم تلك المادة المقترحة في إضفاء هالة وحماية وقدسية وميزة للموظف العام، الذي هو في الأصل خادم للشعب، وليس سيدا عليه، يقبض راتبه من أموالهم نظير خدمتهم. إن الشخص الطبيعي بموجب هذا المقترح يحتاج إلى توكيل محام، ودفع تكاليف التقاضي، والذهاب إلى المحكمة وسماع أقواله، ومتابعة القضية... إلخ، في حين يُعفى الموظف العام والمسؤول والمؤسسات بموجب هذا التعديل من كل ذلك، حتى من الوقوف بين يدي القاضي! وكأنه أكبر من الناس والمجتمع والمؤسسات أيضا، وهذه هي الشبهة الدستورية الثانية في مشروع القانون!

ونورد هنا للضرورة ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية الأردنية في حالة مشابهة بحكمها رقم 2 لسنة 2013 قائلة: "إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادة (6/1) من الدستور يعتبر الركيزة الأساسية للحقوق والحريات، وأساسًا للعدل والسلم الاجتماعي، وإن غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة التمييز، ووسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التي لا يجوز التحيز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة للمتقاضين".

ومن المقرر في القضاء الدستوري، أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال النفاذ إلى قاضيهم، ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية عينها، ولا في ضمانة الدفاع التي يكفلها الدستور والمشرع للحقوق التي يدعونها، ولا في اقتضائها ولا في مجال التداعي بشأنها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تتعلق بها أو التظلم في القرارات الصادرة عنها".

أما شبهة عدم الدستورية الثالثة، فتتمثل في إجازة مشروع القانون في المادة 33 للمدعي العام أو المحكمة بحظر أو تعطيل أو إيقاف نظام المعلومات أو الموقع الإلكتروني أو منصة التواصل الاجتماعي أو الخدمة عن الشبكة الوطنية أو حظر الوصول للمحتوى المخالف، وتصطدم هذه المادة، بالنص الدستوري القائل: "تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ضمن حدود القانون". وتعني الكفالة هنا كما ذكرنا سابقًا احترام الحق وحمايته والوفاء به، بالإجراءات السالبة والموجبة والنصوص الضامنة، ولا ننسى اليوم أن محطات التلفزيون والإذاعات، إضافة إلى الصحف والمواقع الإخبارية تبث وتنشر عبر الإنترنت، وتستخدم منصات التواصل الاجتماعي لنشر أخبارها وتقاريرها وتحقيقها، وهي معرضة بموجب هذا النص المقترح للحظر والتعطيل وإيقاف الخدمة، مما يعني ضربا للكفالة الدستورية لحرية الصحافة والنشر ووسائل الإعلام.

تخالف المادة 33 المقترحة في مشروع القانون، أيضا المادة (15، 4) من الدستور التي تنص أنه "لا يجوز تعطيل الصحف ووسائل الإعلام ولا إلغاء ترخيصها إلا بقرار قضائي وفق أحكام القانون"، وهنا أجازت المادة  في المشروع للمدعي العام والقاضي أثناء النظر في القضية تعطيل وسائل الإعلام دون قرارٍ قضائي قطعي، كما أن النص المقترح لم يحدد طبيعة المخالفة التي تستوجب هذا الإجراء القاسي، بل ترك ذلك مفتوحًا على مصراعيه تتساوى فيه المخالفة البسيطة والجسيمة ليس لأحكام المشروع فقط، بل لكل التشريعات النافذة في المملكة، ما يفتح بابًا كبيرًا للتداخل التشريعي وتنازع الاختصاصات، وكذلك بابًا لتفسير النصوص القانونية من القاضي الجزائي لعدم وضوح القاعدة الجزائية. يؤدي ذلك إلى المساس بسلطة التشريع، وتداخلًا في عمل السلطات بدل فصلها خلافًا للفصل الثالث من الدستور، وإخلالًا بمبدأ المشروعية الجنائية، لأن مصادر التجريم والعقاب يجب أن تكون واضحة وتنحصر في القانون، ودور القاضي يقتصر على تطبيق النصوص التي سنها المشرع، بحيث يكون تفسير القاضي الجنائي في أضيق الحدود، دون اللجوء إلى القياس أثناء التفسير (8). 

 

تخالف المادة 33 المقترحة في مشروع القانون، المادة (15، 4) من الدستور التي تنص أنه "لا يجوز تعطيل الصحف ووسائل الإعلام ولا إلغاء ترخيصها إلا بقرار قضائي وفق أحكام القانون"، وهنا أجازت المادة في المشروع للمدعي العام والقاضي أثناء النظر في القضية تعطيل وسائل الإعلام دون قرارٍ قضائي قطعي.

 

 

لقد عاقب مشروع القانون في المادة 25 منه، الشخص المسؤول عن إدارة الموقع الإلكتروني أو منصة التواصل الاجتماعي أو المسؤول عن أي حساب أو صفحة أو قناة أو مجموعة عن التعليقات التي يكتبها الآخرون على تلك المنصات والوسائل.

هذه المادة ستدفع  حال إقرارها إلى إغلاق الشخص باب التعليقات والحوار والتفاعل على المنصات والمواقع والمجموعات، خوفًا من تعليق ما، لشخص ما، يدفع به إلى السجن والغرامة الطائلة، كما تقود المادة أيضًا إلى عزوف الناس عن إبداء الرأي بالتعليق والمشاركة في الحوار العام، وعدم تفاعلهم مع قضاياهم، وقد سبق هذا المشروع تعديل قانون المطبوعات والنشر عام 2012 الذي جعل التعليقات التي "تنشر في المطبوعة الإلكترونية مادة صحفية، لغايات مسؤولية المطبوعة الإلكترونية، ومالكها ورئيس تحريرها بالتكافل والتضامن (9)، ما أدى إلى إغلاق باب التعليقات في جل الموقع الإخبارية الأردنية، وتراجع حرية الرأي والتعبير في البلاد آنذاك على مؤشر مراسلون بلا حدود بمقدار ست درجات عن العام الذي سبقه.

إن ملاحقة الشخص جزائيًا عن أعمال وممارسات ارتكبها غيره، يخالف مبادئ العدالة والإنصاف والشرعة الدولية لحقوق الإنسان والدستور الأردني وقواعد التجريم العامة، "فمن المسلم به فقهًا وقضاء وبإجماع، أن المسؤولية الجنائية شخصية، فلا توقع عقوبة جريمة إلا على من ارتكبها بنفسه أو اشترك فيها اشتراكًا عمديًا، بعمل من أعمال الاشتراك" (10). 

تنطوي المادة 25 من المشروع على شبهة دستورية رابعة، ذلك أنه بعد مرور أكثر من عشرين عامًا عن امتناع محكمة استئناف عمان عن تطبيق المادة 41 من قانون المطبوعات والنشر، الذي يجرم رئيس التحرير بوصفه شريكًا مع الصحفي في مادته الصحفية، لكونها مخالفة للدستور، معللة في قرارها التاريخي رقم 3861 لسنة 2009 بأن "المادة 71 من قانون العقوبات اعتبرت فاعل الجريمة هو من أبرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة، أو ساهم مباشرة في تنفيذها.. لهذا وإن كان لرئيس التحرير سلطة الإذن بالنشر أو المنع من النشر فإن ذلك لا يكفي لاعتباره فاعلًا أصليًا في الجرائم التي تقع من الغير بواسطة المطبوعة،... إذ قد ينحصر دور رئيس التحرير في تسهيل عملية النشر، عندها يكون متدخلًا لا فاعلًا وقد يكون النشر ناتجًا عن الإهمال بالتدقيق والمراقبة والإشراف دون أن تتجه إرادته إلى تحقيق النتيجة الجرمية، لهذا يكون نص الفقرة ب من المادة 41 من قانون المطبوعات والنشر مخالفا للدستور الأردني"، وتنطبق هذه الشبهة الدستورية على المادة 27 من مشروع القانون الذي ساوى في العقوبة بين الفاعل الأصلي والمشترك والمتدخل والمحرض.

 يعاني مشروع القانون من مثلبة تجريم أفعال لم يُجرمها قانون العقوبات الأردني، ولا القوانين الأخرى، عبر استخدامه مصطلحات فضفاضة لا يمكن تحديد ركنها المادي والمعنوي، وهي غير مُعرفة في نص المشروع أو في نصوص أخرى، مثل مصطلحات (الأخبار الكاذبة، اغتيال الشخصية، ازدراء الأديان، خطاب الكراهية... إلخ)، وهي شبهة دستورية خامسة يخالف فيها المشروع الدستور، في أن تكون درجة اليقين في أعلى مستوياتها (11) لأن مخالفة ذلك تفتح بابًا واسعًا للتجريم، ومساسًا صارخًا بالحقوق الدستورية في الرأي والتعبير والصحافة والنشر.

 

يعاني مشروع القانون من مثلبة تجريم أفعال لم يُجرمها قانون العقوبات الأردني، ولا القوانين الأخرى، عبر استخدامه مصطلحات فضفاضة لا يمكن تحديد ركنها المادي والمعنوي، وهي غير مُعرفة في نص المشروع أو في نصوص أخرى، مثل مصطلحات (الأخبار الكاذبة، اغتيال الشخصية، ازدراء الأديان، خطاب الكراهية... إلخ).

 

لقد تناولت المحكمة الدستورية المصرية عام 2001 درجة اليقين في القوانين الجنائية، وذكرت "أن القوانين الجزائية تفرض على الحرية الشخصية أخطر القيود وأبلغها أثراً، ويتعين بالتالي - ضماناً لهذه الحرية - أن تكون الأفعال التي تؤثمها هذه القوانين محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون تلك القوانين جلية واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، ذلك أن التجهيل بها أو انبهامها في بعض جوانبها لا يجعل المخاطبين بها على بينة من حقيقة الأفعال التي يتعين عليهم تجنبها. كذلك فإن غموض مضمون النص العقابي مؤداه أن يُحَال بين محكمة الموضوع وبين إعمال قواعد منضبطة تُعيّن لكل جريمة أركانها وتقرر عقوبتها بما لا خفاء فيه (12). 

رغم كل ما سبق توضيحه أعلاه، يدافع المسؤولون الحكوميون عن القانون قائلين إن مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، لا يمس الصحافة والصحفيين، وهناك قوانين خاصة بالصحافة والإعلام، لكن هذا في الواقع غير صحيح بالمطلق.  لذا نسوق الأمثلة التالية سريعًا على استخدام قانون الجرائم الإلكترونية الساري بحق الصحافة والصحفيين، ففي عام 2015 كتب الصحفي الأردني باسل الرفايعة مقالًا نشرته وكالة عمون الإخبارية، ينتقد فيها الداعية أمجد قورشة.  تقدم قورشة بشكوى ضد عمون والرفايعة، ومن جملة ما نسب لهما من تهم "القيام قصدا بنشر وإعادة نشر ما ينطوي على الذم والقدح والتحقير من خلال المواقع الإلكترونية خلافا للمادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية رقم 27، لسنة 2015" (14) ونسبت هذه التهمة أيضًا إلى موقع وكالة جراسا الإخباري والصحفيين جهاد أبو بيدر ونضال سلامة في القضية التي رفعها عليهم مستشفى جبل الزيتون، بحسب قرار محكمة التمييز الأردنية رقم 1729/ 2019، وكذلك نسبت إلى صحيفة دار الحياة والصحفي ضيغم الخريسات وغيره، في القضية التي رفعها رئيس ديوان التشريع والرأي في رئاسة الوزراء آنذاك نوفان العجارمة، وأمين عام الديوان عبد اللطيف النجداوي أمين عام الديوان، وفق قرار محكمة التمييز الأردنية رقم 3195/2021.

لا يقتصر الأمر على هذه الأمثلة، فقد واجه العديد من أعضاء نقابة الصحفيين المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية في قاعات قصر العدل، بسبب نشر مادة صحفية، والأمر ذاته ينطبق على المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المرخصة من هيئة الإعلام في الأردن.

إن إقرار مشروع القانون، سيزيد من اغتراب السلطة عن الشعب، ويوسع شرخ الثقة بينهما، ويعزز نهج القمع وتكميم الأفواه، والحلول الأمنية بستار القانون، ويعجل بانهيار قطاع الصحافة الإعلام في البلاد، ويؤسس لنظام سلطوي يحارب حرية الصحافة.

الجزيرة / مصعب الشوابكة