مشروع الحزام السني في سورية.. وهم مُتَخيَّل أم مخطّط استراتيجي؟

الرابط المختصر

تداولت الكثير من المواقع الإعلامية خبرًا مفاده قرب تنفيذ مشروع إستراتيجي لدى الإدارة الأمريكية حول مستقبل شمال وشرق سورية، يقوم على تسليح عدد من العشائر والقوى جنوب سورية بدءًا من محاذاة المثلث الحدودي بين سورية والأردن والعراق -ما يعرَف بمنطقة التنف- وصولًا إلى الحدود العراقية السورية وامتداد البادية الشامية على خط طول سورية، مما يغطي كامل مساحة دير الزور ومساحات واسعة من حمص والرقة وصولاً للحدود التركية، مما يؤثر بشكل حاسم في شكل خارطة نفوذ القوى الفاعلة في سورية، سواء كانت تركيا أو روسيا أو إيران، وبالتالي فإن هذا المشروع -في حال تحققه- لن يكون مجرد حركة تكتيكيّة على رقعة الأرض السورية، وإنما نقلة نوعيّة سيكون لها تأثيراتها الاستراتيجية في مستقبل سورية وشكلها وطريقة الوصول إلى الحل النهائي فيها. 

يحاول هذا المقال استعراض هذه الفرضية، وإبداء بعض الملاحظات في مدى جدّيتها من جهة، وإمكان تحققها من جهة أخرى!.  

المشروع الأمريكي الجديد.. الدواعي والآليات والأهداف

أثار الإعلام زوبعة المشروع المذكور بناء على ورقة قدمها صالح الحموي -المعروف بأُسّ الصراع- ذكر فيها أن المشروع الأمريكي تجاوز مرحلة التخطيط وأن السؤال الآن هو عن زمن التنفيذ، مما يوحي بوجود معلومات شبه يقينية لدى الباحث حول هذا المشروع وآلياته واستراتيجياته. 

وبالمحصلة، فإن ديباجة الورقة تنطلق من توصيف الباحث الاستراتيجية الأمريكية في سورية وأنها قائمة على استنزاف جميع الأطراف المتنازعة على أرضها إلّا “أنّ تصاعد هجمات الميليشيات الإيرانيّة ضدّ القواعد الأمريكيّة، وفشل مشروع قسد بفرضه على المعاضة السوريّة، وانتهاء المعارك مع تنظيم داعش بعد السيطرة على آخر معاقله وخرق قواعد الاشتباك بين روسيا وأمريكا في سورية جعلت أمريكا تعيد النظر في استراتيجيتها هذه وتقتنع أنّ تكلفة مواجهة الميليشيات الإيرانيّة أقل من تكلفة احتوائها واستنزافها”، ومن ثم فإنه ليس أمام الولايات المتحدة من خيار مُجدٍ إلا بتشكيل حزام سنّي عشائري في سورية يتبعه امتداد له في العراق لتقويض نفوذ إيران وقطع شريانها البرّي من طهران إلى بيروت.

وبحسب الباحث فإن المشروع مقدَّم للتباحث فيه منذ 2020 حيث يقضي بإخراج القوّات العشائرية العربيّة المنخرطة في قسد وإضافة تشكيلات عشائرية جديدة إلى صفوفها، بهدف التنسيق مع قاعدة التنف للبدء بعملية عسكريّة تضبط الحدود العراقية السورية من بادية البوكمال حتى التنف في المرحلة الأولى، يليها في المرحلة الثانية الاتجاه شمالا حتى الرقة، مما يجعل نطاق المعركة في النصف الشرقي من سورية على نحو شبه طوليٍّ. 

ولعل أهم الأسباب التي تدفع للجوء لهذا المشروع هو وجود مخطط إيراني للهجوم على القواعد الأمريكية في سورية التنسيق مع حزب الله وسرايا أبي الفضل الخراساني -حديثة التشكيل- وقد ظهر حجم هذا الخطر بشكل جدي بتكرر هجمات الميليشيات الإيرانية بالصواريخ كان آخرها في الحسكة شهر نيسان/أبريل الفائت وأدت إلى مقتل متعاقد أمريكي في القاعدة، إلى جانب الهجوم بالطائرات المسيرة الإيرانية على قاعدة التنف انطلاقًا من الحدود العراقية السورية، وإحداث خسائر ماديّة وإيقاع قتلى وجرحى في صفوف الفصائل السوريّة العاملة في التنف (جيش مغاوير الثورة).

إلى جانب ذلك فإن الباحث يشير إلى أن من أسباب الاندفاع لتحقيق المشروع هو استنفاد قسد لمشروعها الانفصالي وعدم قابليته للاستمرار خاصّةً في محافظتي دير الزور والرقّة، وتزايد النُقمة العشائرية العربيّة على قسد لاضطهادها المكوّن العربي، وهيمنتها على النفط واشتداد المظاهرات العشائرية المتكرّرة ضدّها، وبالتالي فإن هذا المشروع سيضمن بقاء ولاء المكون العربي ضد إيران وروسيا، ويخرجهما من دائرة الاستقطاب نحوهما، وسيشكّل عامل ضغط على قسد التي ترفض التوسعة في العمل العسكري ضدّ الميليشيات الإيرانية والنظام بسبب هيمنة جناح موالي لإيران داخل قيادة قسد.

ثم ماذا.. هل يتحقّق الحلم؟ 

يبدو هذا المشروع -رغم كل البناء المنطقي الذي قُدّم فيه- ليس أكثر من تصوّر مُتخيَّل يسوَّق على أنه واقع محَقّق، إلا أن هناك أمرًا في غاية الأهمّية غُفِل عنه، وهو الاتساق المنطقي، إلى جانب غياب النموذج التفسيري الضابط للتحليل والربط بين الأحداث.

إن الزيارات الميدانية بين قوى التحالف وضباط الولايات المتحدة فيه والمكونات العربية والعشائرية في دير الزور والحسكة تكاد لا تتوقف، وتحصل -بطبيعة الحال- لغايات عديدة -كثير منها أمنيٌّ- وللتأكيد على حضور التحالف في الميدان الاجتماعي وحرصه على مواجهة تنظيم الدولة من جهة ومساعي إيران للتغلغل في الحواضن الشعبية في محافظة الحسكة -بالذات- من جهة أخرى. 

من الجدير -في سياق مواز- النظر إلى توقيت الدعاية الحالية، حيث تحرص إيران على إظهار مكاسب عالية في مفاوضات ملفها النوويمع الولايات المتحدة والقوى الدولية الأخرى، بالتوازي مع تشكيلها ميليشيات جديدة مناهضة للولايات المتحدة على الأراضي العراقية، هي “كتائب الصابرين” و”كتائب كربلاء” و”كتائب سيف الله”و”كتائب أهل الكهف”، الرافضة للبقاء الأمريكي في العراق، كما نفذت هجمات بالعبوات الناسفة والصواريخ المضادة للطائرات ضد قواعد وطائرات للجيش الأمريكي. 

إن تشكيل هذه الميليشيات ترافق مع كانون الثاني/يناير 2023 بـتوسيع حضور سرايا أبي الفضل الخراساني في مناطق الحزام العربي في الحسكة بدعم سخي وميداني واجتماعي من قبل إيران، وذلك لاستقطاب المكون العربي في المنطقة نحوها، وبالتالي فإن المحيط القريب من قواعد الولايات المتحدة سيكون مناهضًا لها في المدى القريب، وهو ما دفع الولايات المتحدة للتلويح بإمكان تشكيل جسم عشائري عسكري في المنطقة يتكفل بتنظيفها من الميليشيات الإيرانية.

من ناحية أخرى فإن فكرة تشكيل مجالس وفصائل عسكرية عربية في مناطق قسد اقترحتها كلٌّ من روسيا وتركيا والسعودية منذ سنوات وبحسب المعلومات المتاحة فإن الدعوات الحالية للمجلس العسكري العشائري لن يخرج عن تشكيل مجلس عشائري موحّد في منطقة الجزيرة السورية تدعمه أمريكا بالتنسيق مع تركيا، بهدف ملء الفراغ على امتداد المناطق الحدودية السورية- التركية، في حال انسحاب قسد منه، وهي صيغة مشابهة تمامًا لمشروع روسي لاستقطاب أبناء العشائر في تشكيل عسكري في منطقة الجزيرة لملء فراغها بعد انسحاب قسد منها.

قسد.. بين الابتزاز والضغط

نوّهت رواية أخرى إلى أن الأمريكيين أعدّوا خطة تتضمن قيام الجيش الأمريكي بدعم قوات مغاوير الثورة السورية في مخيم الركبان وتزويدهم بالصواريخ المضادة للدبابات بهدف التوسع نحو البوكمال في دير الزور.

تؤكد هذه الرواية كذلك أن الولايات المتحدة ستدفع قوات “بيشمركة روج” التابعة لأحزاب المجلس الوطني الكردي المعارض لملء الفراغ العسكري في المنطقة، خاصة مع فرض الولايات المتحدة على كوادر حزب “العمال الكُـردستاني” الانسحاب من المنطقة. 

تندرج هذه السردية كذلك في الإطار ذاته الذي يصوّر الولايات المتحدة مستعدة للتخلي عن قسد واستثمارها فيه، مقابل القبول بالمشاركة في مكونات عسكرية تنتشر في مناطقها. 

من الطبيعي أن تسعى قسد لامتلاك أوراق ضغط تبرزها أمام حلفائها، إلا أنها لن تذهب بعيدًا لغاية مواجهة القرارات الأمريكية الحازمة تجاه بعض القضايا الاستراتيجية، كمسألة طبيعة العلاقة مع النظام السوري، وبالتالي فإن بناء سردية كاملة للمشروع المقتَرَح لتأكيد رغبة الولايات المتحدة في التخلص من عبء قسد أمر غير متماسك، وتنقصه الحبكة الدرامية التي تجعله مقنعًا. 

هل ثمة معلومات تؤكد المشروع؟ 

يبدو أن المعلومات المتاحة -التي وصلت إليها عبر مصادر مختلفة- تؤكد أن المشروع ليس أكثر من تكهّنات أو خواطر رغبوية في أحسن الأحوال، فبالرغم من وجود أفكار مطروحة عامة حول وجود تشكيل عربي في المنطقة لمنع الشباب من الانخراط في صفوف الميليشيات الإيرانية، إلا أنه لم يؤخذ فيه أي مسار عملي من جهة، ولم تتبنَّه أي دولة فاعلة بشكل استراتيجي من جهة أخرى. 

إلى جانب ذلك فإن المصادر نفت وجود أي تجهيز ميداني أو تخطيط -ولو إعلامي- لتنفيذ معارك حدودية مع العراق بهدف تطهير المنطقة من الميليشيات الإيرانية -في مدى 2023 على الأقل-. 

جميع ما تقدّم يؤكد أن السردية حول تشكيل حزام سني لمواجهة النفوذ الإيراني وإرضاء تركيا وابتزاز قسد لا تخرج عن إطار الرسائل الإعلامية المضادة، حيث لا يمكن تحقيق هذا المشروع نظريًّا في بيئة الحرب الحالية، كما أنه لم يطرَح بشكل عمليٍّ لبدء مسارٍ واقعيٍّ فيه..