مساحات فارغة وحسم مطلوب
الفترات السياسية الماضية مكتظة بالتجاذبات والصراعات والاشاعات، وكل هذا لم يتم حسمه بشكل قطعي وكامل. ربما كانت الحلول معقولة، لكن الفوضى في الساحة وتعدد خنادق اهل السياسة والمواقع جعلت الحاجة إلى ما هو اكثر مما كان، لأننا في مرحلة لا تكاد تظهر فيها قضايا حتى يتم التعامل معها بمنطق الانقسامات بكل اشكالها، ولعل بعض الحلول التي حملت في جوهرها رغبة في اطفاء بعض التجاذبات خلقت فراغات سياسية.
وبشكل واضح، فإن بعض المساحات الخالية لم تكن لتكون كذلك لو أن الحكومة ذات فعل سياسي ومبادرة في الحديث والحسم للملفات، لكن ما جرى ويجري في اكثر من ملف اظهر الحكومة تمارس صمتا في غير مكانه حتى كان التدخل في حسم بعض الامور من جلالة الملك، لكن للحكومة دورا ولديها صلاحيات دستورية وهنالك ضرورات وصخب يستدعي منها ان تكون حاضرة سياسيا وأن يظهر الرئيس في أحاديث واضحة وحاسمة، غير أنّ هنالك مساحة سياسية داخلية تتركها الحكومة منذ أن جاءت وازداد وضوح الضعف كلما تتكاثر الأقاويل وتظهر قضية هنا أو هناك.
حتى بعض القضايا البسيطة مثل الاعتصام المطلبي لعمال الموانئ فإن الحكومة لضعف ادائها وضعف الرؤية السياسية في إدارتها استطاعت أن تحوِّل الاعتصام إلى أزمة سياسية واصطدام مع الفقراء وأبناء محافظات جاءوا للعقبة لضعف التنمية في مناطقهم، وألحقت الأحداث بالصورة العامة هزات وبالخزينة خسائر كبيرة نتيجة توقف الميناء، فضلاً عما الحقته بالعقبة كمنطقة اقتصادية من ضرر اعلامي واقتصادي وحتى الحل الذي ظهر امس فانه كان لاستدراك خطأ الحكومة في ادارة القضية وبعد ان دفعنا الثمن غاليا.
الأمثلة عديدة، لكن آخرها سياسيا التساؤل عن وجود بعض التفاهمات الأردنية- الأميركية بما يخص الأردن في الحل النهائي. وهنا سأفترض أن كل ما يقال إشاعات، لكن حتى الإشاعات عندما تتكاثر في الأجواء العامة ويقابلها صمت سيفترض الناس أنها صحيحة حتى وإن كانت غير ذلك.
هذه الأقاويل تصنع اليوم بعض السخونة السياسية والمخاوف. فلمن تترك الحكومة حسم الأجواء، ولماذا تترك الأخبار تتحول إلى حقائق نتيجة الصمت وعدم الحديث الواضح، وبسبب ترك المساحات الخالية تتزايد.
الملك مرجع الأردنيين، وأي كلمة يقولها تحسم الجدل، لكنّ هنالك أيضاً دور للحكومات ويجب أن لا تترك الأمور حتى تصبح لها أثار سلبية ثم نحولها إلى عبء سياسي داخلي يضطر معه الملك إلى التدخل!
كل ذلك يدفع إلى التساؤل: لماذا لا تقوم الحكومة بالتدخل في الوقت المناسب، وبشكل حكيم وحاسم، وتجفف اشكال التجاذب وتوضح ما يحتاج الى توضيح؟
هنالك مساحات سياسية فارغة. هذا الفراغ لا يمكن أن يحدث لو أن كل سلطة دستورية او سياسية مارست صلاحياتها. وليس هنالك مرجعية سياسية حكومية حاضرة تضع النقاط على الحروف وتسد كل الأبواب أمام أي إشاعات أو تفسيرات، وكأن الحكومة تبتعد وتتنظر ان يكون التدخل الملكي، لكن هذا المنطق يحول الحكومات الى عبء على مؤسسة الحكم بدلا من ان تكون عونا لها.
في ساحتنا ما يستدعي تدخلا سياسيا واضحا ويجب أن يسمع الناس ما يزيل اللبس ويحدد صحة أو خطأ ما يقال، والجدل في أي قضية لا يحسمه إلا حديث مرجعي متكامل، لا يحتمل التأويل، وربما تحتاج بعض مفاصل الحياة السياسية إلى جراحة كاملة لكن وفق الحكمة الاردنية التي تعالج القضايا الصعبة بحسم وحل حقيقي، لكن من دون أضرار جانبية، فالصمت الحكومي ليس في معظمه من ذهب!











































