مزارعون لاجئون في الأردن لا يستوفون أجورهم

الرابط المختصر

"أكلو حقنا الصيف الماضي"، عبارة لخصت حال أم محمد* السورية، العاملة في الزراعة منذ 3 سنوات في لواء البادية الشمالية الأردنية. لم تأخذ مستحقاتها المالية من قبل 3 وسطاء عمل أو ما يسمى "الشاويش"، بقيمة 327 دينارا مقابل عملها في موسم صيف 2021، حالها كحال كريم، وعلي، وفاطمة.

 أصحاب عمل يستغلون اللاجئين السوريين العاملين  في قطاع الزراعة بالأردن، فلا يدفعون أجورهم، أو يدفعون لهم بأقل من الحد الأدنى من الأجور (245 دينارا للعامل غير الأردني)، ولا يشركونهم في الضمان الاجتماعي، بسبب تأخر تفعيل نظام عمال الزراعة.

 خمسة مزارعين قابلتهم معدة التقرير  لجؤوا من سوريا إلى الأردن عام 2013، واضطروا للعمل بأجر لا يتجاوز 8 دنانير يوميا في بلد يعتبر فيه خط الفقر عند مبلغ 100 دينارا شهريا ولا يعلمون إن كان الضمان الاجتماعي يشملهم، ويعيشون في خيام بلاستيكية داخل المزارع في مناطق بعيدة عن الخدمات. 

يصف مدير الإعلام والاتصال في المرصد العمالي "الفينيق" نديم عبد الصمد، المساكن التي يعيش فيها عمال المزارع "بالسيئة"، فمعظم الأسر تعيش في خيام تفتقر لخدمات الصرف الصحي، إذ يعيش 80.4 في المئة من اللاجئين خارج المخيمات.

عمل علي* في زراعة الخس شهرا كاملا ولم يأخذ مستحقاته البالغة 300 دينار أردني شاملة العمل الإضافي. الآن، يعمل علي في زراعة الخس والبندورة مقابل دينار واحد عن كل ساعة. وفي حال تعطله بسبب المرض لا يأخذ أجرته، في تعارض مع المادة (7/ ب) من نظام عمال الزراعة.

جودت العبادي صاحب مزرعة قريبة من نهر الأردن ليس لديه أي عمال سوريين، لكنه أكد أن جميع أقربائه الذين يملكون أراضي زراعية يدفعون دينارا مقابل كل ساعة عمل للعامل السوري.

تلفت مديرة جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان ليندا الكلش، إلى أن عدم دفع الأجور للعمال استغلال يعاقب عليه القانون بحسب المادتين (54) و( 137) من قانون العمل، وتشير إلى قلة عدد مفتشي وزارة العمل وعددهم 170 مفتشا لجميع قطاعات المملكة، قائلة إن "وجود حيازات زراعية غير مسجلة  لدى وزارة الزراعة يشكل صعوبة في وصول المفتشين إليها".

لا شكاوى رغم الانتهاك 

اتفق كريم* شفهيا عام 2018 مع صاحب مزرعة في أم رمانة، لواء قصبة الزرقاء، على تقاسم أرباح زراعة الفراولة 3 سنوات، مشتركا في ثمن الأشتال والأدوات الزراعية وأعمال الحراثة والبيوت البلاستيكية، بعد عام ضمّن صاحب المزرعة الأرض لعائلة سورية أخرى باعت المحصول.

بعد أن أعاد صاحب المزرعة لكريم المصاريف التي دفعها، وجد نفسه قد عمل عاما كاملا مع عائلته في المزرعة بالمجان. لم يلجأ كريم للقانون، لأنه استشار أكثر من شخص وقالوا له "ما رح تحصل شي" .

المحامي المختص بالقضايا العمالية حازم شخاترة، يؤكد أن العامل محمي قانونيا حتى بالعقود الشفاهية أو في حالة عدم امتلاكه تصريحا، لأن من شروط العقد أن تكون بلغة واضحة وبسيطة يفهمها العامل وبشهادة الشهود يثبت الحقوق المفروضة للعامل بالقانون. واصفا عدم دفع الأجور بأنه "مخالفة سواء بوجود نظام عمال الزراعة أو بدونه". ويرجع سبب عدم تقدم السوريين بشكاوى بأنهم ليسوا مواطنين، ويخافون من الإجراءات الامنية المتعلقة بترحيلهم.

وبحسب وزارة العمل، لم يرد لغاية نشر هذا التقرير أي شكوى في القطاع الزراعي من العمال السوريين، على الرغم من أن عددهم  105 آلاف عامل مصرح لهم لدى الوزارة منذ 2016 ولغاية شهر آذار/ مارس 2022.

12 عاما وقطاع الزراعة من دون قانون

بعد تأخر دام 12 عاما، بقي قطاع الزراعة من دون تشريع قانوني يحمي حقوق العمال وينظم عملهم، حتى صدر نظام عمال الزراعة في شهر آذار/ مارس 2021.

وبحسب النظام، فإن عمال الزراعة خاضعون لقانون العمل فيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور، والتفتيش والرقابة على حقوقهم، وإشراكهم في الضمان الاجتماعي، وتحديد ساعات العمل، كما أن سكنهم يجب أن يكون ضمن معايير محددة، وفقا للمرصد العمالي.

تقول مالكة الرواشدة مديرة جمعية ربيع الأردن الزراعية، إنها تناقش القوانين مع وزارة العمل لكن "من بعد الجائحة لغاية الآن لا شيء جديدا"، وأن دور الجمعيات الزراعية يقتصر على إصدار تصريح عمل حر للاجئين السوريين العاملين في الزراعة، والتي بدأت بالتناقص بسبب إلزام العامل أن يدفع 50 دينارا عند تجديد التصريح،37 دينارا منها للضمان الإجتماعي. 

وعلى الرغم من أن النظام ألزم صاحب العمل بإشراك العاملين لديه في الضمان الاجتماعي، بحسب المادة رقم (12)، لكن الرواشدة تبين أنه إذا قام العامل بإصدار تصريح عمل حر فإنه سيتكفل بدفع الرسوم عن نفسه.

استنكر حسام السعدي مدير مديرية التوعية التأمينية في مؤسسة الضمان الاجتماعي "أنا ما بكلف وزارة العمل تحصل ضمان اجتماعي عني"، والأصل كما يقول، أن يشمل العامل نفسه في الضمان الاجتماعي من خلال الموقع الإلكتروني للمؤسسة لأن "خدماتنا إلكترونية من خلال نظام شمول المهن الحرة، وهذا في حال لم تكن الحيازة الزراعية مرخصة لدى وزارة الزراعة ومسجلة لدى وزارة الصناعة والتجارة".

المتحدث الرسمي باسم وزارة الصناعة والتجارة والتموين ينال البرماوي رد بأن "الحيازات الزراعية تحصل على ترخيصها من وزارة الزراعة، ووزارة العمل هي المعنية بالمتابعة، ونحن لا علاقة لنا".

وفقا للتعليمات الجديدة، فإن التوجه نحو تنظيم قطاع الإنتاج النباتي يكون من خلال تسجيل أنواع المزارع كافة في وزارة الزراعة، وبالتالي يجب أن يكون مرخصا منها، ومن وزارة الصناعة والتجارة وله سجل تجاري، ويربط النظام المزرعة مباشرة في الضمان الاجتماعي لإشراك العاملين تلقائيا، بحسب مدير مديرية الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة، محمد الجمال.

ضغوط من أصحاب المزارع

لم تطبق كل مواد نظام عمال الزراعة بحكم أوامر الدفاع، إذ نص البند الثالث من البلاغ (رقم 41) على أنه "للحيازة الزراعية تعليق تطبيق تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة وتأمين الأمومة وتأمين التعطل عن العمل على جميع أو بعض عمال الزراعة الواجب إشراكهم بأحكام قانون الضمان الاجتماعي وفقاً لنظام عمال الزراعة رقم (19) لسنة 2021، على أن يتم إشراكهم بتلك التأمينات اعتباراً من 1 يناير 2023".

وبحسب رأي مدير بيت العمال للدراسات حمادة أبو نجمة، فإن تأخير تطبيق النظام الخاص بعمال الزراعة، كان تحت ضغوط أصحاب العمل، وتنفيذهم اعتصامات أمام مجلس النواب للمطالبة بتأجيل تطبيق النظام.

عبد الله أبو الشيخ صاحب مزارع في مناطق الجنوب يرى أن نظام عمال الزراعة الجديد لا يحمي المزارعين، ويوافقه الرأي المزارع أحمد المحمديين بقوله "مصاريف على الفاضي"،   فأغلب العمالة لديها تصاريح عمل حرة تمكنها من العمل في أي مكان.

ويضيف أبو الشيخ أنه يدفع رسوم الضمان الاجتماعي للعمال الذين يقبضون رواتب شهرية فقط، أما عمال المياومة و المتنقلين من مزرعة إلى أخرى لا يشركهم في الضمان.

وزارة العمل ترى أن عدم استقرار العمال بالقطاع الزراعي لدى نفس صاحب العمل، واستمرار البحث عن صاحب عمل يعطي أجرا أعلى، هو السبب وراء تعرض العمال في القطاع الزراعي لانتهاكات حقوقهم العمالية، وأنها كوزارة قامت ب 1811 زيارة ميدانية عام 2021 لتوعية القطاع الزراعي بالحقوق والواجبات وإدخال النظام بشكل تدريجي للقطاعات المنظمة.

بدبلوماسية، ردت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بقولها إنها تتابع عن كثب قضايا المزارعين مع وزارة العمل الأردنية وفقًا للأنظمة والقوانين الحكومية، وأنها قامت بحملات توعية مع اللاجئين حتى يكونوا على دراية بحقوقهم المالية، إلا أن  السلطات الأردنية تتحمل المسؤوليات الرئيسية عندما يتعلق الأمر بحقوق وأنظمة العمل، وفقا للناطق الرسمي باسم المفوضية، محمد الحواري.

 

في الوقت الذي يحتفل العالم إلغاء العبودية والاتجار بالأشخاص بمفهومها الكلاسيكي منذ عام 1949، استمرت فاطمة و7 آخرون بالعمل في مزرعة شهرين متتاليين بانتظار اجرا مقداره دينار وربع الدينار  وانتهى بها الحال بإنكار حقها بعبارة  " اشتكي شو في عندك اثبات"، كحال أم محمد وكريم وعلي وآلاف آخرين ممن يتعرضون للاتجار بالأشخاص بالمفهوم الحديث.