مراكز الدراسات في الاردن تبحث عن هوية و تمويل

مراكز الدراسات في الاردن تبحث عن هوية و تمويل

يرى باحثون أن غياب المؤسسية، وضعف التمويل المحلي، وانعدام الهوية الواضحة للمراكز البحثية، وتواصلها مع صناع القرار معيقات باتت تهدد دور هذه المراكز، يأتي ذلك في إطار احتلال الأردن المرتبة الثالثة بجودة مؤسسات البحث على مستوى العالم العربي، والمرتبة الحادية والخمسين على مستوى العالم في تقرير المعرفة العربي لعام 2009.

المؤسسية والهوية عوائق تهدد المراكز

عريب الرنتاوي مدير مركز القدس للدراسات السياسية أوضح أن انتشار مراكز الدراسات في الآونة الأخيرة بدا ملحوظاً؛ إلا أن هذا التزايد لا ينبئ بزيادة الوعي بدور المراكز البحثية فقط، وإنما يأتي في إطار رفع المستويات الاجتماعية؛ حيث أن هذه المراكز لا تقوم بدور ينسجم مع طبيعة عملها على أرض الواقع.

بينما أوضح الدكتور نواف التل مدير مركز الدراسات الإستراتيجية أن معظم المراكز المنتشرة في الأردن هي أقرب لمكاتب استشارات تقوم على التعاقد مع الجهة التي ترغب بالدراسة؛ حيث أن هنالك خلط ما بين مراكز الدراسات ومكاتب الاستشارات وذلك لغياب إطار قانوني ينظم هذا القطاع.

ويضيف التل أن أهم ما تعانيه المراكز البحثية هو غياب المؤسسية؛ حيث تقوم معظم المراكز في الأردن على شخص المدير أو المالك نفسه.

وحول غياب هوية واضحة للمراكز البحثية؛ يعتبر الرنتاوي أن هوية المراكز لا تنشأ سريعاً؛ فلا يوجد لدى المراكز الخبرة الكافية والتقليد؛ حيث تأتي هذه الهوية في إطار الإنتاج البحثي الطويل والخبرة العميقة في المجال البحثي. فيما يرى التل أن غياب هوية المراكز يعود إلى الخلط ما بين مكاتب الاستشارات ومراكز الدراسات.

أما موضوعية وحيادية المراكز فقد اختلف الباحثون في أسبابها؛ فبينما يرى الرنتاوي أن هناك مبالغة في الإشارة إلى الموضوعية والحيادية في عمل المراكز؛ حيث لا يوجد في العالم مراكز بحثية موضوعية، فالمراكز لا تخفي انحيازها، رأى التل أن عملية تمويل المراكز تحكم مسألة الحيادية والموضوعية لمراكز الدراسات.

ويضيف التل إلى أن هنالك نقص كبير في الأبحاث العلمية والكادر البحثي العلمي الذي يشكل أحد معيقات المراكز البحثية؛ حيث يرجع ذلك إلى أن مخرجات التعليم العالي دون المستوى المطلوب، ويصنف التل الباحثين بحسب المستوى الأكاديمي؛ حيث يرى أن الباحث هو من يحمل شهادة الدكتوراه، أما من يحمل الشهادة الجامعية والماجستير فيندرج ضمن مساعد البحث.

هذا وترى الباحثة سناء موسى في المركز العلمي للدراسات السياسية أن أحد المعيقات التي تقف أمام حيادية وموضوعية المراكز؛ قضية التمويل التي تفرض أجندات معينة، بالإضافة إلى إشاراتها إلى أن معظم مراكز الدراسات في الأردن تجري الدراسات بناء على العلاقات الشخصية التي تحكم مدير المركز والجهة المعنية؛ حيث تكون نتائج الدراسة موضحة مسبقاً.

غياب صانع القرار عن مراكز البحوث المحلية

وبالرغم من أهمية الأبحاث العلمية في عملية صناعة القرار في الدول، وفيما تقدمه من سيناريوهات لأهم القضايا التي تهم تلك الدول؛ أشار الرنتاوي إلى أنه لا توجد علاقة ما بين صانع القرار والمراكز في الأردن وذلك لأسباب عديدة منها؛ عدم وجود مراكز تقدم أوراق علمية لصناع القرار، وعدم ارتياح الحكومات للمراكز المتواجدة في الأردن بالإضافة إلى القناعة الراسخة لدى صانع القرار بأن الدراسات والمراكز الغربية هي الأجدى.

ويضيف الرنتاوي حول معطيات قرارات الحكومات المتعاقبة، بأنها ليست مبنية على نِتاجِ مراكز محلية.

أما الباحثة موسى فترجع ضعف علاقة صانع القرار بالمراكز المحلية إلى عدم قناعة صناع القرار بمراكز الدراسات في الأردن؛ حيث يفضلون التعاقد مع مراكز بحثية دولية لإجراء دراسات عن الواقع المحلي بدلاً من التعاقد مع المراكز المحلية.

وتضيف موسى أن اهتمام صناع القرار في الأبحاث العلمية ضعيف، وذلك مع إشارتها إلى بروز اهتمام لدى صانع القرار بالأبحاث في الآونة الأخيرة لوحظ من خلال الصحف المحلية.

وحول طبيعة العلاقة التي تنشأ بين الحكومات وبعض المراكز، يبين الرنتاوي بأنها أشبه بعلاقة "زبائنية" وليست علاقة تحالف؛ فالحكومات تطلب أبحاثاً من بعض المراكز كي تسوق مواقفها وقراراتها.

بينما يرى التل في هذا الإطار أن بعض الحكومات تطلب من المركز استطلاعات لتقييم دور الحكومة، إلا أن المركز يلتزم بالحيادية في نتائج الاستطلاع المتعلق بتقييم دور الحكومات؛ وبتقديم الاستشارات للحكومات بغض النظر عن ردود فعلها حول نتائجها.

ضعف التمويل المحلي يفتح أبواب التمويل الأجنبي

مع ارتفاع عدد مراكز البحوث في الأردن زاد اعتماد هذه المراكز على الجهات التمويلية الدولية في إطار ضعف التمويل المحلي بحسب باحثين؛ حيث بلغ معدل إنفاق الأردن على البحوث العلمية من حجم الناتج المحلي الإجمالي نسبة 0.34 % لعام 2006، وفي ظل انخفاض تمويل الحكومات للبحوث؛ فإن معظم المراكز تلجأ إلى الجهات التمويلية الأجنبية إلا أنها لا تحصل على التمويل إلا إذا ما كان ضمن أولويات الجهة التمويلية.

ويرى التل أن غياب المؤسسية في المراكز البحثية؛ يجعلها تعتمد على الجهات التمويلية الأجنبية أكثر من الطبيعي.

أما حول طبيعة العلاقة بين الجهات التمويلية والدول يرى الرنتاوي أن هذه الجهات التمويلية قد مُنِحت بشكل أو بآخر موافقة حكومية على دعم مؤسسات المجتمع المدنية؛ حيث بدأت هذه الجهات التمويلية نشاطها مع الحكومات ومن ثم انتقلت لمؤسسات المجتمع المدني، كما ويرفض الرنتاوي تمويل الحكومات للمراكز البحثية؛ حيث أن هذا سيصبح كوسيلة للاسترزاق؛ حيث يربط الرنتاوي تمويل الحكومات للمراكز بمواقفها الموالية أو لاحتواء المراكز.

بينما يوضح التل أن مركز الدراسات الإستراتيجية لا يقوم بعملية تعاقد مع أي جهة بخصوص الدراسات، باستثناء الحكومات الأردنية المتعاقبة وذلك بالنظر للهدف الذي تأسس المركز من أجله.

وحول فرض الجهات التمويلية أجندات على مراكز الدراسات بشرط تمويلها، يوضح الرنتاوي أن ما يحصل لديهم هو وجود أجندة ومن ثم بدء عملية البحث عن تمويلها، وليس تكييف الدراسات حسب التمويل، إلا أن هذا لا يمنع من وجود مراكز تقوم على بحث عن تمويل ومن ثم صياغة أجندة حسب معطيات التمويل الأجنبي بحسب الرنتاوي.

بينما ترى سناء موسى باحثة في المركز العلمي للدراسات السياسية أنه لا يوجد تمويل محلي لمراكز الدراسات؛ وبالتالي تخضع معظم مراكز الدراسات لتمويل الجهات التمويلية التي تفرض أجندات على هذه المراكز.

في حين يرى التل أن عملية تمويل المراكز تشكل عبئاً على حيادية وموضوعية الأبحاث؛ حيث لا توجد جهة تمويلية "بريئة".

وفي ظل ما يشهده المجتمع من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية، تكمن أهمية نتاج المراكز البحثية في ما تقدمه من بحوث علمية لأهم ما يعانيه المجتمع من أزمات تتباين في اتساعها، إلا أنه مع تزايد أهمية الأبحاث في الوقت الحاضر، تظهر نتائج انخفاض اهتمام المواطن بنتائج هذه الأبحاث؛ حيث تمثل قصص الأساطير والإنس والجن والطبخ أهم ما يلفت انتباه المواطن بحسب الرنتاوي.

في حين أوضحت المواطنة ميسون أن المواطن يهتم في الدراسات ويحاول أن يقرأ منها الواقع المحلي؛ حيث تساهم هذه الأبحاث في توسيع مدارك المواطن. كما وأضافت إلى أن بعض مراكز الدراسات موجهة نحو سياسة معينة ما يفقدها الحيادية والموضوعية.

هذا ويصل عدد المراكز البحثية في الأردن إلى مئة وستة وثلاثين مركزاً بحثياً؛ تخضع لقانون الجمعيات رقم 51 لعام 2008؛ حيث تم تعديل القانون بحيث أصبحت مرجعية المراكز تتبع لوزارة التنمية الاجتماعية بدلاً من وزارة الصناعة والتجارة، وبناء على هذا القانون يتم ترخيص المراكز ضمن عدد من الشروط أهمها؛ وجود نظام أساسي يحكم المركز، بالإضافة إلى تقديم شهادة عدم محكوميه لمؤسسيه.

أضف تعليقك