محاولات الانتحار تهدف الى جذب الانتباه

الرابط المختصر

اجمع اكاديميون متخصصون في علوم الاجتماع والنفس ان محاولات الانتحار المعلنة امام الناس غير حقيقية وتهدف فقط الى الشهرة وجذب الانتباه .

واشاروا الى وكالة الانباء الاردنية الى ان هذه المحاولات تاتي ضمن اعراض امراض (الهستيريا) ذات الصلة بما يعرف بنظرية ( بكاء الطفل ) والتي يقدم فيها الاطفال على البكاء لغايات جذب الانتباه والحصول على حاجاتهم في حين ان حالات الانتحار الجدية تاتي نتيجة للاصابة بامراض الاكتئاب المزمن الشديدة .

واتفق المتخصصون مع وجهة نظر علماء الدين القائمة على ان تعزيز وتنمية الوازع الديني لدى الفرد تمثل الحل الجذري لانهاء هذه المحاولات والقضاء عليها .

وحول ظهور بعض محاولات الانتحار المعلنة التي شهدها المجتمع اخيرا اكد رئيس قسم علم الاجتماع في الجامعة الاردنية الاستاذ الدكتور حلمي الساري ان جميعها فردية تعكس خللا في بنية الفرد النفسية، وليس في بنية المجتمع وثقافته مدللا على ذلك تعمّد اصحاب هذه المحاولات الاتصال بالصحافة والاعلام لغايات كسب الشهرة والتعاطف .

وبين ان هذا النوع من المحاولات يعرف ب( محاولة الانتحار المشهدي ) الذي يعتبر احد انواع الانتحار الاناني وليس الاجتماعي منوها بهذا الصدد إلى احتمالية أن تكون بعض هذه الحالات ناتجة عن ضعف في الروابط الأسرية أو خلل في علاقاتها.

وفرّق مستشار علم النفس الطبي ,استاذ الارشاد النفسي في جامعة اليرموك الدكتور نايف الطعاني بين الانتحار الحقيقي ومحاولات الانتحار للفت الانتباه ، إذ يعتقد أن بعض الانحرافات النفسية وأنماط الشخصية التي تكثر فيها محاولات الانتحار تكون لجذب الانتباه أو ما يسمى بالبكاء من أجل حل المشكلة التي يقدم صاحبها على محاولة الانتحار أمام الناس في الأماكن العامة من أجل جذب انتباههم وليس الانتحار .

وقال انه وبالمقابل فإن الأشخاص الذين لديهم تاريخ مرضي بالاكتئاب، لا بد أن يتم التعامل مع محاولات انتحارهم باهتمام وجدية للحيلولة دون اقدامهم على هذا الفعل ، اذ غالبا ما تكون محاولاتهم حقيقية ومقصودة فعلا وناجحة ان لم يتم التعامل معها بكل اهتمام وعناية خاصة وان محاولات الانتحار التي يقدمون عليها تكون بطريقة سرية ودون معرفة احد بها .

مساعد الأمين العام لشؤون الدعوة والتوجيه الديني في وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية الدكتور عبد الرحمن إبداح قال إن الشريعة الإسلامية تحرم أن يقتل الإنسان نفسه بأي وسيلة وفي هذا يقول المولى سبحانه وتعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) مبينا أن من نوى الانتحار ثم عدل عن ذلك فإن الله تعالى يغفر له ويرحمه , وفي هذا يقول المولى عز وجل (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) وهذا مشروط بأن يكون العدول من ذاته، لا لسبب آخر .

ومن الناحية الاجتماعية فقد عرّف الدكتور ساري الانتحار بأنه انهاء الإنسان لحياته قصدِا ,أي بمعنى قتل الفرد لنفسه طواعية، والمقصود بالنفس هنا هي النفس الاجتماعية وليست ذات فردية بقدر ما هي قيمة اجتماعية, أي أن الفرد يقتل المجتمع بنفسه.

وبين أن الانتحار في علم الاجتماع هو المرتبط بالتضامن الاجتماعي والوازع الديني والتنظيم المجتمعي والاستقرار الاقتصادي والسياسي ارتباطا عكسيا , ومن هذا المنطلق فإن الانتحار من الناحية الاجتماعية يعكس درجة تمسك الأفراد بروابط جماعاتهم ومدى التزامهم بضوابطهم الاجتماعية موضحا أن ما نشهده في مجتمعنا من حالات محاولات انتحار فردية معلنة لا تقع بأي شكل من الأشكال في إطار الانتحار الاجتماعي ، بل هي محاولات ذاتية محضة ناتجة عن سلوكيات فردية .

وبين ان لدوافع الانتحار أسبابا متعددة بعضها ذاتي ناجم عن عدم تكيف الفرد مع المجتمع لنقص في مستوى ذكائه وإدراكه, واخرى ناتجة عن عدم مقدرة الفرد على ادارة مشكلاته والتعامل معها اضافة الى غيرها من العوامل النفسية التي تكمن في عدم المقدرة على التعامل مع الناس والمحيط .

واشار استاذ علم الاجتماع في هذا السياق الى أن التغير السريع الذي يشهده المجتمع الأردني في المجالات كافة انعكس على عمق التضامن والتكامل المجتمعي نوعا ما ، فقلّت الروابط القرابية وضعفت العلاقات الأسرية وتباعدت مستويات الجيرة عن بعضها البعض الا انه اكد في الوقت ذاته ان هذه العوامل بمجملها لم تصل الى مستوى عال من الخلل الاجتماعي الذي يدفع الى الانتحار مبينا ان مجتمعنا ما زال متمسكا بالقيم الدينية والتقاليد الاجتماعية وضوابطها .

وحول كيفية تفسير علم النفس لاسباب الانتحار اشار استاذ علم النفس الطعاني الى ان دوافع محاولات الانتحار النفسية لا يمكن فصلها احيانا عن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية الا ان سببها الرئيسي يكمن في عدم مقدرة الفرد على الفصل ما بين توقعاته وطموحاته ذات المستوى المرتفع وبين الواقع الذي قد يكون احيانا بعيدا عن مستوى الطموح الشخصي الأمر الذي يدفعه الى الدخول في مشكلات نفسية .

وقال أن مرض الاكتئاب النفسي يعتبر من اهم الاسباب المباشرة للإقدام على الانتحار والذي يعرف بانه مجموعة الأعراض التي تشمل الانسحاب من المجتمع وفعالياته بشكل عام بحيث يفقد الفرد الرغبة في العمل ويصبح عرضة لاضطرابات نفسية متعددة يدخل نتيجتها في دائرة مغلقة تشمل القلق والاحباط والشعور بالأسى وبالتالي فقدان الثقة بالنفس ما يدفع الفرد للانتحار .

وبين ان الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية وضغوطات العمل التي يعاني منها الفرد بشكل عام تسهم في إمكانية اصابة الفرد بالاكتئاب النفسي .

واشار الطعاني الى اهمية التحصين النفسي للشخص الذي يشمل تعزيز وتنمية الوازع الديني عند الفرد وزيادة الثقة بالنفس إضافة إلى مساعدته على تعزيز مستوى القناعة والرضى بحيث تتساوى توقعاته مع الإمكانيات المتاحة له وصولا إلى عدم رفض واقعه مقارنة بمستويات الآخرين .

هذا الامر اكده استاذ علم الاجتماع الدكتور ساري باشارته الى ان الأسلوب العلمي السليم في التعامل مع المشكلات وإدارتها وتعميق الوازع الديني لدى الشباب والعلاقات الاسرية تعتبر الحل الامثل في القضاء على محاولات الانتحار مبينا أن جميع الدراسات الاجتماعية اظهرت ان الافراد الذين يتمتعون بوازع ديني تكاد تكون محاولات اقدامهم على الانتحار معدومة .

وأوضح مساعد الامين العام لشؤون الدعوة والتوجيه الديني في وزارة الاوقاف الدكتور ابداح أن من أهم مقاصد الشريعة حفظ النفس الإنسانية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة)، وقوله عليه الصلاة والسلام (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده , يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) .

وقال ان الإسلام ينظر الى محاولة الانتحار انها هروب من مواجهة الحياة وضغوطاتها مبينا انه وبمقدار ما يفهم الإنسان نواميس الحياة بقدر ما يكون مستعدا للثبات والصبر .

ودعا إبداح إلى الرضى بقضاء الله تعالى وقدره والالتزام بالعبادات الإسلامية والتوجه الى الله عز وجل والاكثار من ذكره وقراءة القرآن الكريم لمواساة النفس وطمأنتها بالدعاء ومجالسة الصالحين .