محاضرة البخيت حول القضية الفلسطينية بين سطور الكتـّاب

محاضرة البخيت حول القضية الفلسطينية بين سطور الكتـّاب
الرابط المختصر

لا يمكن تصنيف ما تضمنته محاضرة رئيس الوزراء معروف البخيت ، إلاّ باعتبارها “رسالة سياسية” تفصح عن القراءة الرسمية الأردنية لتحضير السلطة الفلسطينية للإعلان عن “قيام الدولة الفلسطينية” من طرف واحد، في أيلول (سبتمبر) المقبل.

هكذا يرى الكاتب محمد أبو رمان في مقال له في "الغد" مضمون محاضرة البخيت التي حملت عنوان “مستقبل القضية الفلسطينية في إقليم متحول” وألقاها في نادي الملك حسين بعمان مساء الثلاثاء الماضي في نادي الملك الحسين.

ويشر إلى أن الرسالة الأردنية تضمنت، تلويحا غير مسبوق، وشديد اللهجة، برد فعل، تُرك مبهما وغير محدد، وذلك عندما أعاد البخيت التذكير بمقاومة الأردن، تاريخيا، لأي حلول إسرائيلية وخارجية لتصفية القضية الفلسطينية على حساب مصالحه الوطنية العليا.

فيما يرى رئيس تحرير "العرب اليوم" فهد الخيطان في مقال له، أن ما جاء في المحاضرة يمثل مقاربة جديدة للسياسة الأردنية تجاه القضية الفلسطينية، وأن الجديد في هذه المقاربة هو اعتماد المصالح الاردنية العليا اساسا ومنطلقاً للسياسة الرسمية تجاه التطورات المحتملة على الملف الفلسطيني بعد إعلان “السلطة” عزمها الطلب من مجلس الأمن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هذا العام.

قلق أردني...

يوضح أبو رمان أن الرسالة الأردنية عكست قلقا لم يكن خافيا في جمل البخيت من الخطوة الفلسطينية المرتقبة، بخاصة في ملفي اللاجئين والقدس، وما قد تتضمنه هذه الخطوة من تنازلات” تمس ملفات على صلة بالأردن كاللاجئين.

ورغم تساؤل الخيطان  عن الأسباب التي دفعت رئيس الوزراء إلى الشعور بالقلق على القضية الفلسطينية والمصالح الأردنية في هذه المرحلة التي تشهد تحولات عميقة في البيئة الإقليمية والدولية، إلا أنه أكد أن البخيت قلب معادلة السياسة التقليدية الأردنية تجاه القضية الفلسطينية. التي كانت تعطي الأولوية لاستئناف المفاوضات وصولا إلى “حل الدولتين” على حساب العناوين الأخرى واستبدلها بمعادلة جديدة تضع المصالح الأردنية شرطا لقبول أي حل.

 ويرجع أبو رمان القلق الأردني الواضح إلى السياق الحالي لإعلان الدولة الفلسطينية في أيلول، خشية أن تؤثّر “الصيغة الواقعية” لهذه الدولة على “قرارات الشرعية الدولية”، فيما يخص اللاجئين الفلسطينيين بدرجة رئيسة.

بل أن البخيت تجاوز اللهجة الدبلوماسية، بلغة غير اعتيادية، عندما أكد أنّ العلاقة مع القضية الفلسطينية تتجاوز البعد العاطفي، فهي قضية أمن وطني ومصالح بامتياز، وقوله “لن نسمح لأيٍّ كان أن يحتكر تمثيل ملف اللاجئين”، وأن“الدولة الأردنية هي من يمثّل مواطنيها، واللاجئون الفلسطينيون في غالبيتهم جزء من الدولة الأردنية"، وذلك في إشارة إلى “مستوى القلق الأردني"، بحسب أبو رمان.

ويضيف أبو رمان "لم يقف البخيت عند هذا الحدّ، إذ تجاوزه إلى التلويح بإعادة النظر في التحالفات على الجبهة الفلسطينية، عندما قال “إن علاقة الأردن مع الأطراف المختلفة، بما فيها الفلسطينية، ليست علاقة عاطفيّة بل هي علاقة سياسيّة قائمة على اعتبارات المصالح الأردنيّة العليا".

المصالح الأردنية العليا..

المعادلة الجديدة التي برزت بمحاضرة رئيس البخيت في للسياسة الأردنية تجاه القضية الفلسطينية والتي حلت محل معادلة كانت تعطي الأولوية لاستئناف المفاوضات وصولا إلى “حل الدولتين” على حساب العناوين الأخرى، هذه المعادلة الجديدة تضع المصالح الأردنية شرطا لقبول أي حل، بحسب الخيطان.

ويرى الخيطان أن المصالح الأردنية العليا وفق تعريف الخيت والتي اتخذ منها مرتكزا لسياسة الأردن الخارجية، تتمثل في ضمان حق اللاجئين في العودة والتعويض والقدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وبهذا المنطق يمكن القول أن البخيت تجاوز مبادرة السلام العربية خاصة فيما يتعلق بالموقف من حق العودة.

ويلمح الكاتب حسين الرواشدة بمقال له في "الدستور"، في حديثه عن عبارة البخيت بأن العلاقة التي تربطنا بالملف الفلسطيني ليست علاقة عاطفية وإنما علاقة سياسية منطقها "المصالح" المشتركة، ناهيك عن المبادىء والقيم التي نؤمن بها، خاصة فيما يتعلق "بالقدس" واللاجئين، إلى عدم ذكر رئيس الوزراء لقضية الحدود رغم أهميتها.

متطلبات المعادلة الجديدة....

يوضح خيطان أن اعتماد مقاربة البخيت الجديد يستدعي بالضرورة تغييرا جوهريا في خطاب السياسة الخارجية وسلوكها ومواقفها ولهجتها الدبلوماسية.

كما يشير الرواشدة إلى أن التحذيرات التي أطلقها رئيس الوزراء ضد من يحاول "اختطاف" المصالح الأردنية المرتبطة بقضية حل "الملف" الفلسطيني، لا تكفي، على أهميتها، ما لم تستند إلى "استراتيجية" أردنية جديدة، وفاعلة في التعامل مع المستجدات الداخلية والإقليمية المتعلقة بهذا الملف.

إلا أن المفارقة بحسب أبو رمان، تتمثل بمجيء رسالة البخيت عشية اتفاق المصالحة الفلسطينية ما بين حركتي فتح وحماس، واكتفاء الأردن بتمثيل متواضع جداً في الاحتفال بالقاهرة لحظة التوقيع على المصالحة، وفي ذلك رسالة أخرى، ربما تشترك مع تصريحات البخيت في التعبير عن حالة الغضب الأردنية من التهميش الإقليمي لدوره.

ولهذا، يضيف الخيطان، لم يكن مفهوما أبدا مستوى التمثيل المتواضع للأردن في احتفال المصالحة الفلسطينية بالقاهرة، ولن يكون مفهوما استمرار مقاطعة حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية أو حصر العلاقة بالمستوى الأمني.

ما بين الخارج والداخل:

أعرب الكاتب حسين الرواشدة عن خشيته بان ينعكس كل ذلك على ملف "الإصلاح" في بلادنا، كأن "يوظف" لتأجيله أو الالتفاف عليه، فيما الأولى أن يكون دافعا لنا لانجازه بسرعة، تمهيدا لتشكيل "جبهة" وطنية داخلية قادرة على مواجهة أزمة هذه التحولات والمستجدات التي تتعلق بمصالح الدولة الأساسية، وبمستقبل استقرارها أيضا.

واعتبر الخيطان أن المواقف التي أعلنها البخيت في محاضرته تشكل أساسا قويا لإجماع وطني أردني ينزع الألغام من طريق عملية الإصلاح السياسي في الداخل ويفتح الباب أمام دور جديد للأردن في المنطقة ويؤسس لعلاقة صحية واضحة مع مختلف التيارات الفلسطينية بما فيها السلطة الفلسطينية.

وخلص الرواشدة إلى أن أمام السياسة الأردنية، بشقيها الداخلي والخارجي، امتحانا صعبا، وعليها أن تتجاوزه بحكمة وسرعة وانتباه.

أضف تعليقك