مجلس الأمن يبحث اليوم موضوع القدس
يعقد مجلس الأمن الدولي، اليوم، جلسة طارئة للتصويت على مشروع قرار يطالب "بالامتثال للشرعية الدولية المتعلقة بالقدس"، وإبطال كل ما يستهدف "تغيير طابع المدينة وهويتها"، وسط محاذير فلسطينية من "عدم تمريره أمام "الفيتو" الأميركي أو التحفظ الدولي"، ما يستدعي، بحسبهم، وضع خطة مضادة لما اعتبروه "تصعيدا أميركيا لصالح الاحتلال الإسرائيلي ضد الحقوق الوطنية الفلسطينية".
يأتي ذلك على وقع اشتعال فلسطين المحتلة، أمس، تحت وطأة المواجهات الحادة مع قوات الاحتلال لقمع انتفاضة الفلسطينيين ضد قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حول "الاعتراف بالقدس عاصمة الكيان الإسرائيلي" ونقل سفارة بلاده إليها، واعتبار حائط البراق، بالمسجد الأقصى المبارك، جزءاً منه، وفقما صدر عن البيت الأبيض مؤخرا.
فيما يستقبل الفلسطينيون زيارة مبعوثي الإدارة الأميركية للمنطقة، الأسبوع الحالي، بالمسيرات والتظاهرات الاحتجاجية الحاشدة، التي دعت إليها حركة "فتح" والفصائل الوطنية، لرفض قرار ترامب والمطالبة بإبطاله، في ظل دعوات مسؤولين فلسطينيين "لإنهاء الإنقسام"، والتوجه الدبلوماسي والأممي المضاد، ومغادرة "اتفاق أوسلو"، بما في ذلك وقف التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال وإلغاء الاتفاقيات الاقتصادية، وصولا لحل السلطة الفلسطينية.
وعلى المستوى الأممي؛ فإن مشروع القرار الذي سيتم بدء التصويت عليه، اعتبارا من اليوم، خلال جلسة مجلس الأمن الطارئة بناء على طلب مصر، (العضو العربي الوحيد)، يتضمن "صياغة عامة، حيث تخلو مسودته من تناول قرار الرئيس ترامب، أو إيراد دولة بعينها، كذكر الولايات المتحدة الأميركية"، وفق خبير القانون الدولي، أنيس قاسم.
وفي ضوء تلك "العمومية"؛ فإن مشروع القرار سيمر أمميا على غرار القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، حيث يحتاج إلى 9 أصوات، من أصل 15 دولة عضوا في المجلس، لأجل تمريره خاليا من استخدام الدول الخمس الدائمة العضوية لحق النقض "الفيتو".
وقال قاسم، لـ"الغد"، إن مشروع القرار الحالي "لا يستهدف الولايات المتحدة أو الرئيس ترامب، ولو كان غير ذلك لكان الوضع مختلفا، بعيدا عن صياغته العامة المطروحة في مضمونه، والقريبة من القرار 478 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، في شهر آب (سبتمبر) 1980، والذي أبطل قرار الكيان الإسرائيلي بضم القدس واعتبارها عاصمة له".
واعتبر أن مشروع القرار "لا يرتقي إلى المستوى المطلوب، الذي يتناسب مع حراجة اللحظة الراهنة، وسط شكوك بتمريره أمام توقع استخدام "الفيتو"، سواء من قبل الولايات المتحدة أم من أي دولة أخرى، نتيجة مناورات سياسية تغلب عادة على نتيجة التصويت".
وأفاد قاسم بأنه "إذا تم تمرير مشروع القرار من مجلس الأمن فسيكون، بصياغته العامة، مجرد تكرار لقرارات أخرى مماثلة، حيث لن يضيف أي شيء جديد".
وكان مشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن للتصويت، وفق ما تردد في الأنباء، يطالب جميع الدول بالامتثال لقرارات المجلس السابقة المتعلقة بمدينة القدس، ويؤكد أن أية "قرارات أو إجراءات تهدف لتغيير طابع القدس أو مركزها أو تكوينها الديمغرافي ليس لها أي أثر قانوني"، بحسبها.
كما تشدد مسودة القرار على أن اعتبار أي قرارات متعلقة بوضعية مدنية القدس "لاغية وغير قانونية امتثالا لقرارات المجلس ذات الصلة"، بينما لا تشير إلى قرار الرئيس ترامب بشأن القدس المحتلة.
وفي الأثناء؛ وأمام هذا المسار الأممي المتواضع، فقد برزت دعوات فلسطينية للبحث في خيارات المرحلة المقبلة، إزاء "التصعيد الأميركي الأخير لصالح الاحتلال الإسرائيلي ضد الحقوق الوطنية المشروعة، وفي ظل المخاطر المحدقة بالقدس المحتلة وبالأهالي المقدسيين، والشعب الفلسطيني عموماً"، بحسبهم.
وتجد تلك الدعوات صداها مع عقد اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، اليوم في رام الله، فيما من المقرر أن يتم عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير قبل منتصف كانون الثاني (يناير) من العام المقبل، بحسب عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، عزام الأحمد، الذي أعرب عن أمله أن يلتئم بمشاركة الكل الفلسطيني، بما في ذلك "حماس" و"الجهاد الإسلامي".
وتتنقل الخيارات المطلوبة عبر المستويات الميدانية والدبلوماسية السياسية والأممية؛ حيث دعا الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، إلى إجراءات فاعلة، وذلك "بعدما قررت الإدارة الأميركية القضاء على دورها "كوسيط" لعملية السلام، إزاء فريقها الصهيوني الذي يعمل لمصلحة الاحتلال، بحيث أنهت بذلك عملية السلام، ولم يعد هناك اليوم سلام ولا مشروع سياسي"، بحسبه.
وأكد البرغوثي، لـ"الغد" من فلسطين المحتلة، ضرورة "تعزيز وتبني الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الجارية والممتدة عبر عموم فلسطين المحتلة، وتصعيد حركة مقاطعة الاحتلال، في مختلف المجالات".
ودعا إلى تفعيل قرارات سابقة، وفي مقدمتها "إحالة المسؤولين الإسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية للمحاسبة والمحكمة على جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني وفي الأراضي المحتلة، والإنضمام إلى المنظمات والمؤسسات الدولية، التي كانت الولايات المتحدة تضع "الفيتو" أمام الإنضواء الفلسطيني إليها".
وطالب البرغوثي "بإنجاز المصالحة وإنهاء الإنقسام، والتقدم بقيادة فلسطينية موحدة في إطار منظمة التحرير مع ضرورة تفعيلها، بما يسهم في تقوية وتوحيد الموقف الوطني المضاد لقرار ترامب ولعدوان الاحتلال المتواتر ضد الشعب الفلسطيني".
وأشار إلى أهمية "التوجه إلى أوروبا، لاسيما الدول التي لم تعترف بفلسطين حتى اليوم"، معتبرا أن "المرحلة الحالية ليست مرحلة البحث عن وسيط بديل عن الولايات المتحدة، بعد ضياع 25 عاما من المسار التفاوضي العبثي الذي تم استخدامه كغطاء للعدوان والاستيطان والتنكيل الإسرائيلي عقب فشل أوسلو".
ورأى حيوية ايجاد "مقاربة مختلفة، تنسجم مع الكل الفلسطيني كحركة تحرر وطني ضد الاحتلال"، مضيفا "لا نحتاج إلى وساطة، وإنما إلى دعم عربي إسلامي ودولي في مواجهة العدو الإسرائيلي، ومن ثم يمكن الحديث بعد تغيير موازين القوى عن إطار دولي لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية".
وطالب "بالتحرر نهائيا من اتفاق أوسلو، الذي ثبت أن توقيعه خطأ فادح، حيث لم يتضمن تجميد ووقف الإستيطان الإسرائيلي".
إلى جانب ذلك؛ تقف خيارات أخرى حيوية؛ وفي مقدمتها "الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لاستصدار قرار مضاد للقرار الأميركي، والمرجح أن يتم تمريره بأغلبية كبيرة"، بحسب خبير القانون الدولي أنيس قاسم.
واعتبر أن "الوفد الفلسطيني يستطيع التحرك دبلوماسياً، عبر استدراج رأي استشاري من محكمة العدل الدولية عن طريق الجمعية العامة، لبيان إذا كان "الاعتراف بالقدس"، كأرض محتلة، "عاصمة لسلطة الاحتلال"، مخالفاً للقانون الدولي أم عملا عدوانيا".
وقال إن هذا التوجه "مهم، حيث سيصدر عن أعلى هيئة قضائية تضم مختلف المدارس الفقهية في العالم، كما يعد نوعا من تثبيت "عدم قانونية وبطلان" قرار ترامب الذي لا يغير الوضع القانوني والتاريخي والديني لمدينة القدس، والذي لم يلتفت إلى نحو 320-350 ألف مواطن مقدسي فيها".
ونوه إلى أهمية "إدارة الدعوة للحصول على إدانة لقرار ترامب وتحميله المسؤولية الدولية"، عدا "إعادة النظر في قبول الكيان الإسرائيلي بالأمم المتحدة، والتوجه إلى الجمعية العامة للطعن في أوراق اعتماد المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة".
ودعا قاسم إلى "الخروج نهائياً من اتفاق أوسلو وليس إعادة النظر فيه، بما يعني إعادة المسؤولية مباشرة إلى سلطة الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، ووقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال وإلغاء الاتفاقيات الاقتصادية، وصولا لحل السلطة باعتباره الإنسحاب الأهم من أوسلو".
ويشار هنا إلى أن البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" ينظر حاليا في "مشروع قانون يستهدف استثناء بعض الضواحي الفلسطينية الواقعة حول القدس من حدود ما يسمى "بلدية القدس الكبرى"، بما يبعد حوالي 200 ألف مقدسي خارج مدينتهم"، وفق قاسم.
وفي السياق ذاته، أكد عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، محمد اشتية، أن النهج التفاوضي الثنائي انتهى بلا رجعة، معلنا أن القيادة الفلسطينية ستعمل مع المجتمع الدولي ودول كفرنسا وروسيا والصين، لبناء مسار سياسي جديد تحت مظلة المجتمع الدولي، يستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة كأساس للحل وليس التفاوض.
ميدانياً، تواصلت المواجهات أمس في مختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث قمعت قوات الاحتلال بإطلاق الرصاص المطاطي والحي وقنابل الغاز المسيرات والتظاهرات الشعبية العارمة، مما أدى إلى وقوع الإصابات والاعتقالات بين صفوف الفلسطينيين.
وكانت "جمعية الهلال الأحمر" الفلسطيني قد أفادت "باستشهاد تسعة مواطنين فلسطينيين وإصابة قرابة 3400 بجروح مختلفة، خلال المواجهات التي اندلعت في الأراضي المحتلة، منذ السابع من كانون الأول (ديسمبر) الحالي"