"مجرم الشرف" يقتل إلى الآن 9 أردنيات
*9 ضحايا والعدد مرشح بالازدياد * الضحايا من الصغار ومتعلمات *جهود حكومية أدنى من الصفر بقليل *تشدد قضائي يجابهه اتجاهات مجتمعية أكثر عنفاً * غالبية المجرمين أشقاء الضحية دون سن الثلاثين * الحق الشخصي عقبة أمام حق الضحية
9 ضحايا بأساليب متنوعة
منذ بداية العام الجاري وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير وصل عدد النساء ضحايا جرائم "الشرف" إلى 9 متنوعة أساليب قتلهم من الخنق مرورا بإطلاق الرصاص الوسيلة الأكثر انتشارا وصولا إلى "الذبح" بالسلاح الأبيض.
اللافت في جرائم هذا العام، هي سمة بعض تلك الفتيات الضحايا، اللواتي لم يزدن عن عمر 18 عاما؛ اثنتين منهن أكملن عامهن الـ16 تزوجن حديثا. وهذا ما تتفق معه دراسة أجراها مركز الدراسات للبحوث التنموية "مقدرة"، العام 2009 بعنوان "الواقع الاقتصادي لجرائم الشرف"، التي رصدت أعمار ضحايا لم يتجاوزن الثلاثين من عمرهن ونسبتهن إلى 81%
هذا العام تنوع "الجاني" في جرمه، من أب أو آخ وعم وابن عم وزوج، جميعهم اشتركوا في الضحية "الأنثى" التي كانت معلمة وطالبة ووالدة وزوجة؛ كلهن كن ضحايا القتل بدم بارد اجمعن على صون "الشرف" بالقتل.
إحداهن لم يشفع لأبيها صغر سنها 16 عاما في قتلها، بداية هذا العام، وبعد كشف خيوط الجريمة، تبين أنها تعرضت لاعتداءات مستمرة من قبل أبيها ما أدى إلى حملها سفاحاً وما أن علم بذلك حتى وجد الحل في إنهاء حياتها بـ20 رصاصة، وفيما بعد أعلن أنه دافع عن شرف عائلته.
في حادثة أخرى، فتاة عشرينية قتلها زوجها بعد كشفها عن علاقاته المتعددة مع النساء، ملفقا لها شبهة العلاقة مع أحد الرجال ليقتلها بدم بارد داخل سيارتها. كذلك فتاة عشرينية بقر شقيقها بطنها بالسكين أمام مواطنين قرب مخبز شهير في منطقة ماركا الشمالية لتفارق الحياة بنفس اللحظة.
خطيئة لعموم العائلة
خالة إحدى الفتيات المقتولات قبل سنوات، تحدثت لنا عن صدمة في عموم الأسرة لحظة الكشف عن "عفة" الضحية بعد مقتلها، وتأكدهم جميعا بأن شقيقها ومن ورائه أبيه ارتكبا "خطيئة العمر" في هذا السلوك الإجرامي، الذي ألقى تأثيرا شديدا على تاريخ العائلة جمعاء.
كأن جريمة "الشرف" تتجه في عرف مخططيها إلى الحل الجذري لـ"سمعة عائلة" لكنه لا يدوم حتى تستفيق عموم الأسرة على جريمة، وقع فيها طرفي المعادلة الضحية الأول والفتاة والثاني الجاني الذي فقد حياته بالسجن وبمجتمع يرفضه بعد خروجه من السجن.
تلك الجرائم التسع، سبقها ارتفع في العام 2009 إلى 22 جريمة بعد أن كانت 18 جريمة في العام 2008. آنذاك عبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن قلقها من استمرار جرائم الشرف في الأردن، وقالت في رسالة وجهتها إلى وزارة العدل أن "عدد الضحايا لم يتغير، بل وربما شهد زيادة بسيطة"، واصلة لنتيجة إلى أن "الجهود المبذولة في ما مضى لمكافحة هذه الجريمة لم تكن بالمثمرة".
تنديد حقوقي دولي
وطالبت المنظمة الدولية من الحكومة الأردنية بضرورة "إسقاط مواد" من القانون تسمح بتخفيض العقوبة للظروف المخففة لمرتكبي جرائم "الشرف". المادة 340 من قانون العقوبات تنص صراحةً على ما يسُمى جرائم الشرف، إذ تعطي حكماً مخففاً للجاني الذي يقتل إحدى محارمه إذا وجدها في حالة زنى.
وزير العدل السابق، أيمن عودة، اعتبر أن الأحكام "مشددة" في معظم هذه القضايا، وأن جرائم الشرف لها خصوصية في قيام المدعي العام المتخصص بالتحقيق فيها وإحالتها إلى محكمة الجنايات الكبرى، "لكن السجلات تكشف أنه نادرا ما يتم تخفيف الأحكام الصادرة عن المحكمة؛ حيث تم تخفيف أربع حالات فقط عام 2006، وخَمس في عام 2007، وحالتين في عام 2008، وحالتين في 2009"، وفق تقارير إعلامية.
لكن "هيومن رايتس ووتش" ترى عكس ذلك، وترصد استمرارا لمحاكم أردنية في إصدار أحكام "مخففة" في تلك الجرائم التي يرتكبها جناة من أسرة المرأة أو الفتاة المشتبهة بسلوك "غير أخلاقي".
وفي كانون الثاني العام 2009 خففت محكمة حُكماً صدر على رجل حاول قتل شقيقته مرتين إلى نصف مدة السجن، بناء على أسباب متعلقة بشرف الأسرة، بعد أن تنازلت عن دعواها الشخصية بحقه، وفق رصد المنظمة الدولية.
أما وزارة العدل فقد أعلنت في آب عام 2009 عن محكمة خاصة لجرائم "الشرف" لكن، ووفق تقرير المنظمة الدولية، لم يتم إحراز تقدم موازي في قانون العقوبات ومواده التي تسمح بتخفيف الأحكام على قتل الزوجات المتلبسات بعمل جنسي مخالف والجرائم المرتكبة في حالة "الغضب"، أو تخفيف الأحكام عندما تتنازل الضحايا عن الدعاوى الشخصية بحقهن.
اجتهادات لا ترقى إلى تعديلات
الواقع حاليا يتجه نحو تشدد المحاكم الأردنية في النظر بـ"تخفيف الأحكام" في هذا النوع من الجرائم، غير أن منظمات حقوقية ونسائية لا تزال تصر على أن "الجاني" يستفيد من المادتين "97 و98" في قانون العقوبات، المتضمنتين "عذرا مخففا للفاعل" إذا أقدم على فعله بصورة غضب شديد نتج عنه عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة تجاه المجني عليه.
لكن، عميد الكلية الحقوق بالجامعة الأردنية سابقا المحامي الدكتور كامل السعيد، يرى من جانبه أن نص المادتين (97)و (98)، وضعتا، لكون الإنسان قد يتسبب في فقد المسؤولية أو نقصها مهما كان عمره أو جنسه، والجدير بالذكر أن هذين النصين تحتفظ بهما جلّ إن لم يكن كل قوانين العقوبات في البلاد العربية وغيرها من البلدان الأخرى، لان هذا الاندفاع البشري أو الإنساني في مثل هذه الظروف الاستثنائية بكل ما يحمله من تجاوزات، هو من قبيل حقائق الأمور وطبائع النفس البشرية.
ألا يستحق هذا الشخص أن يستفيد من العذر القانوني المخفف كما يستفيد من العذر المخفف المنصوص عليه في المادة (340) من قانون العقوبات؟ أليست العلة في الحالتين واحدة؟ وفق ما يقوله المحامي السعيد، في مقالة له نشرتها صحيفة الغد بتاريخ السادس والعشرين من آب، "أليست العلة هي المفاجأة وما نجم عنها من استفزاز أفقد الشخص وعيه أو إرادته أو على الأقل أنقصها؟ أليست القاعدة القانونية تتمثل في أن الاتحاد في العلة يوجب الاتحاد في الحكم؟".
في وقت، لا تزال ناشطات حقوقيات ينتقدن الخطوات القضائية حيال ذلك النوع من الجرائم، ويعتبرن أن "تشدد القضاة" يعتمد على تقدير القاضي للقضية، لا على مرجعية قانونية ينبغي تعديلها بالأساس.
"الحكومة" اتخذت جملة خطوات حيال هذه الجرائم وعلى محورين الأول في "الممارسة القضائية التي باتت تشدد في إجراءاتها"، والثاني في "التعديل المنتظر على قانون العقوبات"، على ما قاله سابقا وزير الإعلام السابق نبيل الشريف، لكن التعديل على القانون لم يحدث قط.
لكن بين الأعوام 2001 و 2003 تم تمرير مشروع قانون مؤقت لمجلس النواب يعطي للمحاكم حرية أكبر في تطبيق عقوبات صارمة على مرتكبي "جرائم الشرف" أو العرض، وهذا ما أبدى فيه الناشطون تفاؤلا حذر.
"ارتفاع مؤشر جريمة الشرف العام الماضي بعد سنوات من هبوطه، يدلل على اتجاه مجتمعي يتجه نحو التشدد على المرأة"، تقول مديرة البرامج والأنشطة في "المعهد الدولي لتضامن النساء" إنعام العشي.
تسجل العشي خطوات جدية من قبل الحكومة للحد من هذه الجرائم، "منها تعديل للقوانين، وتطوير مقدرات القضاة على الحكم العادل، وتشديد العقوبات، وكذلك وإنشاء هيئات خاصة لما يسمى بجرائم الشرف لكن ذلك "غير كاف" بل وتعتبره العشي بـ"الموسمي" وترى الحل الجذري بـ"تغيير الاتجاهات المجتمعية فيما يتعلق بالنظرة إلى المرأة".
إسقاط الحق الشخصي يشكل عائقا كبيرا أمام الوصول إلى عدالة في تلك الجرائم، بالتالي يطبق الحق العام وعقوبته أدنى بكثير، وقد لا تتجاوز العام الواحد، "ولا يوجد عقوبة قصوى رادعة لهذه الجرائم"، وفق ما ترصده الصحفية المختصة بشؤون المحاكم، ليندة معايعة، لكن العشي، ترى من جانبها أن القضاء "غلظ العقوبة"، وتسرد مثلا في حادثة وقعت في منطقة الأغوار حيث خطط أب قتل ابنته وأسقطت العائلة الحق الشخصي، غير أن القضاء أسقط عقوبة عالية عليه.
قيم جاهلية
"تحكم مجتمعنا قيم جاهلية الإسلام بريء منها"، يقول وزير الأوقاف السابق، الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني، ويشير إلى أول صفحة من سورة "النور" تربي الأمة وتحذرها من جرائم الشرف "إن اللذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فجلدوهم بثمانين جلدة" معناها أنه لا يجوز التكلم عن عرض امرأة وأمسها دون بينة كبيرة تصل إلى 4 شهود.
واقع اقتصادي مجهول
بالعودة إلى دراسة مركز الدراسات للبحوث التنموية "مقدرة"، فقد ربطت بين جرائم الشرف والوضع الاقتصادي لدى الأسر. وأفادت إلى إن 76% من مرتكبي هذه الجرائم هم دون سن الثلاثين من أشقاء الضحية، وعادة يغرر بهؤلاء الشباب لاقتراف الجريمة، فيما بلغت نسبة من هم دون الثانوية العام 92%.
وأضافت الدراسة أن 73% من الضحايا في هذه الجرائم هم من النساء وهم من الأسر الفقيرة، حيث تكون هذه الجرائم أكثر شيوعاً.
أجريت الدراسة على 102 جريمة "شرف" وقعت في الأعوام (2000 و2009) وتضمنت لقاءات مع 27 مرتكب جريمة من أصل 43، ثبت أن 66% من مرتكبي جرائم الشرف من الفقراء، كما أن 73% من الضحايا هن فقيرات.
مدير مركز المفرق للدراسات والبحوث التنموية، يوسف منصور، يثبت من خلال نتائج الدراسة أن "جرائم الشرف مرتبطة بالعامل الاقتصادي وليس بالاجتماعي"، مدللا على ذلك "بأعلى نسبة فقر تمركزت في العاصمة عمان بنسبة 30% والعاصمة احتلت المرتبة الأولى في عدد الجرائم بنسبة 54%".
تتبع الدراسة واقع الفتيات الضحايا، حيث وصلت نسبة الحاصلات على شهادة الثانوية العامة إلى 8%، ونسبة 18% عاملات, 82% غير عاملات, فيما يقل دخل 42% من الضحايا عن 450 ديناراً.
المجتمع المدني
أعُلن في العام الماضي عن مشروع "تحرير الشرف مما يسمى بجرائم الشرف" لمركز المعلومات والبحوث، ويهدف إلى تمكين 26 مؤسسة مجتمع مدني مختصة في العنف الأسري لمواجهة جرائم ترتكب باسم الشرف.
ويبحث القائمون على المشروع إلى خلق وعي عام وتغيير التصور غير الواضح لما يسمى بجرائم الشرف وتوفير دعم للمؤسسات التي تتعامل مع العنف ضد المرأة. وهنا تتمنى المحامية العشي أن تتكاتف المنظمات الحقوقية والمؤسسات الإعلامية في مجال رفع وعي المجتمع، متمنية أن يكون دور المنابر الدينية أكثر تفاعلا مع نداءاتهم المتكررة.
القتل "العاطفي" رديف "الشرف"
عالميا، تشير أرقام دراسة أعدتها المفوضية الأوروبية إلى أن واحدة من خمس نساء في العالم تتعرض للعنف من شريكها (الزوج أو الصديق) ويسمى في أوروبا بالقتل العاطفي.
يربط رئيس قسم الاجتماع في الجامعة الأردنية موسى شتيوي، ارتفاع معدلات العنف بجرائم الشرف، راصدا في دراسة له، السنوات الأربع الأخيرة كانت ليست في صالح عموم الأسر الأردنية؛ ففي عام 2004 وصلت عدد حالات العنف الأسري إلى 1423 حالة، بينما العام 2008 فقد ارتفعت إلى 4312.
يذكر أن العام 2009 شهد مقتل 22 فتاة، والعام 2008 18 فتاة، والعام 2007 مقتل 17 فتاة، والعام 2006 24 فتاة، والعام 2005 21 فتاة، والعام 2004 19 فتاة، والعام 2003 وصل فيه عدد الضحايا إلى 14 فتاة.